أخبار من كتاب الوردية
– ورد في التاريخ، أنّ السيّدة العذراء أرادت أن تنبّه أحد المكرّمين لورديّتها إلى فساد عمل ما، فتلطّفت وتراءت له وناولته كأسًا مملؤة من شراب لذيذ. فتناول الكأس وإذا بها قذرة غير نظيفة فتوقّف عن شربها منذهلاً من غرابة الأمر، لأنّ الشراب الذي كان في الكأس رائق لذيذ الرائحة لكن الكأس مغشاة بالقذر.
ولمّا كان غرض العذراء أن تكشف له عن حالة تكريمه لها ناجته قائلة له:
“أنظر الآن يا بني أنّ المسبحة الورديّة التي تتلوها كلّ يوم لإكرامي هي صلاة مستحسنة مني وكريمة لدي للغاية، إلاّ أنّني صدورها عن قلب دنس غير طاهر لا أتقبّلها منك وتعافها نفسي، فنظّف قلبك إذا كنت تحبّ أن تكون صلاتك مقبولة لدي”. ثمّ توارت الرؤيا ففهم الشاب منها ذلك، وبادر حالاً إلى إصلاح سيرته وإتقان عبادته.
– جاء أنّ أحد المكرّمين للورديّة لما سمع التأمّل الذي فيه الكلام عن كون مريم العذراء تُحبّ الذين يتلون ورديّتها وتحامي عنهم، كحماية الأم لأبنائها الأعزّاء، هام في حبّ تلك الصلاة وكان يتلوها بكلّ حرارة.
إلاّ أنّه بقي على عادة سيئة فيه قديمة لا يتركها، وقد اعترف بها مرارًا ونبّهه مرشده إلى تركه ولم ينتبه، استنادًا منه على أنّ العذراء أمّه تحامي عنه. وإذ كان ذات يوم يصرخ إليها بهذه العبارة: أبيني ذاتك أمًا لي أيّتها العذراء”،
أجابته بصوت لطيف “وأنت أبن ذاتك ابنًا لي حقيقة”. ففهم عندئـذٍ أنّه لا يصلح أن يدعو العذراء أمًا وهو منفصل عن نعمة الله، وبعيدًا عن ابنها يسوع المسيح بسبب العادة الرديئة المتأصّلة فيه. فتاب توبة صادقة ورجع إلى الله رجوعًا صحيحًا.
– ورد في أعمال القدّيس عبد الأحد، أنّه إذا كان يعظ ذات يوم في فرنسا، أحضروا إليه أحد الهراطقة “الألبيجازيّين” ممسوسًا من الأرواح الشريرة، وذلك لافترائه على صلاة الورديّة المقدّسة التي كان عبد الأحد دائبًا في نشرها، وطلبوا إليه شفاءه. فطلب القدّيس من الأرواح الشريرة الساكنة في ذلك الرجل، أن تُصرّح بما إذا كان ما يعمله هو بخصوص الورديّة مطابقًا للحقيقة أو هو ضلال كما يزعم أخصامه.
فاعترفت تلك الأرواح صريحًا بأنّ تعليم عبد الأحد لجهة شرف المسبحة الورديّة هو صواب وحقّ، وأنّهم لا يستطيعون إلى المكرّمين لها سبيلاً. لأنّ العذراء المجيدة تمدّهم بنعمة التوبة من لدن ابنها الفادي. فأمر عند ذلك مار عبد الأحد أن يتلو الحاضرون المسبحة الورديّة لأجل ذلك الرجل الممسوس. فكانوا كلّما تلوا السلام مرّة، تخرج تلك الأرواح منه كأنّه شهب نار، حتّى إذا انتهوا من تلاوتها رؤوا ذلك الممسوس سالمًا صحيحًا. وبهذه الآية ارتدّ كثيرون من أولئك الهراطقة.
– ذكر أحد المؤرّخين، أنّه فيما كان أحد المؤمنين الورعين يتلو المسبحة الورديّة بخشوع، أراه الروح يسوع الطفل في حضن والدته ينظّم عند تلاوة السلام كلّ مرّة وردة في سلك إلى أن انتهى من صلاته فإذا تلك الوردات منظومة، إكليل جميل فأخذ الطفل ووضعه على رأس والدته مظهرًا ارتياحه الشديد إلى تكريمها، ورضاه عن ذلك المتعبّد في إتقان صلاة المسبحة الورديّة.
– ذكر التاريخ عن القدّيس أنطونيوس الذي كان رئيس أساقفة فرنسا، أنّه كان شديد الولع في نشر صلاة الورديّة. وكان يشغل في نشرها قلمه ولسانه، وقد امتاز في حبّ الطهارة والوداعة والإماتة، بحيث صار يعمل الآيات الباهرة.
فأعلمته العذراء بيوم وفاته فاستدعى إلى محلّه إخوته الذين كانوا معه في الرهبانيّة وكلّفهم أن يرتلوا معه صلاة الفرض. ولمّا سألوه لماذا يرتّل هو الفرض وصحته معتلّة لا تساعده على الترتيل أجابهم: اليوم عندي عيد عظيم والعيد يقتضي الفرح والترتيل فإنّي بهذا اليوم أعاين سيّدتي وأمي العذراء المجيدة.
وكان الأمر كما قال لأنّه في ذلك اليوم توفّاه الله وفاز بإكليل رسول وإكليل بتول وإكليل معترف كما صار إثباته من الكنيسة المقدّسة.
– ورد في ترجمة القدّيس توما الأكويني، أنّه لشغفه في حبّ العذراء من صغره، عكف على نشر مدائحها ومحاسنها، بحيث أقام ذات سنة خمسين يومًا مدّة الصيام الكبير في مدينة نابولي يلقي مواعظه وكان موضوعها السلام الملائكي لا غير وكانت الجماهير تتزاحم لسماع كلامه الذي كان أشبه شيء بجواهر منضودة. وكانوا يعجبون بأساليب فصاحته الغير المحدودة.
وقد ظهرت له العذراء المجيدة مرارًا وكانت تلقنه في المباحث العويصة، وبفضلها صار ملفان الكنيسة ومحامي الإيمان وناقد الأضاليل. إلى أن تراءى له يسوع المسيح ذات يوم قائلاً: “لقد أحسنت يا توما بما كتبت عني وأَجَدْت، فما تحبّ مني أن أجزيك”.
فأجابه: “لا أريد يا مولاي إلاك وحسبي رضاك”. وهذا القدّيس كان هائمًا للغاية في تلاوة المسبحة الورديّة ومثله القدّيس “بوناونتورا” العلاّمة الشهير وغيرهما من أكابر الأئمّة والعلماء.
من كتاب :
الورديّـــة نشأتها وتاريخها
دورُها وأهميّتها في الحياةِ الرّوحيّة
جمعيّة “جنود مريم”
No Result
View All Result
Discussion about this post