اليوم الرابع والعشرون
العذاب المقدّم يعزّي الأنفس المطهريّة
1. الألم الطوعي
يقول القدّيس يوحنّا فم الذهب: “لنعالج الأنفس المطهريّة بكلّ ما يؤلمنا، لأنّ الله يحسب للأموات نِعَم الأحياء”.
الألم هو مرضاة الله الكبرى التي يطلبها من أجل عدالته. نحن نتألّم إذن لكي تخفّف آلامهم.
آه! لو كان لدينا إيمان أكثر حرارة ومحبّة كبيرة لفرضنا على أنفسنا إماتات كثيرة من أجل راحة أهلنا وأصدقائنا الموتى وتحريرهم من عذاباتهم الأليمة!
فالتكفير والصّوم والإماتات هي تماريننا الروحيّة اليوميّة فليكن لدينا الشجاعة للقيام ببعض التضحيات الصغيرة كالتخلّي عن لذّة أو قراءة سيّئة أو علاقة خطرة أو التضحية بعادة ذات ذنب أو الابتعاد عن الرفاه الباطل. يقول الأب فيليكس: “إختر التضحية باللذة المحبّبة إليك! إخترها من أعماق قلبك من أجل الذين تحبّهم، ضحِّ بذاتك فتكون هذه التضحية الذاتيّة رحمة للعذاب الأبويّ”.
هذه الأنفس المكرّمة ترتفع إلى السماء على أجنحة تضحياتنا وآلامنا. تنطلق إلى السماء منتصرة شاكرة لنا كرمنا وعندما تأتي في مجد الله تعيد إلينا بغزارة كلّ الحسنات التي قدّمناها من أجلها. يا للعزاء العظيم والرجاء الكبير! أيّها المصلوب إجعلنا نفهم قيمة الإلم!
2. الألم غير الطوعي (القسري)
إذا كان الألم الطوعي يربك شجاعتنا. فالعناية الإلهيّة فرضت علينا آلامًا أحسن جزاءً من أجلنا ومن أجل أمواتنا، لأنّها ليست من اختيارنا. إنّها آلام وعذابات الروح والقلب والجسد التي لا يمكننا أن نتفاداها في هذا العالم. نحن نعلم أنّها موجودة في كلّ مكان في جميع الأمم ومهما كانت الشروط.
حياتنا على الأرض صراع يوميّ وشهادة مريرة ومؤلمة. هل علينا أن نتذمّر؟ طبعًا لا! إنّ آلامنا كلّها يمكن أن تتحوّل إلى سلام من أجلنا ومن أجل الآخرين؛ طالما هي تصلح لمعالجة أقسى الآلام التي تعاني منها الأنفس المطهريّة. نعم! بواسطة هذا الصليب الذي رمته العناية الإلهيّة على أكتافنا، بواسطة هذه الشوكة التي تدمي قلوبنا، والدمعة والنهدة وفعل الخضوع، نستطيع معالجة المآسي المطهريّة الكبرى ونجفّف دموع أهلنا الأحياء.
لنتشجّع إذن! لنتحمّل القليل من البرد فتنعش الضحايا التي تحترق في نار غضب الله. لنتحمّل القيظ قليلاً فنحوّل حرارة النار المطهريّة إلى ندى مُرطّب. لنتحمّل الإزعاج قليلاً فننتشل الأنفس من الأعماق المظلمة. لنتحمّل التعب والإجهاد فنحملهم بذلك إلى عروش المجد في السماء: لنا لحظة من الألم، ولهم السعادة الأبديّة!
مثال
يخبرنا القدّيس أنطونان* أنّ رجلاً مريضًا، كان فريسة لآلام مبرحة قد طلب إلى الله باكيًا أن ينجّيه من آلامه، فظهر له ملاك الربّ قائلاً: “الربّ أرسلني إليك لكي أسألك أن تختار بين سنة من آلامك على الأرض أو يومًا واحدًا في المطهر”.
لم يتردّد المريض قائلاً في نفسه: يومًا واحدًا في المطهر وانتهي من عذاباتي. هكذا أسلم الروح وانتقلت إلى أعماق كفّارته. عند ذلك جاءه ملاك الربّ ثانية ليعزّيه. فلمّا رآه ذلك البائس صرخ صرخة كادت تمزّق الأعماق المظلمة من شدّة الألم وقال: “أيّها الملاك الفاتن، لقد غششتني، لقد أكّدت لي أنّ بقائي في المطهر يكون ليوم واحد وها أنا قد مرّ عليّ عشرون سنة في هذه السنة العذابات المخيفة ها هنا!” فأجابه الملاك: “لا تغشّ نفسك، لم يمرّ على موتك سوى دقائق قليلة وجثمانك لم يبرد على فراش الموت”. عند سماع البائس كلام الملاك طلب إليه قائلاً: أطلب من الله أن أعود إلى الأرض فأتعذّب هناك سنة كاملة أو إلى ما شاء الله”. استجيب طلب الميت فعاد إلى الحياة الأرضيّة. وكان هذا المريض يحثّ كلّ من يراه على قبول عذابات هذا العالم بقلب طيّب. على أن يتحمّل عذابات المطهر التي لا تطاق. وهو كان يردّد دائمًا: “الصبر على الآلام هو المفتاح الذهبيّ للجنّة! فلنستفد من تقديم عذاباتنا”. توفّي هذا الرجل بعدما مرّ على عذاباته ها هنا سنة كاملة كما قيل له.
لنصلِّ:
ليتبارك اسم الربّ يا من رغبت أن تكون عذاباتي وآلامي الدائمة والتي بذّرت بها حياتي، نبع النِّعم الغزيرة وسبيلاً لإرضاء عدالتك من أجل الأنفس المطهريّة الحبيبة. من الآن وصاعدًا لن أتأفّف من صلباني وسأتحمّلها بجلد وطاعة سائلاً إيّاك أن تنظر إليّ وإلى أهلي الأموات بعين الرحمة.
يا يسوع الحبيب، كن عونًا لهم وادعُ إليك أبناءك وأخوتنا ليرقدوا بسلام!
من كتاب :
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهريّة
Discussion about this post