رموز المسبحة
وتسميتها ورديّة بحسب بعض المؤرّخين القدامى
إنّ الآية التي وردت في رؤيا يوحنّا، عن الملاك الذي نزل من السماء وبيده سلسلة قويّة قيّد بها التنين الحيّة القديمة، قد حملها بعضهم على القدّيس عبد الأحد رسول العذراء، وأنّ السلسلة هي المسبحة الورديّة والتنين هو إبليس، وهذا نفسه شهد بأنّ المسبحة الورديّة تربطه عن الأضرار بالناس.
وقد ورد في أعمال هذا القدّيس: أنّه لمّا كان قومه مذعورين من المخاوف التي كانت تتهدّدهم من اضطراب الجوّ، وزمجرة الرعود ولمع البروق (كما سبق وذكر)، نادى بهم صارخًا:
“إنّي أرى أمامي فرقة من الملائكة جنود العلي، عددها مائة وخمسون ملاكًا شاكي السلاح، للانتقام منكم بسبب معاصيكم، ولكن يمكنكم النجاة منهم باحتمائكم في أكناف العذراء والدة الفادي وتلاوة ورديّتها وتكريمها، وأنا الكفيل لكم بالنجاة. وفي تلك الساعة سمعت أصواتًا صارخة تقول:
ويلٌ لنا فها إنّ قوّة الورديّة تزجّنا إلى الأعماق الجهنميّة مقيَّدين بسلسلة قويّة”.
وقد ذكر المؤرّخ “كروازه”، أنّ عبد الأحد قد تغلّب على البدعة الألبيجازيّة التي كانت متسلّطة في فرنسا، وردّ من المبتدعين الكثير، وربح من الخطأة جماهير لا تحصى.
ذكر البابا “اكليمنضوس الثامن”، أنّ أوّل من ألّف أخويّة للورديّة في رومية عاصمة الكثلكة، هو القدّيس عبد الأحد، وكان تأليف هذه الأخويّة بصورة حافلة باهرة، وقد أصاب بذلك رفعًا لشأن هذه العبادة ونشرًا لها من تلك المدينة العظيمة إلى سائر الأقطار، بما أنّها من أخصّ أركان الحياة المسيحيّة، وأفضل الشعائر الدينيّة.
إنّ صلاة الورديّة لم تكن في أوّل نشأتها تدعى بهذا الاسم، بل كانت تدعى تارة بصلاة “الأبانا” وتارة “بالمزامير المريميّة” تِشبيهًا لها بالمزامير الداووديّة، لاشتمالها على مائة وخمسين من السلام نظير عدد المزامير، ولأنّها تُتلى يوميًّا في الكنائس كما تُتلى المزامير.
ثمّ دعيت مسبحة عبارة عن عقد أو إكليل منظوم على مثال الإكليل الذي وضعه موسى على تابوت العهد. وقد كانت هذه المسبحة في أوّل أمرها، كناية عن سلسلة معقودة عقدًا بعدد الأبانا، والسلام فيها.
وهكذا قد استعملها القدّيس عبد الأحد نفسه، كما شهد “ألانوس” بقوله: “إنّ عبد الأحد كان يوزّع من تلك السلاسل المعقودة منه عقدًا كميّة وافرة وكأنّي به يوزّع مقاليع يرمي بها إبليس”.
وقد شبّهها بعضهم، بالحبلة القرمزيّة التي دلّتها “راحاب” على جدار مدينة أريحا، وبها تخلّصت مع كامل عائلتها من خراب أريحا ودمارها.
وقد قال القدّيس إيرونيموس: “وتلك الحبلة كانت عقدًا منضّدًا بالأسرار، وما أشبهها بسلسلة الورديّة التي بها ينجو الخطأة من تنكيل النقمة الإلهيّة”.
وقال بعضهم أنّ سلسلة الورديّة بربطها كلّ حبّة من حبّات المسبحة بأختها، تشير إلى ارتباط الأخوة الذين يشتركون بها مع بعضهم.
إنّ تسمية هذه الصلاة “بالورديّة” قديمة العهد على ما وردت في براءات الأحبار وأسفار المؤرّخين. قال المعلّم “كرنيلوس الحجري” الشارح الشهير للأسفار الإلهيّة، إنّ تسمية الورديّة هو من آية الكتاب القائل في سفر الحكمة كالوردة المغروسة على ضفاف المياه. وفي سفر الجامعة كالوردة المغروسة في أريحا.
على أنّ الوردة بلونها الظريف، ورائحتها الزكيّة هي أصلح ما يكون للتعبير عن العذراء وجمالها وطهارتها، وبهاء عظمتها ومقدرتها وعذوبة رحمتها ومحبّتها. ولذلك اعتاد المسيحيّون أن يكرّموا “الوردة السريّة” بتلاوة المسبحة الورديّة.
هذا ولا يخفى أنّ في الورد نضارة أوراقه، ولذعة أشواكه، وجمال أزهاره. فنضارة أوراقه عبارة عن أسرار الفرح. ولذعة أشواكه كناية عن أسرار الحزن. وجمال أزهاره رمز على أسرار المجد.
فالوردة بجمالها تبهج الأنظار، وهكذا يسوع ووالدته يبهجان القلوب بأفراحهما. وبأشواكهما تلذع، كذلك يسوع ووالدته بأوجاعهما يمسّان قلوب الخطأة بلواذع التوبة والندامة.
وبرائحتها الزكيّة تنعش النفوس، وهكذا يسوع ووالدته بأسرار مجدهما ينعشان أرواحنا برجاء المجد السماويّ. إلى غير ذلك من وجوه الشبه بين الورد وصلاة الورديّة
من كتاب :
الورديّـــة نشأتها وتاريخها
دورُها وأهميّتها في الحياةِ الرّوحيّة
جمعيّة “جنود مريم”
Discussion about this post