استشهاد مار سركيس في شعر مار يعقوب
هذ الموت الشجاع الذي ماته مار سركيس في الرصافة على الفرات سنة 312، خلّد ذكره، بعد مئتي سنة، مار يعقوب السروجي الذي عاش في تلك الناحية بالذات وجسّد في شعره إيمان بني قومه، فصوّر في قصيدة من عيون الشعر استشهاد مار سركيس، في أهمّ مراحله. فجاءت قصيدته شهادة حيّة في إثبات حقيقة هذا الاستشهاد، وبيّنت بالبديع من المعاني، حبّ مار سركيس العظيم للمسيح، وأثبتت حقيقة عذابه بالمسامير وحقيقة موته بحدّ السيف ورسمت بعض الخطوط الكبرى لطريق عذابه خارجًا عن وطنه، وعظّمت أخيرًا القوّة الإلهيّة التي حلّت في عظامه.
وإليكم بعض الأبيات من هذه القصيدة معرَّبة عن السريانية. قال ما يعقوب السروجي، في حبّ مار سركيس مخاطبًا المسيح:
«حبّك سانده ودفعه إلى السيف»
وإذ هو فَرِح مدّ عنقه للسيف لأجلك»
ويحلّل مار يعقوب الحبّ الإلهيّ في النفس ويصوّر ما يحدّثه في قلب الإنسان من قوّة وفرح فيقول:
«عندما يدخل الحبّ إلى النفس وتصطبغ النفس به»
«يهون لديها السيف وألف موت وموت»
«فهي تُسَرُّ بالأوجاع ولا ترهب الأهوال»
«تغطس بالدم وتعتبر القتل وليمة»
ويعود السروجي فيكلّمك عن هذا الحبّ الشديد في نفس سركيس نفسه ويدعوك إلى التأمّل في مفاعيل هذا الحبّ فيقول:
«تعال وانظر هذا الشهيد الذي امتلأت نفسه حبًّا»،
«فقد أصبحت كلّ الآلام هيّنة لديه لأجل حبيبه».
«بحبّه الداخليّ داس المسامير الحادّة»،
«وبينما جسمه يتمزّق بالحجارة لم يكن يتذمّر».
«تمزّق جسده بالحجارة ولم يتحسّر على جسده الممزّق»،
«لأنّ الإنسان لأجل حبيبه يتحمّل كلّ الآلام».
«أشواك الحديد لم تؤذه وهو يسير»،
«ليذهب إلى حبيبه إلى وطن الحياة ويحيا معه»
والفرح ميزة خاصّة في استشهاد مار سركيس. عند هذا الفرح في العذاب يتوقّف السروجي وينشد:
«القيود والسلاسل والاضطهادات حملها وهو فارح»،
«لأنّ نير يسوع خفيف لديه وهو لأجله يتألّم»
والدافع إلى كلّ ذلك مثال المسيح. وفي هذا يقول السروجي مخاطبًا يسوع:
«بينما كان يتألّم نظر إلى جراحاتك فنسي آلامه»،
وتذكّر عارك وهو يُهان فقبل الهوان بفرح»
ومثال المسيح مسمّرًا على الصليب هو الذي دفع مار سركيس ليدوس المسامير. وفي هذا يقول السروجي مخاطبًا يسوع:
«لأجل المسايمر التي رآها في يديك داس المسامير»،
«واحتمل الأوجاع بلا تذمّر لأجل آلامك»
وتلك الحربة التي طعنت جنب المسيح هي التي حملت مار سركيس ليموت بحدّ السيف. وفي هذا أيضًا يقول السروجي مخاطبًا يسوع:
«نظر في سَنان الحربة التي تسلّطت عليك»،
ولم يخَفْ من حدّ السيف ليموت نظيرك»
وفي موت مار سركيس خارجًا عن وطنه قال مار يعقوب السروجي:
«وقعت عليه القرعة ليحاكَم خارجًا عن وطنه»،
«فشابه المسيح الذي خرج ليتألّم خارجًا عن المدينة»
«خرج من وطنه ولم يحزن لدى خروجه»،
«لأنّ الربّ هو الوطن والأبرار يسيرون فيه»
وتلك الطريق التي قطعها مار سركيس في آلامه رسم السروجي بعض خطوطها في كلامه فقال:
«في الطريق التي سلكها لاقى المسامير والسيف والموت».
ومع هذا لم يتراجع لأنّه كان ممتلئًا حبًّا فاحتمل كلّ شيء».
«مشى على المضايق وهو سائر نحو الله»،
«فلم يعتبرها مضايق في سبيل الله»
«نظر إلى الصليب فامتلأت نفسه نورًا من الصليب»،
«وبهذا النور كان يسير بشجاعة إلى وطن النور»
وعظام مار سركيس التي حفظها المؤمنون كذخيرة مقدّسة في الرصافة وبنوا لإكرامها كنيسة عظيمة لا تزال آثارها باقية إلى اليوم. هذه العظام المقدّسة فجّرت العجائب في تلك المنطقة، وبقيت إلى زمان طويل حارسة تلك البلاد من الأضرار. وفي هذا يشهد السروجي ويقول:
«ذخيرة عظامه مثل فرقة من الأبطال»،
«تحرس البلاد من الأضرار بقوّة الله»
وقد حلّت قوّة الله في تلك العظام وصنعت من ترابها العظائم. وفي هذا يقول مار يعقوب:
«في تراب عظام الأبرار يحلّ الله»
«وقوّته تلتصق بتراب عبيده وتستريح هناك».
«على ترابهم تخيّم ألوهيّته بقداسة»
«وفوّته تتفجّر من عظامهم ببسالة»
جمعيّة “جنود مريم”
No Result
View All Result
Discussion about this post