خامسًا: الأب بيّو رجل الآلام
كان الأب بيّو يتألّم بجسده وبنفسه. فهو يُذكِّر عصرنا ? الذي يودّ تخدير أيّ ألم ? بأنّ الألم جزء من وضعنا البشريّ ولو قُدِّم إلى الربّ لكان السبيل الأكيد للالتقاء بيسوع. وقد رغب الأب بيّو بالألم مشاركة منه بسرِّ الفداء وقال: «إنّني لا أرغب بالألم من أجل الألم، كلاّ، إنّما من أجل الثمار الذي يعطيني إيّاها. فالألم يُمجِّدُ الله ويُسهِم بخلاص إخوتي، فماذا يمكنني أن أتمنَّى أكثر؟».
1. ليل الإيمان
رسائله إلى معرّفيه كانت تُظهر ألمه الأكثر حدّة: عدم تأكّده من حبّه لله أو من تتميمه للإرادة الإلهيّة… فقد كان دومًا يطلب إلى أصدقائه ومعرّفيـه أن يصلّوا من أجله لكي يبقى أمينًا.
2. الاضطهادات
كم تألّم الأب بيّو من الاضطهادات فقد مُنِع من ممارسة كهنوته ما عدا القدّاس، فقد كان يحتفل به في غرفة داخليّة في الدير، ومُنِع من ممارسة سرّ الاعتراف، وهكذا حقَّق الشيطان انتصارًا لكن كلّ ذلك كان الأب بيّو يقبله بتواضع ويقدّمه إلى الله فانقلب لمجد الله وخلاص النفوس.
3. آلام جسديّة
لقد عانى الأب بيّو من المرض لمدّة عشر سنوات تقريبًا… كما عانى من ضربات الشيطان وهجماته، هناك من لا يؤمنون بوجود مثل هذه الأرواح: الملائكة الساقطة ويزعمون أنّ الشيطان هو تجسّد للشرّ فمن كان إذن يضرب الأب بيّو ويقوم بهذا الضجيج الرهيب في غرفته؟ لا يمكن للشيطان أن يكون صديقًا للأب بيّو، كم انتزع من قبضته من النفوس!
أمّا أعظم الآلام على الإطلاق فكانت سمات الجراح المقدّسة مطبوعة بأعضائه، فهو يؤكّد أنّ المصلوب الموجود في خورس الدير قد تحوّل إلى شخص يسوع الحيّ وانطلقت منه أسهم من نار جرحت يديه ورجليه وصدره.
4. آلام نفسيّة
إلى جانب الجراحات عانى الأب بيّو، لأكثر من سنتين الخزي والعار والاستهزاء، لقد كانت هذه الجراحات النفسيّة آلام لنفسه من تلك الجراحات الجسديّة المقدّسة. لقد كلّله تعالى بهذا التاج لمدّة خمسين سنة فكان لتقوية إيمان البعض ولتشكيك البعض الآخر…
كلّ هذه الآلام كانت لتشارك الأب بيّو بآلام يسوع الفدائيّة ومنها تتضّح رغبته ورسالته، وهي: رغبته بالألم الفدائيّ.
فقد كتب الأب بيّو يوم رسامته: «يا يسوع اجعلني… لك كاهنًا قدّيسًا وضحيّة كاملة». وجدّد هذه الرغبة بعد 25 سنة على صورة تذكاريّة ليوبيله الفضّي: «يا يسوع ضحّيتي وحبّي اجعلني مذبحًا لصليبك وكأسًا لدمك ومحرقة لحبّك».
وقال أيضًا: «الآلام تؤلّف سعادتي إنّي أتألّم كثيرًا فلا أطلب تخفيف صليبـي لأنّني سعيد أن أتألّم مع يسوع لمّا أرى الصليب على كتفَي يسوع أشعر بالقوّة وأبتهج فرحًا خصوصًا لمّا أتألّم دون تعزية قال لي يسوع: بالحبّ هو يصيّرني سعيدًا وبالعذاب أنا أفرّحه». وقال يومًا للأب أغوسطينوس: «أنا مستعدّ للحرمان من كلّ العذوبات التي يقدّمها لي يسوع وأن يُخبّئ أمامي عينيه الجميلتين شرط ألاّ يحرمني من حبّه لئلا أموت للنفوس التي تحبّ الله أنّ الآلام أثمن من الذهب والارتياح وبقدر ما تتألّم دون تعزية تصير آلام المسيح خفيفة جدًّا. لهذا السبب أريد أن أتألّم بزيادة ودون تعزية، ففي هذا فرحي. ما أعذب كلمة الصليب! تحت الصليب تلبس النفوس النور وتضطرّم حبًّا وتتّخذ أجنحة لتطير عاليًا فليكن الصليب سرير ارتياحنا ومدرسة الكمال والميراث العزيز».
وكتب يومًا إلى مرشده الروحيّ: «لن أقول لك غير هذا: إنّ يسوع يعطيني فرحًا عميقًا عندما أستطيع أن أتألّم واعمل من أجل أخوتي. لقد سهرت وسأسهر أكثر، لقد بكيت وسوف أبكي دائمًا على إخوتي المنفيّين».
No Result
View All Result
Discussion about this post