الفصل الأوّل:
الورديّة ، صلاة تأمّليّة
انطلاقًا، بالضبط، من اختبار مريم، تُعتبر الورديّة صلاة تأمّليّة كاملة. وهي قد تصبح مبتورة إذا ما نزعنا هذا المدى، كما أشار إلى ذلك بولس السادس: “بدون التأمل تكون الورديّة جسدًا بلا روح، وتتعرّض تلاوتها لخطر أن تصبح تردادًا آليًّا لصيغ كلاميّة وأن تعمل بعكس تنبيه يسوع”:
“وإذ تصلّون، لا تسرفوا في الكلام كالوثنيّين؛ فهم يتوهّمون أنّهم، إذا ما أكثروا من الكلام، يُستجابون” (متى
6، 7).
إنّ تلاوة الورديّة، بطبيعتها، تحتّم أن تكون الوتيرة هادئة وأن يُكرّس لها ما يلزم من وقت، كي يستطيع الشخص الذي يتفرّغ لها، أن يتأمّل، بشكل أفضل أسرار حياة الربّ، من خلال قلب من كانت الأقرب إليه، وهكذا يصدر عنها غنى لا يُسبر”…
نتذكّر المسيح مع مريم: … فالورديّة، باعتبارها تأمّلاً في المسيح مع مريم، هي تأمّل خلاصيّ…
بمريم نتعلّم المسيح: إنّ المسيح هو المعلّم الأسمى، هو الموحي والوحي. فالمطلوب لا أن نعرف ما علّمنا، بل أن “نتعلّم أن نعرفه”. وأي معلّم، في هذا المجال، يمكنه أن يكون أكثر خبرة من مريم؟…
إنّ أولى “الآيات” التي حقّقها يسوع أن يتحوّل الماء خمرًا، في عرس قانا يُظهر لنا فعلاً مريم بصفتها معلّمة، عندما دعت الخدَم إلى أن يفعلوا ما يقوله المسيح (يو 5، 2). ويمكننا أن نفكّر أنّها قامت بهذه المهمّة تجاه التلاميذ بعد صعود يسوع، وعندما واظبت معهم في انتظار الروح القدس وأيّدتهم في رسالتهم الأولى.
السير مع مريم خلال أحداث الورديّة، هو كأنّنا نضع ذواتنا في “مدرسة” مريم كي نقرأ المسيح، وندخل في أسراره ونفهم بلاغه…
التشبّه بالمسيح مع مريم: …إذا تكلّمنا بإلفة مع يسوع ومع العذراء، بواسطة تأمّل أسرار الورديّة، وبإنشائنا معًا حياة واحدة بالمناولة، نستطيع أن نصبح، بقدر ما تسمح بذلك حقارتنا، شبيهين بهما ونتعلّم بأمثالهما السامية أن نحيا بشكل متواضع، وفقير، ومستتر وصبور وكامل.
بفضل تطوّر التشبّه هذا بالمسيح، بواسطة الورديّة، نكِل ذواتنا بشكل خاص إلى عمل العذراء القدّيسة الأموميّ… إنّها الإيقونة الكاملة لأمومة الكنيسة.
تنقلنا الورديّة، سريًّا، إلى جوار مريم، في بيت الناصرة، حيث هي مشغولة بمرافقة نموّ المسيح البشريّ…
…هكذا دور مريم في حياة كلّ منّا في مسار التماثل بالمسيح: “كلّ كمالنا يكمن في أن نتشبّه بيسوع المسيح ونتّحد به ونتكرّس له”…
نتوسّل إلى المسيح مع مريم: لقد دعانا المسيح إلى التوجّه نحو الله بثقة ومثابرة كي نستجاب: “إسألوا تُعطوا؛ أطلبوا تجدوا؛ إقرعوا يُفتح لكم” (متى 7، 7)…
…إنّ مريم بشفاعتها كأم، تتدخّل كي تدعم الصلاة التي يصعّدها المسيح والروح من قلبنا. “وصلاة الكنيسة كأنّها محمولة بصلاة مريم”…
…الورديّة هي تأمّل وتوسّل في الوقت عينه. إنّ طلب والدة الإله الملحّ يرتكز على اليقين الواثق بأنّ وساطة أمومتها هي كليّة القدرة على قلب ابنها… في الورديّة، بينما نرجو مريم، هيكل الروح القدس (لو 1، 35)، تقوم هي أمام الآب، الذي ملأها نعمة، وأمام الابن، الذي ولدته في العالم، مصليّة معنا ومن أجلنا.
نعلن المسيح مع مريم: إنّ الورديّة هي أيضًا مسيرة إعلان وتعميق، من خلالها يُقدَّم سرّ المسيح بصورة دائمة، إلى مختلف مستويات الاختبار المسيحيّ… إنّ تاريخ الورديّة يظهر كيف أنّ هذه الصلاة قد استعملها بخاصّة الدومنيكان، في وقت صعب بالنسبة إلى الكنيسة بسبب انتشار الهرطقة.
اليوم، نواجه تحدّيات جديدة. فلمَ لا نمسك بيدنا المسبحة بالإيمان عينه الذي ملأ أسلافنا؟ لا تزال الورديّة تحتفظ بكلّ قوّتها ولا تزال وسيلة ضروريّة في الجعبة الراعويّة لكلّ مبشّر صالح بالإنجيل.
الفصل الأوّل: الورديّة ، صلاة تأمّليّة
الفصل الثاني: أسرار المسيح – أسرار أمّه
الفصل الثالث: الحياة لي، هي المسيح
جمعيّة “جنود مريم”
Discussion about this post