القديس يوسف البتول شفيع كنيسة عصرنا
28 في أيّام كانت عسيرة على الكنيسة، أراد البابا بيوس التاسع أن يَكلِها إلى القدّيس يوسف ليشملها بحماية خاصّة، فأعلنه “شفيعًا للكنيسة الكاثوليكيّة
وكان البابا يعلم أنّ بادرته لم تكن في غير محلّها، وذلك لأنّ الكنيسة، نظرًا إلى ما منَّ به الله على هذا الخادم الأمين من كرامة سامية جدًّا، “قد خصَّت دائمًا الطوباويّ يوسف، بعد زوجته القدّيسة، بإكرام عظيم، فغمرته بمدائحها، وآثرت اللجوء إليه في المُلمَّات”
ما هي دواعي هذه الثقة؟ لقد عدّدها لاون الثالث عشر، على الوجه التالي:
“الأسباب والحوافز الخاصّة التي دَعَت إلى تسمية القدّيس يوسف شفيعًا للكنيسة والتي حملت الكنيسة، في المقابل، على وضع جلّ ثقتها في حمايته وشفاعته، هي أنّ يوسف كان زوج مريم واشتهر بصفته أبًا ليسوع المسيح […] كان يوسف هو الحارس والمدبّر والحامي الشرعي والطبيعيّ للبيت الإلهيّ الذي تولّى رئاسته […] فمن الطبيعيّ إذن،
ومن الخليق جدًّا بالطوباوي يوسف أن يشمل اليوم برعايته السماويّة، كنيسة يسوع المسيح، ويذود عنها كما كان يلبِّي قديمًا جميع حاجات أسرة الناصرة ويحوّطها بحمايته المقدّسة”
29 هذه الرعاية يجب أن نلتمسها؛ فالكنيسة بحاجة إليها دائمًا، ليس فقط لحمايتها من الأخطار المتجدّدة بلا هوادة، ولكن أيضًا وخصوصًا لدعمها في جهودها المضاعفة لتبشير العالم،
وإعادة تبشير البلاد والأمم “حيث الدين والحياة المسيحيّة ? كما كتبتُ ذلك في الإرشاد الرسوليّ العلمانيّون المؤمنون بالمسيح ? كان في الماضي في غاية الازدهار” “وهما اليوم معرّضان لمحنة قاسية”
فلكي نحمل للعالم البشرى الأولى بالمسيح، أو لكي نذيعها ثانية حيث اعتراها الإهمال والنسيان، تحتاج الكنيسة إلى “قوّة خاصّة من العلاء” (فوقاء 24: 49؛ رسل 1: 8)، وهي، ولا شكّ، عطيّة من روح الربّ، ولكنّها لا تخلو من علاقة بشفاعة القدّيسين وقدوتهم.
30 وعلاوة على ما تجده الكنيسة في يوسف من حماية فعّالة، فهي تثق بقدرته المُثلى التي لا ترتبط بوضع حياتي معيّن، بل هي مُتاحة للأسرة المسيحيّة كلّها، أيًّا كانت فيها أوضاع كلّ مؤمن وأيًّا كانت مهامه.
وكما جاء في الدستور المجمعيّ الفاتيكاني الثاني في الوحي الإلهيّ، يجب أن يكون الموقف الأساسيّ في الكنسية كلّها هو “موقف الإصغاء والورع إلى كلمة الله”
أي الأهبة المطلقة لأن تخدم بأمانة إرادة الله الخلاصيّة المتجلّية في يسوع. فمنذ مطلع الفداء البشري، نجد نموذج الطاعة مجسّدًا، بعد مريم، في يوسف بوجه التحديد، وقد تميّز بتنفيذ أوامر الله تنفيذًا أمينًا.
وقد دعا بولس السادس إلى التماس حمايته، “ما تعوّدت الكنيسة ذلك، في هذه الأزمنة الأخيرة، لأجل ذاتها أوّلاً، في سبيل فكر لاهوتي عفوي، يتناول التعاون بين العمل الإلهيّ والعمل البشريّ، في إطار التدبير الفدائيّ الكبير،
وفيه يكتفي العمل الإلهيّ بذاته اكتفاءً تامًّا بينما العمل البشري ? عملنا ? بالرغم من عجزه (يو 51: 5)، يجب ألاّ يُعفى أبدًا من مشاركة متواضعة ولكن مشروطة ومشرّفة. وإلى ذلك، فالكنيسة تلتمس حمايته، بداعي ما لديها اليوم من رغبة عميقة في إنعاش وجودها المديد، عبر فضائل إنجيليّة راهنة، كتلك التي سَطَعت في القدّيس يوسف”
31 هذه المقتضيات تحوّلها الكنيسة إلى صلاة. فهي تذكّر أنّ الله، في فجر الأزمنة الجديدة، قد وكل إلى القدّيس يوسف حراسة الأسرار الخلاصيّة، وتطلب إليه أن ينعم عليها بالمشاركة الأمينة في عمل الخلاص، ويهبها قلبًا خالصًا، على مثال القدّيس يوسف الذي وقف ذاته كلّها لخدمة الكلمة المتجسّد، ويجعلنا نحيا في البرّ والقداسة، مسنودين بمثال القدّيس يوسف وصلاته
منذ مئة سنة خلت، دعا البابا لاون الثالث عشر العالم الكاثوليكي إلى الصلاة، التماسًا لحماية القدّيس يوسف، شفيع الكنيسة جمعاء.
