اليوم الثامن عشر
العذراء تؤاسي الأنفس المطهريّة وتحرّرها
1. مريم تعزّي الأنفس المطهريّة
لا تكتفي مريم العذراء بتشجيع أبناءها الأحياء وتعزيتهم ولكنّها، هي معزيّة أبنائها الذين أسرتهم عدالة الله وحبّه في منفى كفّارتهم. أيّ أمّ تنظر ولدها يقع في آتون ولا تسرع ملهفة إلى نجدته؟ وهل تبقى أمّنا القدّيسة مريم العذراء، أعظم الأمّهات محبّة لأبنائها، غير مبالية أمام عذابات أبنائها في نار المطهر، نار العدالة الإلهيّة؟
طبعًا لا! وألف لا! فهي الملأة بالشفقة والحبّ، لا تنفكّ تعالج الأنفس المطهريّة. فما من آلام في هذا السجن المظلم إلاّ وتخفّفها، فتسكب الماء السماوي على تلك النار المطهّرة لتخمدها.
يقول القدّيس فنسان فيريه: “كم هي عظيمة مريم العذراء، كم هي محبّة لتلك الأنفس المسجونة والتي تئنّ في المطهر، فهي تنجدهم كلّ لحظة بتدخّلها وتعالجهم من آلامهم”.
تقول القدّيسة مريم العذراء للقدّيسة بريجيت: “أنا أمّ كلّ الذين في المطهر أخفّف عنهم آلامهم كلّها بصلواتي الحارّة”.
طوبى لأبناء مريم. فحمايتها لا ترافقهم في هذا العالم وحسب بل تسعى إلى عزائهم في مآسيهم غير المنظورة وغير الملموسة والتي هي مآسي العالم الآخر.
يا لها من فكرة مريحة ومعزّية! كم هو لذلك رجاء حضور مريم العذراء القدّيسة الكليّة الطوبى، في ساعة موتنا. كم هي معزّية معرفتنا بزيارتها لنا عند سقوطنا في أعماق المطهر! يا لقدرة هذا السبب الشريف أن نحبّها بصفاء في هذا العالم. يا قدّيسة مريم، أمّ الرحمة والرأفة ومعزّية المعذّبين إحمينا وخلّصينا من المطهر.
2. مريم تحرّر الأنفس المطهريّة
لا تكتفي القدّيسة مريم العذراء بزيارة الأنفس المطهريّة ومعالجتها، لكنّها تتدخّل عند ابنها يسوع من أجل تحريرها،
ومن أجل الإسراع في إنهاء عذاباتها توحي لنا، نحن الأحياء، مساعدتهم للتخفيف من آلامهم، وتطلب من ابنها الإلهيّ قبولهم في مسكن سلامه. كُلُّ ما تطلبه العذراء مريم تحصل عليه. أيضًا وأيضًا كم من الأنفس المنسيّة، تئنّ لدهور خلت في هذا المكان، حيث الآلام والعذابات تفوق الوصف، لولا التدخّل السريع لمريم العذراء الأمّ الحنون، من أجل تقريب ساعة خلاصهم! أيضًا وأيضًا كم من الأنفس المخلّصة تصعد إلى السماء على أجنحة حبّها العظيم وخصوصًا عندما تمارس الكنيسة طقوس تكريمها المؤثّرة.
يؤكّد جرسون أنّ مريم العذراء عندما صعدت السماء قد حرّرت أعدادًا كبيرة من الأنفس المطهريّة.
القدّيس لويس ماري دي مانفور يؤكّد أنّ في تلك اللحظة عَمّ السماء فرحٌ عظيم! كما أنّه من التقوى الاعتقاد أنّ القدّيسة مريم تزور مكان العدالة الإلهيّة أيّام السبت وفي الأيّام المخصّصة لأعيادها، فترفع معها عددًا كبيرًا من الأنفس المطهريّة التي حصلت على النعمة.
وهكذا تكون العذراء سعيدة جدًّا لاستعادتها أبناءها فيشاركوا بسعادة العائلة السماويّة.
في السماء عدد لا يحصى من الطوباويّين الذين يدينون بخلاصهم من المطهر إلى ملكة السماء الكليّة الاحترام.
أيّها المسيحيّون، صلّوا بحرارة وكلّ يوم لمريم العذراء من أجل موتاكم الأحياء. أطلبوا منها العزاء. قدّموا لها الإماتات والمناولة، زوروا الكنيسة المطوّبة على اسمها.
