إنبثاق الروح القدس
من الآب والابن
” أما الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم ما قلته لكم ” (يوحنا 14: 6).
الأخوة الأحباء ……….
يتساءل الكثيرون عن أقنوم الروح القدس عقيدة وعملاً فهل هو ينبثق من الآب دون الابن ولماذا أضافت الكنيسة لفظة ( الابن ) على قانون الإيمان الذي أصدره مجمع نيقية سنة 325م ” نؤمن بالروح القدس المنبثق من الأب”.
هذه الأسئلة تحتاج إلى شرح وتبسيط حتى نتفهم أسس دياناتنا المسيحية، وعقيدتنا الكاثوليكية وهى عقيدة الكنيسة الجامعة الرسولية.
بنعمة الله تعالى وتنوير وإرشاد الروح القدس واهب الحكمة والمتكلم على لسان الرسل الأطهار وخلفائهم ورؤساء الكنيسة والآباء الكهنة يطيب لي الإجابة عن الأسئلة التي ترواد شبابنا اليوم.
الأخوة الأحباء ……….
تتفق كافة الكنائس عامة والرسولية خاصة كاثوليكية وارثوذكسية على ما يلي:
1- إن الله واحد مثلث الأقانيم الأب والابن والروح القدس.
2- للأقانيم الثلاثة طبيعة (شخص) واحدة وجوهر واحد وذات واحدة غير منقسمة لذا هم اله واحد.
3- الاقانيم الثلاثة متساوون في جميع الكمالات.
4- الله الأب يسمى أباً بالنسبة للابن (ولا أبوة بدون بنوّه)، والابن يدعى ابناً بالنسبة للأب (ولا بنوّه بدون أبوّه) والروح القدس يدعى تيار المحبة الضرورية للأب والابن.
الأخوة الأحباء ……….
قبل تعرضنا لإثبات عقيدة إنبثاق الروح القدس من الأب والابن، وجدت من الأفضل أن نعطي موجزاً تاريخيًّا عن هذه العقيدة مع ملاحظة إن كنيستنا القبطية المصرية كانت ومازالت بعيدة كل البعد عن تعليم الهرطوقي فوتيوس الغير سليم [بطريرك القسطنطنية 810 – 895 انقطع عن الباباوات الرومانيين نقولاوس الأول وأدريانوس الثاني ولكن البابا يوحنا الثامن صالحه نهائياً سنة 879 ]. وهذا ما سنراه وندرسه بتمعن وتعمق.
أولاً: الخلفية التاريخية للعقيدة:
إن تعليم الكنيسة عن الوهية الروح القدس ومساواته لله الأب والابن قد تحدّد في مجمع القسطنطنية المسكوني الثاني 381م الذي أقره واعتمده البابا داماس وفيه حرم تعليم مكدونيوس الذي أنكر لاهوت الروح القدس وأنه خلق من الأب.
وبكل آسف لم يعبّر هذا المجمع المذكور بالكفاية في قانون الإيمان عن هذه الحقيقة، وإن كان الشرق والغرب مع اتفاقهما في المعني إلاّ إنهما اختلفا في التعبير:
– الشرقيون: كانوا يقولوا: الذي من الأب بواسطة الابن ينبثق.
– الغربيون: كانوا يقولوا: الذي ينبثق من الأب والابن.
وفي الجيل الخامس ظهرت ميول الغرب لإضافة والابن لقانون الإيمان وهذا ما كان في مجمع طليطلة الأول سنة 447م، ومجمع طليطلة الثالث 589م [ كل من لا يؤمن بأن الروح القدس ينبثق من الأب والابن وأنه أزلي مثلهما وأنه مساو للأب والابن فليكن محرومًا]. كما أكد هذه العقيدة مجمع طليطلة الخامس سنة 633م.
وكانت كنيسة أسبانيا هي أول من إضافة في قانون الإيمان لفظة والابن سنة 589م وانتشرت هذه العبارة (المنبثق من الأب والابن) في بلاد فرنسا والبرتغال واسبانيا وانجلترا، كما أن بولون أسقف اكيلا قبل العبارة في مجمع فريول 796م كما قبلتها ألمانيا إذا نجدها في كتب شارلمان عن انبثاق الروح القدس ومخطوط مجمع فرنكفور سنة794م.