وقد أشارت الرسالة العامّة في كرامة القدّيس يوسف ومهمّته في التدبير الخلاصي إلى “الحبّ الأبوي”، الذي “أحاط به القدّيس يوسف الولد يسوع” وأوصت “هذا الحارس الحكيم للأسرة الإلهيّة” بالميراث الذي ورثه يسوع من سلالته”.
ومنذ ذلك الوقت، والكنيسة كما ذكّرت بذلك في مطلع الرسالة تلتمس حماية يوسف “باسم الحبّ الذي ربطه بالعذراء النقيّة أم الله”، وتفضي إليه بجميع همومها، بالنظر خصوصًا إلى الأخطار الضاغطة على الأسرة البشريّة. واليوم أيضًا، نملك دواعي كثيرة لأن نرفع الدعاء بالطريقة نفسها: “احفظنا أيّها الأب الكثير المحبّة،
من كلّ دنس زلَّة أو فساد؛ كن لنا ناصرًا، واعضدنا من علوّ السماء في الحرب التي نخوضها ضدّ سلطان الظلمات…؛ وكما أنقذت قديمًا الطفل يسوع من خطر الموت، صُنْ اليوم كنيسة الله المقدّسة من مكايد العدوّ ومن كلّ بلوى”
واليوم أيضًا، لا نزال نملك دواعي لنعهد بكلّ إنسان إلى القدّيس يوسف.
32 هذا التذكير بشخصيّة يوسف، أتمنّى كلّ التمنّي أن يجدّد فينا، نحن أيضًا، نبرات الدعاء الذي وصّى سلفي، منذ قرن، بأن نرفعه إليه. فمن الثابت أنّ هذا الدعاء وشخصيّة يوسف نفسها قد بات لهما، في كنيسة عصرنا، التفات جديد له علاقة بالألفيّة المسيحيّة الجديدة المقبلة علينا.
لقد حسَّسَنا المجمع الفاتيكاني الثاني كلّنا، مرّة أخرى “بالعجائب الإلهيّة” و”التدبير الخلاصي” التي اضطلع يوسف بخدمتها بوجه خاصّ.
ففيما نكلُ أنفسنا إلى حماية من “ائتمنه الله على حراسة أثمن وأعظم كنوزه”
نتعلّم منه، في الوقت نفسه، أن نخدم “التدبير الخلاصي”. ألا فليصبح القدّيس يوسف للجميع معلّمًا فذًّا في خدمة رسالة المسيح الخلاصيّة، المنوطة بالجميع وبكلّ واحد في الكنيسة:
الأزواج الوالدين والعائشين من عمل أيديهم أو من أي عمل آخر، والمدعوّين إلى الحياة التأمّليّة أو إلى العمل الرسوليّ.
الرجل البارّ الذي حَمَل في ذاته تراث العهد كلّه، قد أُدخل أيضًا في “بداية” العهد الجديد والأبديّ بيسوع المسيح؛ ألا فليهدِنا دروب هذا العهد الخلاصيّ، ونحن عند عتبة الألفيّة المقبلة، حيث يجب أن يستمرّ وينمو “ملء الزمان”، وهو مزيّة السرّ الذي يعجز وصفه، سرّ تجسّد الكلمة.
ولينل القدّيس يوسف للكنيسة وللعالم ولكلّ منّا بركة الآب والابن والروح القدس!
صدر في رومة، في جوار كنيسة القدّيس بطرس، في 15 آب 1989، عيد انتقال العذراء مريم، في السنة الحادية عشرة من حبريتي.
حارس الفادي: إرشاد رسولي للحبر الأعظم يوحنّا بولس الثاني
في شخصيّة القدّيس يوسف ورسالته
في حياة المسيح والكنيسة
No Result
View All Result
Discussion about this post