اليوم الثاني
ما هو المطهر؟ ولماذا المطهر؟
1. ما هو المطهر؟
يعلّمنا الإيمان أنّ المطهر، كما يدلّ عليه لفظه، هو مكان للألم والقصاص، حيث العدالة الإلهيّة تطهّر الأنفس لتصبح مستعدّة لدخول الجنّة. هو ليس الجنّة حيث لا يطؤها المدنّسون.
هو ليس الجحيم حيث لا مجال للغفران. إنّه مكان وسطيّ بين السماء حيث الفرح الأبديّ، والجحيم حيث الألم الأبديّ. فهو قريب من الجحيم بآلامه المبرّحة، وقريب من السماء بتقديس الأنفس المتألّمة. إنّه نار آكلة، ملتهمة، إنّما مطهّرة. إنّه “وادي الدموع” ولكنّه ليس وادي الدموع الأبديّة التي ذكرها الإنجيل.
عندما ينتهي عمل التطهّر ينادي الله الأنفس التي عانت العذاب، لتشاركه السعادة الأبديّة.
المطهر، إذًا، عذابٌ مرحليّ، ينتفي وجوده عند الدينونة الأخيرة.
هكذا هو المطهر، حيث يتعذّب ويئنّ معظم الأنفس التي أنهت مسيرتها (حجّها) في هذا العالم؛ إذ إنّ الدخول مباشرة إلى الجنّة هو امتياز لعدد قليل من البشر.
قد يكون المطهر، في هذه اللحظات، أهلنا وأحبّاؤنا وأصدقاؤنا ولن يكون اليوم الذي سندخل فيه ببعيد!
من منّا يتجرّأ على الادّعاء بأنّه سيكون طاهرًا بما يكفي، ساعة موته، فيتحاشى التكفير عن ذنوبه؟
إنّه لَهامٌ جدًّا معرفة حالة الأنفس المطهريّة البائسة لنتمكّن من تفهّم آلامهم ولنحصل، بدورنا، على المؤاساة.
2. لماذا المطهر؟
عندما تقف نفس في حضرة السيّد المسيح، القاضي الأعظم، خالية من كلّ دنس، يفتح لها أبواب السماء ويكلّلها بإكليل المجد الذي وعد به الصالحين.
ولكن إذا كانت تلك النفس يشوبها كدرُ الدنس ولو قليلاً، ماذا يحلّ بها؟ إلى أين تذهب؟ ماذا سيحصل لعدد كبير من الأنفس المماثلة؟
فهي ليست طاهرة بما يكفي لدخولها السماء! وليست دنسة بالقدر اللازم لدخول جهنّم! هل تحرم من ملاقاة وجه الربّ؟ تبارك اسم الربّ الذي أوجد الطريقة لتعايش عدله ورحمته، فوضع المطهر بين السماء والجحيم ممرًّا موجّهًا للأنفس التائهة، حيث تُطهَّر من كلّ دنس كالذّهب في آتونه. هناك يمحى الصدأ وتختفي آثار الخطيئة. ولقد أشار تارتوليان (Tertullien) إلى تلك العذابات القاسية بأنّها عذابات الرحمة.
للمطهر إذًا، سببه الواجب. إنّه ضروري لإتمام التكفير عن الذنوب الذي لم يتسنَّ لنا إتمامه في هذه الدنيا، وذلك لإرضاء العدل الإلهيّ ونيل مجد عظيم. إنّه تدخّل لبركة المخلّص.
وهذا ما يمكننا تسميته بالسرّ الثامن، سرّ النار، وهو للأنفس التي لم تتمكّن من الحصول على الطهارة الكاملة من خلال أسرار الكنيسة.
المجد للرحمة الإلهيّة التي خلّصت بالمطهر أحباءنا، فأتاحت لهم السُّبل لتخفيف آلامهم وفتح أبواب السماء أمامهم.
مثال
أنهى أحد الكهنة تبشيره عن المطهر أمام جميع المؤمنين بقوله: تلقّيت مؤخّرًا خبر وفاة والدي وأنا بعيد عنه. آلمني الخبر حتّى شعرت بكسر في قلبي. لم أتمكّن من تقبيله للمرّة الأخيرة ولم أستطع إغماض عينيه بيدي التي كان يقبّلها بكلّ حبّ وحرارة عند مسحها بزيت الكهنوت. من خلال الألم الذي يثقلني والحزن الذي أحسّه المؤاساة الوحيدة التي أشعر بها، تأتي من صلواتكم لأنّكم أحببتموني وأكرمتموني. عندما ترافقني هذه الفكرة وأنا أقدّم الذبيحة الإلهيّة لراحة نفس والدي يتراءى لي أنّني لم أفقده.
فأنا أحسّ بالصلاة تخفّف عنه الآلام وتحرّره من المطهر وتفتح له باب السماء، حيث أعطاني موعدًا في بيت الله. إنّها فكرة مقدّسة وسلام أن نصلّي للأموات. يا سلام إنّ المطهر هو، حقًّا، اختراع محبّة الله!”
لنصلِّ:
يا ربّ، أحترم قراراتك الأبديّة، وأعترف بأنّ المطهر الموفّق بين عدالتك ورحمتك هو من صنع محبّتك.
إعمل يا ربّ، أن أتخلّص بواسطة كفّارتي من هذا المكان، مسكن الآلام والحرمان، ولتنل صلاتي بعطفك الأبويّ نهاية لمنفى النفوس المعذّبة التي تناديك بحرارة.
يا يسوع، كُن السّند لهم! نادِ أبناءك وأخوتنا إلى الراحة الأبديّة؛ والنور الأبديّ يشعُّ عليهم! ليرقدوا بسلام.
من كتاب :
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهريّة
جمعيّة “جنود مريم”
No Result
View All Result
Discussion about this post