وفي مجمع فرنجوس بفرنسا سنة 796م ” إن الآباء القديسين الراسخين في ثبات هذا الإيمان اعترفوا بموجب الإيمان الكاثوليكي قائلين إن الروح القدس ينبثق من الأب ونعترف نحن أيضاً بافتخار أنه ينبثق من الأب والابن”.
ولكن عندما عاد بعض الرهبان من بلاط شارلمان إلى ديرهم اللاتيني على جبل الزيتون (القدس) واضافوا لفظة والابن على قانون الإيمان في القداس الإلهي قامت مشكلة كبرى فاعتبرها رهبان دير القديس سابا بالقرب من أورشليم هرطقة ولكن أهل مدينة رها في الأراضي المقدسة استشهدوا بعادة الكنيسة الرومانية وكتبوا للبابا لاون الثالث الذي فحص الدعوى وبعث بشهادة الإيمان التالية :” نؤمن بالروح القدس المنبثق بطريقة مساوية من الأب والابن “.
في نفس الوقت طلب الإمبراطور من أوليان نيود أن يضع مؤلفاً عن الروح القدس، وفي سنة 805م عقد مجمع كبير في اكس لا شايل (آسيا الصغرى) فيه دافع الآباء بشدة وقوة عن الإيمان القويم. كما أن في القرن الحادي عشر عندما زال كل خوف من مقاومة اليونان سمح الباب بندكتوس الثامن بأن تضاف لفظة والابن على قانون الإيمان بصفة رسمية.
ثانيًا: أزمة فوتيوس واشقاق الشرق
هناك أسباب كثيرة مهدت لانشقاق فوتيوس من بينها سوء التفاهم بين الشرق والغرب، والهرطقات العديدة التي وقع فيها اليونان، ثم التهم المتبادلة بين اللاتين واليونان.
قصة فوتيوس: بعد موت البطريرك القديس ميثور سنة 846م، ارتقى عرش البطريركية القسطنطنية القديس اغناطيوس ابن ميخائيل الامبراطور، وقد امتاز بغيرته الرسولية وقداسته وحاول تطهير البلاط الملكي من الفساد، فتآمر عليه برداس شقيق الامبراطور ميخائيل الثالث، حتى نفى البطريرك والامبراطوره إلى أحد الأديرة وخلع اغناطيوس عن كرسية وتولى فوتيوس البطريركية سنة 859م وطلب تثبيته من البابا نقولاوس الأول بابا روما، لكن البابا رفض ولام الامبراطور ميخائيل الثالث وفوتيوس لتصرفهما الشائن وعدم احترامهما القوانين.
إزاء هذا رغب فوتيوس في الانتقام والتشفي، فقام بالتشهير بالكنيسة الغربية والبابا في منشورات ووزعها على الكنائس الشرقية منتقداً الآتي:
1- اضافة لفظة والابن على قانون الإيمان
2- يحتقرون الكهنة المتزوجين
3- يصرحون بأكل البياض في الصوم
4- يصلون على خبز الفطير بدلاً من الخمير
هذه الأقاويل الهزيلة التي لا تمت للإيمان والعقيدة بصلة جوهرية، جعل الكنيسة تعقد المجمع القسطنطيني الثامن ستة 867م وفيه حرم فوتيوس وتعاليمه الفاسدة.
كما أنه في نفس السنة آتى باسيليوس الأول المكدوني وخلع الامبراطور ميخائيل الثالث وأرجع البطريرك القديس اغناطيوس الذي رجع إلى كرسيه بأمر البابا وتمت الوحدة مع اليونان ولو ظاهرياً وكان أتباع فوتيوس لا يستهان بهم وقد ملأ الحقد والضغينة نفوسهم الضعيفة مظهرين مقتهم وعنادهم لكنيسة روما ولكن مع البابا يوحنا الثامن صالح فوتيوس نهائياً سنة 879م.
