رابعًا: الأب بيّو المرشد الروحيّ
كان الأب بيّو رجل صلاة، بل كاهنًا يصلّي كما قال هو عن نفسه: «أنا لستُ سوى كاهن يُصلّي». وقد كان مركز ومحور كلّ حياته المذبح وكرسي الاعتراف وقد قال يومًا لأحد أبنائه الروحيّين: «في مركز حياتك يجب أن يكون هناك مذبحٌ وكرسي اعتراف وكلّ ما تبقّى لا يُفيد بشيء».
– كان يدعو دائمًا المؤمنين إلى الصلاة وكان يقول: «الصلاة هي ذوبان قلبنا في قلب الله فإن كانت مصنوعة جيّدًا تؤثّر في القلب الإلهيّ وتدعوه ليستجيبنا دائمًا. فلنصلِّ من كلّ قلوبنا وصلاتنا فنجعل الله يساعدنا».
– وكان يعلّم الطواعية للروح القدس، فكان يذكّر دومًا بكرامتنا: «لتكن نفوسكم دائمًا هيكل الروح القدس» (30 كانون الثاني 1915).
– وكان يدعو إلى طهارة النفس: «لنكن ساهرين ولا ندع العدو الشرير يشقُّ طريقًا إلى نفوسنا مفسدًا هيكل الروح القدس… لنتذكّر دائمًا أننا بالعماد أصبحنا هياكل الله الحيّة وفي كلّ مرّة نوجّه نفسنا نحو العالم والشيطان والجسد التي كفرنا بها في العماد ندنِّسُ هذا الهيكل المقدّس» (3 أيّار 1915).
– وكان يدعو أيضًا إلى الإماتة: «لننظر الآن إلى ما يجب على النفس فعله حتّى يعيش فيها الروح القدس، كلّ ذلك يكون بإماتة الجسد، والرذائل والطمع ولنحترز من أرواحِنا نفسِها… فلنسهر على إماتة روحنا المنفتح كبرياءً ويجعلنا سريعي الانقياد لنـزواتنا ويجفّفنا. فلنسهر على قمع المجد الباطل والغضب والحسد. ثلاثة أرواح شريرة: الكبرياء والغضب والحسد، تستعبد أغلبية الناس… هذه الأرواح تتنافى كليًّا مع روح الربّ.
– الإيمان والرجاء والمحبّة: علينا أن نقوّي فينا هذه الفضائل الإلهيّة الثلاثة، الإيمان الذي به نعرف الله هدفَنا الأخير، الرّجاء الذي يجعلنا نتوصّل إليه والمحبّة التي تدفعنا إليه. «بواسطة يسوع الوديع أرجوكم أن تطردوا كلّ خوف ولتكن دائمًا عندكم الثقة والإيمان والمحبّة» (30 تشرين الأول 1915).
«مع الإيمان والرجاء لن ينقصك رحيق المحبّة التي تجمعك بصورة أفضل مع الخير الأسمى» (13 حزيران 1918).
السير في الإيمان يعني السير في الظلام وإلاّ لن تكون للمحبّة أيّة قيمة. فالأب بيّو كان يحثّ دائمًا أبناءه الروحيّين على اللجوء إلى الكهنة للاعتراف: «لا تتركوا نفوسكم لِنفوسكم، لا تجعلوا ثقتكم إلاّ بالله!» (29 آذار 1914).
– أن تعيش «اليوم» يوم الله (الحاضر). كان ذلك نقطة مهمّة في روحانيّة الأب بيّو كان يريدنا أن نلتقي بمشيئة الله كما تتمّ «اليوم» بالنسبة إليه يجب ألاّ نهرب. كان مصرًّا على الوقت الحاضر قائلاً: «إنّ مشيئة الله هي هنا والآن فلا نحاول إذن التهرّب من مسؤوليّاتنا اليوميّة. «إنّ الشيطان مقيم دائمًا في هذا المكان الآخر». كم هذا صحيح!!
– تكريم العذراء مريم: كان الأب بيّو يكرّم العذراء تكريمًا خاصًّا وكان حبّه شديدًا لسيّدة النعم وسلطانة الورديّة، فهو يوعز أكثر عجائبه إليها لذا كان يرسل الحاصلين على النعم إلى هيكلها ليؤدّوا لها واجب الشكر على ما حصلوا عليه من نِعَم بشفاعتها. وكلّ رسائله التي كان يوجّهها سواء إلى مرشده الروحيّ أو إلى رئيسه الإقليميّ أو إلى أبنائه الروحيّين كانت تظهر المحبّة الفائقة التي يُكنّها لسيّدتنا مريم العذراء. والعذراء مريم كما هو معلوم كانت ترافق الأب بيّو إلى المذبح كما ترافق كلّ كاهن لكن، ويا للأسف، قلّة هم الذين يشعرون بذلك.
