القدّيسـة الشهيدة الجبيليّة أكويلينا
تأليف : الأب أنطونيوس زغيب الجبيلي
نُفّذ على عهد
سيادة المطران بشارة الراعي
رئيس أساقفة جبيل السامي الاحترام
ومع موافقته على طبع هذا الكتيّب.
حزيران 1993
تُعنى بطبعه ونشره
جمعيّة «جنود مريم»
علم وخبر 167/أ د – لبنان
يوزّع مجّانًا
مقدّمــة
في أواخر القرن الثالث الذي تميّز في اضطهاد المسيحيّين وفي بدء القرن الرابع للمسيح. كانت لم تزل – بيبلوس – عاصمة مملكة فينيقية في غابر العصور – مستعمرة رومانيّة – مثل معظم الشرق.
وفي هذه الحقبة كانت الأمبراطوريّة الرومانيّة متداعية سياسيًّا واقتصاديًّا ودينيًّا. فلكي تحافظ على ازدهارها وجُبت قسمتها إلى قسمين: القسم الغربي ويحكمه “مكسيمان هركل”. والقسم الشرقي ويحكمه “ديو كليسيانوس” وهذا الأخير حكم من سنة 284 إلى 302.
عمد “ديو كليسيانوس” إلى اضطهاد المسيحيّين كما فعل غيره من قبله من الأباطرة.
ولم يكن يبغي من اضطهاد المسيحيّين وقتلهم إنقاص عددهم، بل عدم ازدهارهم. لذلك لم يرحم مبشّرًا بالمسيح ولا من دعا لاعتناق المسيحيّة. وبالرغم من الاضطهادات كان عدد المسيحيّين دائمًا بازدياد.
كما قال المعلّم “ترتليانوس”: “إنّ دم الشهداء بذار المسيحيّين”. والشعب المسيحيّ لم يُترك أبدًا بدون رعاة أي أساقفة كما جاء في أعمال الرسل:
“وأقام الرسل الأساقفة ليرعوا الشعب المسيحيّ”. ونعرف أنّ بيبلوس جبيل منذ القدم كان لها أسقف يتولّى رعاة المسيحيّين؛ وفي عهد “ديو كليسيانوس” كان “أوتاليوس” الفينيقيّ الجبيلي.
ففي أيّام الأمبراطور “ديو كليسيانوس” وفي أيّام أسقفيّة “أوتاليوس” سمح الله باستشهاد “أكويلينا” وهكذا أنعم الله علينا بشهيدة هي منّا ولنا.
ولادتهـا:
كانت ولادتها في مدينة جبيل سنة 280 مائتين وثمانين مسيحيّة. قدّمها والدها إلى مثال الفضل والفضيلة والغيرة المتّقدة أوتاليوس أسقف مسقط رأسها جبيل بعمر أربعة أشهر. ولمّا بلغت التسعة أشهر من العمر نصّرها الأسقف بنفسه.
ونشأت مثل سائر الفتيات لا يميّزها عنهنّ سوى ذكاء حاد وفهم نادر، وقد أدركت الرشد قبل أوانه عمرًا وعقلاً. وقد توفّي والدها وهي في سنّ التاسعة من العمر. تتلمذت للحبر المذكور في تعليم الإيمان المسيحيّ ووعت كلّ حقائقه. وأخذت تعلّمها وتشرحها لكلّ من تراه من بني جلدتها بغيرة رسوليّة كما يظهر من قول خادم الوالي لها:
“أنت تبعدين رفيقاتك عن عبادة آلهتنا وتحملينهنّ على الإيمان بالمسيح مصلوبًا”.
حياتهـا:
عاشت أكويلينا في بيبلوس-جبيل. ولم يذكر التاريخ عن والديها شيئًا سوى اسم والدها “أوتولميوس”. ولم يذكر له مهنة أيضًا لأجل ذلك يصعب علينا جدًّا أن نعرف نسب القدّيسة الحقيقيّ لعلّها من الطبقة الوسطى أو غيرها.
واسم أكويلينا في اللاتينيّة يدلّ على النسبة إلى النسر ومن هنا جاء لقبها “بفرخ النسر”.