وفي سنة 1430م عاد اليونان معترفين علناً بالإيمان في مجمع الفلورتيني بحضور بطريرك القسطنطنية واساقفتها، وبحضور الملك يوحنا باليلوغوس ملك القسطنطنية تحت رئاسة قداسة البابا اوجاثيوس معترفين بالتالي:
1- بانبثاق الروح القدس من الابن كما ينبثق من الأب.
2- جواز تقديم الذبيحة الإلهية على خبز الفطير كما خبز الخمير
3- وجوب عقيدة المطهر للذين بعد فعل الندامة الصادقة توفوا في حال محبة الله قبل أن يفكروا عن القصاص المتبقي عليهم.
4- يتمتع الأبرار بالسعادة الأبدية في ملكوت السموات قبل يوم القيامة الأخيرة.
5- بابا روما هو رأس الكنيسة وله الرئاسة على جميع اساقفة المعمورة، (منشور الاتحاد الموقع عليه من آباء الكنيسة اليونانية واللاتينية في المجمع الفلورتيني سنة 1430م).
وإذا كانت الكنيسة اليونانية لم تستمر على العقيدة التي نادت بها ووقعت عليها في شخص بطريركها وأساقفتها فلم ينشأ ذلك إلا عن روح التمسك بالعناد والاستقلال وحب المقاومة.
وقد ساعدت الظروف السياسية على استمرار الانشقاق بعد وفاة الملك يوحنا باليلوغوس بدون نسل، تخاصم وتنازع أخواه على الملك ولم يتفقا فتدخل السلطان مراد الثاني في أمرهما وأجلس قسطنطين الأخ الأكبر على كرسي المملكة سنة 1448م خلف مراد الثاني ابنه محمد الفاتح الذي طمعت نفسه ليستولي على القسطنطنية دخلها لوسيط صلح بين الأخوين وحاصرها حصاراً عنيفاً وكان ذلك يوم عيد الفصح سنة 1452م وانتهى الأمر بدخول الملك الفاتح مدينة القسطنطنية يوم العنصرة الذي هو عيد الروح القدس، نسبت ذلك كل الطوائف إلى انكارهم سر انبثاق الروح القدس من الأب والابن.
أثناء ذلك الحصار قتل قسطنطين الملك وهو آخر ملوك الروم على القسطنطنية وجلس محمد الثاني وبعده سلاطين آل عثمان واستمر الانشقاق وزاد النفور بين الكاثوليك وغير الكاثوليك لتملقهم للدولة العثمانية حتى أنهم اتهموا بطاركة الكاثوليك بأنهم جواسيس روما.
بعد هذه النبذة التاريخية الوجيزة يتحتم علينا الخوض في إثبات عقيدة انبثاق الروح القدس من الأب والابن فنسرد الأدلة الكتابية وأقوال الآباء وممارسات الكنيسة القبطية:
أولاً: الأدلة الفلسفية
1- إننا نؤمن إيماناً ثابتاً أن الله هو الجوهر الفرد الذي لا يمكن تجزئته، هو إله ذو عقل وإرادة يدرك ذاته تمام الإدراك- من هذا المنطق يلد كلمته الأزلية وبهذا الاعتبار ندعوه أباً وندعو كلمته الأزلية ابناً، كما ندعوه معقول العقل وابن الفكر أو كلمته العقلية، وقد سمى هذا الاقنوم كلمة الله أو ابن الله بحكم صدوره من الله الأب، ولما كان الابن هو صورة الأب الجوهرية وجب أن تكون علاقة بين الأب وكلمته وهي علاقة الحب المتبادل فالأب يحب صورته الجوهرية وهذه الصورة تنعطف إلى مصدرها فينبثق عن هذا الحب الروح القدس الذي هو علاقة جوهرية من الأب والابن إذ لا حب من طرف واحد.
