كنيسة سيدة رامات
مقدمـة
كما زخّات المطر تنهمر على الأرض حاملةً خير السماء للأرض العطشى إلى الخصب والعطاء، هكذا زرع الموارنة أرض لبنان، وبلدان انتشارهم، كنائس على إسم العذراء مريم أم الله، وشاؤوا بفعلتهم هذه مجد الله وخلاص النفوس.
هذه الكلمات البسيطة، تُعبرّ عن مدى التصاق الموارنة بوالدة الإله، منذ تكوينهم حتى اليوم، وإلى ما شاء الله. هذا هو الوطن الرسالة، وهذا هو إيماننا ألذي شئناه، لا حبراً على ورق، إنما أفقاً قويّا قوامه وصل الأرض بالسماء.
“… ومن هذا المنطلق نقول : أن الموارنة كانوا في هذا الجيل كنيسة الفقر والصلاة، كما لا نزال نرى في مناطق عديدة الكنائس الصغيرة والأرض الجرداء، حيث إضطرّ الموارنة أن يعيشوا فقراء وإنما كان أُفقهم الأقوى هو الله ” (المطران حميد موراني).
وما كنيسة سيدة رامات سوى حلقة من تاريخ مجيد صامت صامد، لكِن العِناية الإلهية شاءت، بشفاعة صاحبة المقام، أن تمسح غُبار النسيان عن هذا الكنز الثمين، فكان هذا الكتيّب البسيط، ألجامع بين دفّتية التاريخ والعلم إلى شيء من الروحانية المريمية، راجياً أن يقدّر لهذا المقام مَن هم أصحاب إختصاص ومهارة يعملون على إنصاف التاريخ قبلَ أن يطالهم حكمه العادل.
لمحة تاريخية
1. رامـات
مزرعة صغيرة تابعة لدير مار قبريانوس ويوستينا – كفيفان، التابع للرهبانية اللبنانية المارونية.
تقع على الطريق العام المؤدي من قرية جران إلى ديريّ كفيفان وجربتا في منطقة البترون. ترتفع عن سطح البحر حوالي 350م … أعطت رامات للكنيسة وللوطن عدِّة رجالات، منهم البطريرك يعقوب الراماتي (1141 – 1151)،
والحبيس الأب الياس الراماتي (1837 – 1914)، ألذي عايش القديس شربل نحو 5 سنوات في محبسة عنّايا … وكلمة رامات، جمع لكلمة رام، والتي تعني بالسريانية ألمكان المرتفع…
في رامات كنيسة على إسم السيدة العذراء، أجمع المؤرخون على أنها تعود إلى عهد الصليبيين، وتحديداً إلى ما قبل سنة 1130، وربما قد يكون البطريرك يعقوب قد جعلها مركزاً بطريركياً حين لجأ إلى المنطقة هرباً من الأضطهاد، كما جعل البطريرك إرميا العمشيتي (1199 – 1230) دير كفيفان مركزاً له …
لا نعرف بالتحديد تاريخ الكنيسة، إنما يبقى المجال مفتوحاً أمام العلماء للبحث والتنقيب وإعطاء المعلومات الدقيقة…
تشير أعمال الترميم ألتي جرت مؤخراً على البناء (صيف سنة 2000) إلى أن الكنيسة جزء من بناء أكمل، ربما هو دير، كون البطاركة الموارنة لا يقيمون إلا في أديار…
وقد يكون تعرّض القسم المسقوف بالخشب المغطّى بالتراب إلى الحريق، ولم يسلم من فعل النار إلا البناء المعقود بالحجر، والذي هو الكنيسة التي تشوّهت، فأعيدَ ترميمها، على ما تدلّ آثار ألبناء من الداخل.
وما يدعم هذا الرأي هو وجود هياكل عظميّة حول الكنيسة، لا سيّما من الجهة الشرقية، حيث ما تزال آثار مدفن أرضي ظاهرة للعيان.
وهي عِبارة عن بناء مبني بالحجارة المعقودة، وإلى جانبها قطع حجرية صغيرة على شكل مكعبات، مرصوفة كالفسيفساء، مغموسة بالكلس الحجري، بالإضافة إلى قطع فخّارية قديمة، وإلى حجر ضخم يبلغ قطره ما يزيد على 1.25م، ويبدو أنه كان يستعمل كمعصرة… وقد وضع حالياً في باحة الكنيسة لجهة الغرب.
كما وجدت بعض قطع من البلاط الصخري المصقول، فرفعت من موقعها، وأُعِيد رصفها عند مدخل الكنيسة والأدراج المؤدية إليها.
يبلغ طول الكنيسة من الخارج 12.25م ومن الداخل 11.50م، وعرضها من الخارج 10.20م ومن الداخل 4.25م، وإرتفاعها من الخارج 5.50م ومن الداخل 4.50م. لها مدخل واحد لجهة الغرب، ونافذة واحدة لجهة الجنوب وكوّة واحدة في الحنيّة التي يبلغ قطرها 3.70م.
الكنيسة مبنية بالحجر المعقود بشكل سريري. أرضها مرصوفة بالبلاط الصخري ومذبحها الحالي يبلغ طوله 1.48م وعرضه 1.23م وأرتفاعه 0.93م،
وفيه وضعت بقايا العظام التي وُجِدت أثناء الحفريات، وربمّا تعود إلى بطاركة ورهبان وعلمانيين سكنوا “الدير” وجواره… وعلى بعد حوالي عشرة أمتار شمالي شرقي الكنيسة بئر ماء محفور بالصخر، تتجمع فيه أمطار الشتاء، ومن المؤكدّ أنه كان يستعمل من قِبَل سكان “الدير”، وعلى مسافة قريبة جداً من الكنيسة يوجد بعض البيوت القديمة المبنيّة على طراز البيوت اللبنانية…
إنطلاقاً من الأهمّية التاريخية والأثرية لهذه الكنيسة، وإبرازاً لما فيها وفي محيطها من معالم بالغة الأهمية، وحفاظاً على ما تمثله من تراث كَنًسي – ماروني أصيل، بدأ دير مار قبريانوس ويوستينا – ضريح القديس نعمة الله ورجل الله ألأخ إسطفان نعمه،
بإطلاق ورشة عمل شملت الكنيسة، داخلاً وخارجاً وجوارها، بالإضافة إلى الطريق المؤدية إليها إنطلاقاً من الطريق العام، وما يحيط بالكنيسة من أرض… كونها تقع أيضاً على مسافة قريبة من ديرين مزارين : دير كفيفان ضريح القديس نعمة الله والأخ إسطفان ودير جربتا ضريح القديسة رفقا.
جمعيّة “جنود مريم”
No Result
View All Result
Discussion about this post