اليوم الثاني والعشرون
المناولة المقدّسة تعزّي الأنفس المطهريّة
1. المناولة السريّة المقدّسة
عندما نتقدّم للمناولة المقدّسة بسعادة، نتّحد بالمسيح اتّحادًا حميمًا فنقول مع الرسول:
“لا! أليس أنا من يحيا، بل المسيح يحيا بي”. عند المناولة يصبح جسدنا جسده وقلبه يلامس قلبنا ودمه يسيل في عروقنا وألوهيّته تسكننا. فهو ينظر بأعيننا ويرقّق قلوبنا. في هذه اللحظة التي يشتهيها الملائكة، نكلّم الله من غير كلام لنقول له، بثقة أكبر من تلك التي كانت للملاك النبي: “يا ربّ يا حامي المعذّبين، أنظر إليّ ترَ وجه ابنك الحبيب، ليس أنا من يتكلّم ويصلّي بل يسوع ابنك. هو من يطلب خلاص والديّ، وخلاص الأنفس المهملة البائسة، كُلّي ثقة أيّها الآب الرحوم أن تقبل هذه الطلبات لأنّ لوجه السيّد المسيح وصلواته، ودموعه، ودمه، صوت قادر على تخفيف صرامة عدالتك ونيل عفوك!”
لنتناول جسد ودم يسوع المسيح المقدّس من أجل هؤلاء الأنفس الحبيبة التي حرمت من فرح المشاركة في وليمة الإفخارستيّا. فهي تنتظر منّا بحرارة أن نمطر عليها ندى دم السيّد المسيح الذي يروي غليلها ويحرّرها. قريبًا تبدأ لديهم المناولة الأبديّة حيث يشاهدون في السماء وجه المخلّص خبز الحياة فيعبدونه ويباركونه ويمجّدونه إلى الأبد.
2. المناولة الروحيّة
إذا لم تستطع القيام بالمناولة السريّة المقدّسة خلال القدّاس، أيّ أنّك لم تكن قادرًا على استقبال يسوع المسيح في قلبك فإنّك قادر على المناولة الروحيّة.
تقوم المناولة الروحيّة على الرغبة الحارّة في الاتّحاد بالمسيح المخلّص واستقبال روحه ونعمه. إنّها فعل مقدّس للأحياء كما للأموات. يقول القدّيس “ليغوري” أنّها تعطي ثمارًا كثيرة إذا ما قمنا بها بإيمان عميق أكثر من المناولة السريّة المقدّسة إذا قمنا بها بفتور. كما من ميّزاتها أنّنا نستطيع أن نقوم بها كلّ يوم وفي كلّ لحظة، في الليل أو في النهار، في كلّ مكان عامًّا كان أم مقدّسًا. إنّها أداة بسيطة، سهلة وقادرة على الاعتناء بأحبّائنا الموتى.
لنقم بهذه المناولة الروحيّة كلّما زرنا القربان المقدّس ويمكننا تلاوة الصلاة التالية: “يا يسوع! أؤمن أنّك حاضر هنا! أحبّك من كلّ قلبي وأرغب بك! أتّحد بك بقلبي وروحي منتظرًا استقبالك حقيقة. باركني وبارك الأنفس المطهريّة البائسة المتألّمة. يا ربّ أدعُ أبناءك وأخوتنا إلى الراحة الأبديّة وليغمرهم نورك الأبدي فيشعّ عليهم!
مثال
لويس دو بوا عالم مشهور في الحياة الروحيّة ومشهودٌ له بحكمته تخبرنا أنّ أحد الأتقياء المتعبّدين لله زارته يومًا نفس مطهريّة مظهرة له ما تعاني من آلام وعذابات. عقابها كان عظيمًا لأنّها تقبّلت سرّ الإفخارستيّا بإهمال وفتور ملحوظ. لذلك حوّلتها العدالة الإلهيّة إلى نار ملتهمة تُسحَق بها. قالت النفس لذاك التقي: “أطلب منك، يا من كنت صديقي الحميم والوفيّ والذي يجب أن تبقى كذلك أن تقبل المناولة المقدّسة مرّة واحدة لأجلي، بكلّ حرارة الإيمان والمحبّة التي لديك وأنا أثق أنّ هذه المناولة كافية لخلاصي وهي تعادل فتوري المذنب كلّه تجاه الإفخارستيّا”.
لم يتوانَ الصديق التقي لحظة عن المشاركة بالقدّاس وتناول جسد الربّ ودمه بإيمان عميق وحارّ من أجل راحة نفس صديقه.
وبعد فعل النِّعَم، ظهرت له نفس صديقه ثانية، وكانت فرحة وممنونة فقالت له: ليباركك الربّ يا أعزّ الأصدقاء، مناولتك حرّرتني من المطهر وسأواجه وجه ربّي البهيّ”.
لنتذكّر إشارة القدّيس “بونافانتورا”* إذ يقول: “لتدفعك المحبّة إلى المناولة لأنّ ما من شيء أكثر فعالية من أجل الراحة الأبديّة للموتى”.
لنصلِّ:
يا ربّ، يا من تأسر بعدالتك نفوس أقربائي، وترغب كثيرًا في أن يأكلوا من خبز الملائكة، كم أتمنّى أن أفتح لهم أبواب الجنّة، ليتبارك اسمك أيّها الآب الرّحوم. أعدك أن تكون مناولتي دائمة وبحرارة من أجل هذه الأنفس المطهريّة المقدّسة. وترى من خلالي وجه ابنك وتسمع صوته بصوتي يصل إليك فأنال منك النِّعم التي طلبتها. يا يسوع كن عونًا لموتانا الأحبّاء. وليرقدوا بسلام.
من كتاب :
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهريّة
Discussion about this post