2- لقد أصاب العلماء عندما بسطوا لنا سر الثالوث الأقدس في تشبيه النفس البشرية استناداً إلى سفر التكوين 1: 26 ( إن الله خلق اإنسان على صورته ومثاله ). ولما كانت صورة الله غير منطبعة في اإنسان من حيث جسده لأن الله روح بسيط خالي من كل حصر وامتداد فلزم القول أن تكون صورة الله في الإنسان من حيث نفسه، فالنفس باعتبار كونها كائنة، فهي تفكر وتريد- هي مثال الثالوث الكائن، المفكر، المحب لفكرته، لأن من يفكر ينشأ
3- في ذهنه صورة مطابقة لموضوع المعرفة وندعو هذه الفكرة بنت الوجود أو بنت عقلنا وهي عرض في الإنسان أما في الله- هذه الفكرة الذاتية والمستقرة تقوم مقام الكلمة المساوي لله الأب في الجوهر، ولما كان الإنسان ذا إرادة فيريد ما سبق عقله، ففعل الإرادة في الإنسان يستلزم قيام النفس واصدار الفكرة ولا يمكن أن يقوم بدونهما كذلك الروح القدس الذي هو فعل الإرادة الإلهية المستقرة ذاتياً وأزالياً في الله لا يمكن أن تقوم بدون الأب والابن اللذان يصدران كمبدأ واحد بنفخة واحدة.
مع هذا التوضيح والتبسيط لا يصعب اطلاقاً إدراك حقيقية انبثاق الروح القدس من الأب والابن بل يتحتم الإقرار بها.
ثانيًا: الأدلة الكتابية
الدليل الأول: مبني على الآيات الصريحة المنصوص فيها إن الروح القدس هو روح الابن كما سمّى روح الأب.
أ- أمَّا أنتُم فلا تَسلُكونَ سَبيلَ الجسَدِ، بَلْ سَبيلَ الرُّوحِ، لأنَّ رُوحَ الله يَسكُنُ فيكُم. ومَنْ لا يكونُ لَه رُوحُ المَسيحِ، فما هوَ مِنَ المَسيحِ(رومية 8: 9 ).
ب- في إنجيل القديس متى3: 16- 17 ” وتعمَّدَ يَسوعُ وخَرَجَ في الحالِ مِنَ الماءِ. واَنفَتَحتِ السَّماواتُ لَه، فرأى رُوحَ الله يَهبِطُ كأنَّهُ حَمامَةٌ ويَنزِلُ علَيهِ. 17وقالَ صوتٌ مِنَ السَّماءِ: “هذا هوَ اَبني الحبيبُ الَّذي بهِ رَضِيتُ”.
ت- وفي غلاطية 4:6 “الدَّليلُ على أنَّكُم أبناؤُهُ هوَ أنَّهُ أرسَلَ رُوحَ اَبنِهِ إلى قُلوبِنا هاتِفًا: «أباً، ايها الأب”.
ث- وفي 2كور3 : 17″ فالرَّبُّ هوَ الرُّوحُ، وحَيثُ يكونُ رُوحُ الرَّبِّ، تكونُ الحُرِّيَّةُ”.
من هذه الآيات يتضح أنه إذا كان الروح القدس دعى روح الرب لأنه ينبثق من الأب فيلزم القول أيضاً أنه ينبثق من الابن إذ يدعوه الكتاب المقدس ” روح الابن أيضًا” وبالتالي أنه بنفخة واحدة انبثق من كليهما.
الدليل الثاني: قال السيد المسيح عن الروح القدس:
“سيُمَجِّدُني لأنَّهُ يـأخُـذُ كلامي ويَقولُهُ لكُم. وبالمقابلة مع قوله (وكُلُّ ما لِلآبِ هوَلي)، لذلِكَ قُلتُ لكُم: يأخُذُ كلامي ويَقولُهُ لكُم (يوحنا 16: 14-5). والحال من المعروف والمقرر دون جدل أو شك عند جميع المسيحين أنه في الثالوث الأقدس لا يمكن أخذ أو أعطاء شئ إلا عن طريق الإصدار، فالاقنوم الذي يأخذ شيئاً من آخر هو صادر منه بدليل قول السيد المسيح يوحنا7: 16 “فأجابَهُم يَسوعُ: «ما تَعليمي مِنْ عِندي، بل مِنْ عِندِ الذي أرسَلَني”. وهو أيضاً الذي قال “الذي أرسلني هو حق والذي سمعته منه به أتكلم في العالم”.