هل هي رومانيّة الأصل وجبيليّة الاستيطان. لا يكفي الاسم لكي يدلّ على جنسيّة حامله، فحامل الاسم اللاتينيّ ليس دائمًا رومانيًّا. كما أنّ حامل الاسم الفرنسيّ ليس أبدًا فرنسيًّا.
إنّ كتاب أعمال القدّيسين للآباء الشرقيّين، يثبت بدون شكّ أنّ أكويلينا ولدت في بيبلوس جبيل، وهي من أقدم المدن على شاطئ البحر بين بيروت وطرابلس، إذًا هي جبيليّة.
استشهادها:
لمّا كانت أكويلينا بعمر اثنتي عشرة سنة أخذت تؤنّب رفيقاتها الوثنيّات على ضلالهنّ وعلى خرافة معتقدهنّ. تبشرهنّ بالمسيح شارحة لهنّ حياته وعجائبه.
وتدعوهنّ لترك عبادة الأوثان واعتناق الدين المسيحيّ الحقيقيّ الصحيح. كانت تبشّر كما بشّر رسول الأمم بالمسيح مصلوبًا. وسرعان ما وصل خبر تبشيرها ودعوتها إلى مسامع الوالي الروماني “فوليسيانس” والي جبيل. فجرّب عبثًا أن يوقفها عند حدٍّ من التبشير، وطلب إليها أن تكفّ عن عملها فلم تذعن لكلامه. هدّدها بتأديبات ووعود شتّى فلم تضع حدًّا لغيرتها الرسوليّة. أخيرًا أعطاها فرصة لتعود عن غيّها فرفضت بإباء.
وهنا بدأ استشهادها: وقد روى الرواة عن تعذيبها أخبارًا شتّى: منها ما هو قريب للتصديق ومنها ما هو بعيد عنه. احتملت اللكم والسياط والجلد الحاد. وممّا يذكر عنها أنّ الوالي “فوليسيانوس” المذكور أمر أن يمشّط جسمها بأمشاط من حديد محمّى. فمزّق لحمها الناعم ولبثت متمسّكة بدينها وعقيدتها. أخيرًا أمر أن تحمّى مخارز في النار حتّى الاحمرار وأن يثقبوا بها رأسها من جهة الصدغين فكانت نتيجة هذا العمل البربري والهمجي أن سال دماغها من أنفها فاعتقدوا أنّها ماتت فحملوها وطرحوها خارج سور المدينة، غير أنّ العناية الإلهيّة كانت ترعاها بعين ساهرة ولم تتركها وشأنها، فأرسلت إليها ملاكًا فأشفاها وعزاها وشدّدها على الثبات فنهضت ورجعت إلى المدينة وحضرت من تلقاء نفسها أمام الوالي علّه يقرّ بأعجوبة الله ويصير مسيحيًّا. غير أنّه استشاط غيظًا وأمر حالاً بقطع رأسها لاعتقاده أنّها ساحرة، فقطعوا رأسها فخرج منه بدل الدم لبنًا دلالة على طهارتها. ولمّا تثبّتوا من موتها عادوا فطرحوها خارج السور. فأخذ مسيحيّو بيبلوس جبيل جسمانها الطاهر ودفنوه في مكان بكلّ احترام. وتمّ استشهادها وهي في الثانية عشرة من العمر، أي نحو سنة 292 مسيحيّة، في اليوم الثالث عشر من شهر حزيران، وفيه يكون عيد تذكارها.
يوجد عدّة اعتقادات عن مكان دفنها. منها “سيّدة المكبوسة” و”سيّدة مارتين”، ولكن الأقرب إلى الحقيقة، كان يوجد معبد مهدّم صغير وهو الوحيد المعروف قديمًا باسم سيّدة أكويلينا. خارج سور جبيل في قصوبه حي بيت زغيب رعية مار جرجس.
وتمّ إعادة ترميم هذا المعبد بيد بطرس الياس زغيب وعلى نفقته الخاصّة سنة 1988. وكرّسه سيادة المطران بشارة الراعي والأب بطرس زياده في يوم عيدها الموافق 13 حزيران 1990.
من كتاب: القديسة أكويلينا
تاليف الأب : أنطونيوس زغيب الجبيلي
جمعيّة “جنود مريم”
No Result
View All Result
Discussion about this post