أعلنت أمّ الله للقدّيسة بريجيت: “أنا أمّ كلّ الأنفس المطهريّة وكلّ الآلام التي استحقّوها أخفّفها عنهم كلّ ساعة بتدخّلي لدى الله”.
المؤمنون بمريم ليسوا تعساء أو مهملين في المطهر. إنّ العذراء مريم قادرة على نجدتهم، ولكن علينا نحن أن نطلب منها ذلك بصلاتنا سبحة الورديّة.
يقول القدّيس ألفونس دي ليغوري: “إذا رغبنا حقًّا، بخلاص الأنفس المطهريّة علينا اللجوء إلى مريم العذراء بتلاوتنا السبحة أو الورديّة التي بواسطتها يخلّصون”.
أيّتها الأمّ الحنون، أشفقي على أخوتي المعذّبين، أمّني لهم الراحة الأبديّة! تذكّري دائمًا أنّهم أبناؤك وأنت أمّ لهم إلى الأبد!
مثال
اعتنت إحدى الراهبات القدّيسات بفتاة بائسة تعاني من حالة روحيّة وجسديّة يُرثى لها. عاشت تلك الفتاة حياة مستهترة ومليئة الفضائح إلى أن أصيبت بمرض خبيث، جعل منظرها مخجلاً فينفر منها كلّ من يراها. وخوفًا من العدوى قام جيرانها بحملها إلى كوخ بائس منعزل لتسكن فيه. كانت طباع هذه الفتاة شرسة ولم يكن يجرؤ أحد التقرّب منها غير تلك الراهبة التي كانت ملاكًا هابطًا من السماء يساعدها على تحمّل عذاباتها.
بيد أنّ كلّ مساعدة من الراهبة كانت تقابلها بالشتائم. وعندما كانت الراهبة تحدّثها عن الله فلم تكن تجاوبها بغير السباب.
تعرّضت الفتاة البائسة، يومًا، إلى أزمة مخيفة وقضت فجأة. قبل أن تقف في حضرة العدالة الإلهيّة تذكّرت رحمات مريم العذراء التي كانت تسألها إيّاها في شبابها فخاطبتها قائلة:
“أنت يا من لا تنبذين أحدًا من الذين ينبذهم الآخرون، أيّتها الأم الحنونة ساعديني”. وقد جاءت مريم العذراء إلى نجدتها يوم لا منجدٍ ولا معين غير الله، فأوحت لها بأفعال الندامة، فجنّبتها نار جهنّم.
في الغد، وجد الأهالي جَسدها ممدّدًا على الأرض فكان كلّ واحد يقول أنّ روحها قد ذهبت إلى الجحيم، حتّى أنّ الراهبة نفسها حاولت أن تمحيها من ذاكرتها.
في أحد الأيام وبإذن من الله تعالى ظهرت روح الفتاة للرّاهبة، وكانت هذه الأخيرة تعتبرها ملعونة في جهنّم، فقالت لها: “أنت التي تصلّين للجميع أنسيتني؟” “ماذا” صرخت الراهبة، أنت في المطهر؟
الخاطئة المعذّبة أخبرت الراهبة بالنعمة التي حصلت عليها ساعة نزاعها من مريم العذراء وطلبت إليها أن تصلّي من أجلها لأم الله عساها تخلّصها من المطهر مثلما جنّبتها عذاب جهنّم.
وهكذا قدّمت الراهبة الصلوات لمريم العذراء بحرارة وفي ظهور ثانٍ علمت أنّ طلبها قد حقّق وقد فتحت الأم الحنون باب السماء لهذه النفس المعاقبة. شكرًا يا مريم العذراء لمحبّتك العظيمة.
لنصلِّ:
السلام عليك يا ملكة الرحمة، وملكة حياتنا وسلامنا ورجائنا، ليس في وادي الدموع هذا وإنّما في مكان كفّارتنا نقول السلام عليك!
نصرخ لك يا معزّية الحزانى، نتنهّد ونئنّ من أجل أخوتنا المعذّبين في المطهر أن تنظري إليهم بعين رحمتك يا حاميتنا! واسمحي لهم أن ينظروا وجه يسوع البهيّ، ثمرة أحشائك الطاهر. هذا ما نطلبه دائمًا لهم. يا مريم العذراء أيّتها الملكة التقيّة الحنونة.
من كتاب :
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهريّة
Discussion about this post