فكل شئ هو مشترك ومشاع في اللاهوت بين الاقانيم الثلاثة ما لم تمانع مضادة النسب، ولما كانت لا توجد أي مضادة نسبية بين الابن والروح القدس فيلزم القول بأن الروح القدس هو صادر من الابن كما هو صادر من الأب، وإلا لما صحّ قول المسيح عن الروح القدس” يأخذ مما لي ويخبركم “هذا ومع التأمل في عبارة السيد المسيح المطلقة الواردة بها صراحة “إن جميع ما للأب هو لي”.
وبتعين الاستنتاج: كما أن للأب قوة على إصدار الروح القدس فلابد أن يكون للابن نفس هذه القوة لمشاركته للأب في الطبيعة الإلهية.
الدليل الثالث: قال السيد المسيح “صَدِّقوني، مِنَ الخَيرِ لكُم أنْ أذهَبَ، فإنْ كُنتُ لا أذهَبُ لا يَجيئُكُمُ المُعزِّي. أمَّا إذا ذَهَبتُ فأُرسِلُهُ إلَيكُم” يو 16: 7.
والحال: لا يصح القول إن الابن يرسل الروح القدس ما لم يكن صادراً منه وذلك الراسل إما ان يكون رئيس المرسل فيأمره ويكون صاحب رئاسة عليه ، وإما أنه ينصحه لما له عليه من نفوز فيكون صاحب رئاسة أدبية عليه- واما أنه يرسله بحكم علاقة كائنة بينه وبين المرسل منه من حيث العله أو المصدر كما ترسل الشجرة ثمرتها وعليه لا يمكن القول بوجود سلطة فعلية أو أدبية ما بين الاقانيم الثلاثة حتى يسوع يقول إن الابن ارسل الروح القدس بمقتضى سلطته الفعلية او الأدبية، إنما يرسله بحكم كيفية صدور اقنوم عن لآخر ويسمي انبثاق لان كل نظام الترتيب الكائن بين الثلاثة أقانيم الإلهية لا علة له سوى ترتيب الصدور وما عدا ذلك فكل شيء في الاقانيم متساوي ولذا لم يرد قط أن الأب أرسله أحد الاقانيم ولكن وردًا، الابن أرسله الأب، وأن الروح القدس قيل عنه تارة أرسله الأب وأخرى أرسله الابن- مما يفيد بوضوح صدور الروح القدس من الأب والابن كمن مبدأ واحد وبنفخة واحدة وربما نسأل لماذا قال السيد المسيح في يوحنا 15: 26 ” عن الروح القدس روح الحق الذي من الأب ينبثق”.
قطعاً ايها الأخوة الأحباء تعلمنا منطقياً أن العبارة إيجابية والجملة الإيجابية تثبت نفسها ولا تنفى غيرها- بدليل قوله في نفس الآية ” أرسل لكم المعزي”- وقد سبق وشرحنا معنى الصدور فكون الروح القدس ينبثق من الأب لا يعني أنه غير منبثق من الابن بل هو صادر منهما وصدوره نتيجة طبيعية للعلاقة الناشئة بين الصادر عنه فهو المحبة المتبادلة بين الأب والابن.
الدليل الرابع: أقوال الآباء
لقد أيّد الآباء شرقاً وغرباً عقيدة انبثاق الروح القدس من الأب والابن لا سيما آباء كنيسة الاسكندرية وإليكم أقوالهم:
1- القديس اثناسيوس الرسولي
أ- يعلم ويقول ” إن الروح القدس هو من الأب والابن ليس بمصنوع ولا مخلوق ولا مولود بل منبثق. [فقرة 22 من قانون اثناسيوس الرسولي- مخطوط رقم 74 لاهوت 349 بالمتحف القبطي بمصر القديمة اعتماد مار اثناسيوس الرسولي]، [القديس مرقس سميكة باشا فهارس المخطوطات القبطية جزء أول ص38].