إن تكريم البادري بيّو للعذراء مريم كانت بسيطة، سريعة، تتّصف بالصراحة والصداقة. كانت العذراء معه خاصّة من خلال صلاة الورديّة المتواصلة. أخبرنا معرّفه الأب Agostino ما سمعه يقول للعذراء حين كانت تظهر له. في 29 تشرين الثاني 1911 سمعه يقول لها: «اسمعي أمي، أحبّك أكثر من كلّ الخلائق على الأرض وفي السماء، بعد يسوع بالطبع، ولكنّني أحبّك…». وفي 3 كانون الأوّل سمعه يقول أيضًا: «إنّك جميلة يا أمّي، إني فخور بأن يكون لي أمّ هكذا رائعة». وفي انخطاف آخر سُمع يقول: «أجل، إنك جميلة، ولولا الإيمان، لقال الناس إنّك إلهة… عيناك أكثر إشعاعًا من الشمس، إنّك جميلة يا أمّي، أنا فخور بك، أحبّك، ساعديني…»
– حلم معبّر للأب بيّو: كان البادري بيّو يحبّ أن يخبر هذا الحلم بسعادة، «حلمتُ هذه الليلة إنّي أنظر من نافذة خورس الكنيسة، رأيت هذا المكان مليء بالناس. سألتهم بصوت عال “من أنتم وماذا تريدون؟” فكان الجواب: “نريد موت البادري بيّو”عُدت إلى الخورس فأتت العذراء، أمّ يسوع لملاقاتي وقالت لي “لا تخشى شيئًا، إنّي هنا، خُذ هذا السلاح، اذهب إلى النافذة واستعمله، إنّه يستطيع أن يُصيب حتّى على دائرة خمسين كليومترًا. طُعت، ووقع الجميع أرضًا كالأموات. استيقظتُ مجدّدًا، ثمّ عُدتُ ونمت، وعاودني الحلم، رأيت ذاتي مجدّدًا عند تلك النافذة، وكان المكان ما يزال مليئًا بالناس، فكّرتُ بنفسي، إنّهم لم يموتوا بعد! فصرختُ: “ولكن هل بالمستطاع معرفة من أنتم وماذا تريدون؟” فجاوبني جميعهم: “يا أبونا، نحن أولادك، ونريد بركتك”… إنّ السلاح، كما يجب أن تحزروا، كان المسبحة التي لم تكن تفارق أصابع البادري بيّو». معنى هذا الحلم أن تلك الجماعة التي كانت شريرة ارتدّت بواسطة صلاة المسبحة.
– رؤيا القدّيس بيّو: رأى بالقرب منه رجلاً رائعًا وجميلاً جدًّا أمسكه بيده وقال له: «تعال معي لأنّه يجب عليك أن تحارب كجندي شجاع». وأخذه إلى حقل شاسع مليء بمجموعة كائنات حيّة مقسومة إلى فرق متواجهة. من جهة رجال جميلون جدًّا، ومن الجهة الأخرى وجوه مظهرها شنيع، وفي الوسط مكان شاسع حيث كان موجود عملاق مخيف على البادري بيّو أن يحاربه. قال له: «تشجّع، ادخل المعركة بثقة، تقدّم بشجاعة، سأكون بقربك، سأساعدك ولن أسمح له أن يغلبك، وستكون مكافأة انتصارك هديّة لإكليل رائع. فهِم البادري بيّو معنى هذه الرؤيا في يوم عيد الختان في 1 كانون الثاني 1903 بعد المناولة. إذ غمر روحَه نورٌ داخليّ فائق الطبيعة، وبسرعة البرق علم أن دعوته الرهبانيّة ستكون صراعًا متواصلاً مع هذا الكائن الجهنميّ المخيف، وفهم أيضًا أنّ عدوّه كان مرعبًا، ولكن ليس عليه أن يخشى شيئًا لأنّ يسوع ذاته (الممثّل بالرجل العظيم) سيكون دائمًا بجانبه ليساعده وليكافئه بالسماء للنصر الذي سيحرزه، شرط أن يثق به وأن يجاهد بسخاء.
– كيف نتوصّل إلى حالة اتحاد مع الله: إنّه أمرٌ صعب لكن غير مستحيل! العيش بحضرة الله دائمًا… وأن نعمل من الصلاة حديثًا مع الله يجعله شخصًا حيًّا معنا! لنضع ثقتنا دائمًا بالله ونفهم الأمور دائمًا وكأنّها آتية من يد الله في كلّ ظرف وبالرغم من كلّ ما يمكن أن يحصل لنا من شرور، بالرغم من الهموم والمشاكل، فلنجعل ثقتنا بالله لأنّه هو الذي «يمسك بالخيوط» دائمًا، وهذا يكفي.
كان الأب بيّو يتّصف بعاطفة لا توصف نحو الأطفال. فكم من مرّة أصرَّ على تقديم تاريخ القربانة الأولى لأنّه كان يقول: «يجب أن يدخل يسوع في قلوبهم قبل أن يدخلها الشرّ». كان يحبّ الصغار وهم يحبّونه فيعيرهم كلّ اهتمامه ويدرّسهم بغيرة حبًّا بالله. يعلّمهم التعليم المسيحي والصلاة.
No Result
View All Result
Discussion about this post