ب- وفي كتاب الثالوث والروح القدس فصل 19 يقول القديس اثناسيوس ” ارسل الله روح ابنه إلى قلوبنا فاذ نشاهد الابن الوحيد ينفخ في وجوه الرسل قائلاً لهم ” خذوا الروح القدس” يلزم أن تفهم أن نسمة الابن الباقية في حياته وفي جوهره هي الروح ولنعلم أنه غير مولود ولا مخلوق من الابن…. أنه ليس مولود منه لأنه ليس كلمته وحاشا لنا أن نقول عن الروح أنه مخلوق…. وقد علمنا من الكتب المقدسة أنه نسمة ابن الله فتقول إذ أن الابن أيضاً هو مصدر الروح”.
2- القديس باسيليوس- ضد اونوميوس فــ 5:
” الروح القدس يظهر بالابن اذ يسميه روح الابن كما سمّاه روح الله ودعاه روح المسيح كما دعاه روح الله”.
3- القديس اغسطينوس: تعليمة عن الثالوث الأقدس:
لقد عالج الموضوع لاهوتياً وروحياً بطريقة مبسطة فتكلم عن الطبيعة الإلهية الواحدة البسيطة التي هى ثالوث وتبسيط في شرح نظرية النسب، هذه الأقانيم هي نسب تتميز عن الجوهر أو الطبيعة إذ ليست هي شيئاً مطلقاً ولكنها ليست عوارض فهي جوهر للطبيعة أزلية وضرورية مثلها- الأب يدعى أباً بالنسبة للابن والابن يسمى أبناً بالنسبة للأب والروح يسمى هكذا أي روحاً بالنسبة للأب والابن.
إن الروح القدس ينبثق أولاً وأصلاً من الأب الذي هو مبدأ ومصدر، كما أنه ينبثق من الابن لأنه العلاقة الطبيعية للأب والابن.
وفي كتابه ( ق اغسطينوس) الاعترفات سنة400م أن الإنسان هو صورة الثالوث بالكيان والمعرفة والإرادة [ تاريخ الآباء للدكتور المرحوم الأب ميخائيل صليب خزام ص19-20 محفوظة بالكلية الاكليريكية بالمعادي].
الدليل الخامس: طقوسنا القبطية
1- القداس الإلهي: صلاة التحليل الخولاجي ” ايها السيد يسوع المسيح الابن …الذي نفخ في وجه تلاميذه القديسين ورسله الاطهار وقال لهم اقبلوا الروح القدس…. من غفرتم خطاياهم غفرت لهم ومن أمسكتموها عليهم أمسكت”
2- بعد كلمات التقديس يتلوا الكاهن تحليل أو حلول الروح القدس مخاطباً السيد المسيح “نسألك أيها المسيح الهنا نحن عبيدك الخطأة غير المستحقين نسجد لك بمسرة صلاحك ليحل روحك القدوس علينا وعلى هذه القرابين الموضوعة…الخ.
3- وفي صلاة تحليل الأب: “أنت الذي قلت لأبينا بطرس أعطيك مفاتيح ملكوت السموات ما ربطته على الأرض يكون مربوطًا في السماء … ليكن يا سيد عبيدك آبائي وأخوتي وضعفي محللين من فمي بروح قدسك أيها الصالح محب البشر”.
4- عند الرشم داخل الكأس: “مبارك الرب يسوع المسيح الذي قدسها بروحه القدوس.
5- صلوات اللقان:
أ- لقان العنصرة: أني اسكب من روحي على أخوتي الرسل وأعطي اصدقائي في السماء، المسيح الهنا ملك الدهور رئيس خلاصنا أرسل لنا المعزي”. ويرتل الشمامسة والشعب: صعد إلى أعلى السموات وأرسل لنا الباراقليط روح الحق المعزي.
ب- لقان خميس العهد: أنعم لنا بغفران خطايانا بحلول روحك القدوس علينا ليطهر نفوسنا وأجسادنا وارواحنا طهر هذا الماء بقوة روح قدسك”.
6- صلوات القسمة المقدسة
Discussion about this post