أيقونة تجلّي ربنا يسوع المسيح
(حركة الشبيبة الارثوذكسية)
الرواية الإنجيلية (متى 17: 1- 9) وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ مُنْفَرِدِينَ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَا رَبُّ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ.لَكَ وَاحِدَةٌ وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ وَلِإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ».
وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا». وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدّاً. فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا وَلاَ تَخَافُوا». فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَداً إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ.وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً: «لاَ تُعْلِمُوا أَحَداً بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ».
يخبرنا الإنجيليون الثلاثة متى ومرقس ولوقا عن حادثة التجلّي. طبعاً يتساءل البعض عن سبب عدم ذكر هذه الحادثة عند الإنجيلي يوحنا. الجواب ببساطة هو أن كل إنجيله حديث عن لاهوت المسيح. كلّه تجليات وكأنك تلتقط التجلي في كل الإنجيل الرابع.
الإنجيلي لوقا يقول ان هذا حدث له “بعد هذا الكلام بنحو ثمانية ايام”. لماذا هذا الفرق؟ هنا لا بد ان نعرف ان رقم 8 رقم رمزي لا رقم تاريخي ويدل على الحياة الأبدية، رقم لاهوتي أراد به لوقا ان يوحي ان حادثة التجلي كشف مسبق، مؤقت لقيامة السيد التي تدشّن حياتنا في الملكوت.
وحده لوقا يحدثنا عن مضمون الحديث الذى جرى بين الثلاثة: “اخذا يتكلمان عن خروجه من اورشليم” اي آلامه. وكأن المعنى المقصود ان آلام الرب كانت طريقه الى المجد. آلام السيد تقوده الى مجده والمجد المكشوف على جبل التجلي هو اياه الذي سيصير المسيح اليه اذا مات. التجلي ينبىء عن تلازم الصليب والقيامة.
الأناجيل توضح ان هذا النور لم يكن نوراً حسياً. هنا يقول آباؤنا وعلى رأسهم القديس غريغوريوس (بالاماس) ان هذا هو ضياء الطبيعة الإلهية وهذا بالضبط ما تحاول الأيقونة تجسيده. هذا هو النور غير المخلوق الذي كان كامناً في السيد وأخفاه في ناسوته عند التجسد لما اتخذ صورة عبد. اذ لما اراد الابن ان يعايش البشر كان لا بد له ان يظهر مثلهم انسانا متواضعا لا مجد فيه. ولكن التجسد ما ألغى المجد الكامن في يسوع. كشفه لحظات كما كان فيه. لم يصطنع السيد نوراً جديداً. لم يتحول غير انه مكّن التلاميذ والنبيين ان يبصروا. كان هذا تجلياً بالنسبة اليهم. في الآلام انكشفت قوة مجده وهو يقيم في المجد الساطع من بعد القيامة وان أخفاه ايضاً بعد القيامة ليتمكن من الحديث الى التلاميذ.
يجيب الذهبي الفم عن معنى عبارة “تجلى”؟ قائلاً: “ان الرب كشف الستر عن أُلوهيته، قليلاً، حسبما شاء، واظهر لمسارّيه الإله الساكن فيه. بينما كان يصلي سطع هكذا وكشف للذين انتخبهم من بين الرسل، هذا النور الذي لا يمكن التعبير عنه. وكان اعظم الأنبياء معه. هكذا اراد أن يُفهمنا الربّ ان الصلاة هي التي توصلنا الى هذه الرؤية المغلوطة، وأن يعلّمنا انه بالتصاقنا بالله بالفضيلة، باتحادنا معه بالروح تظهر الغبطة الفائقة امام اعين الذين يتوقون إلى الله باجتهادهم في اعمال الرحمة ونقاوة صلاتهم”.ويقول القديس باسيليوس: “النفس الطاهرة وحدها يمكنها أن تعاين النور الإلهي. من اشتاق الى لمعانها يشترك فيها حسب قدرته. الرب وهو البهاء في ذاته وما كان محتاجاً أن يصلي ليشعّ جسده بالنور الالهي. إلا أنه صلّى ليدلّ القديسين على مصدر البهاء الإلهي وكيفية معاينته. وهكذا “يتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت ابيهم” (متى 13: 43).
يقف النبيّان إيليا وموسى على قمة جبلين منفصلين على يمين ويسار السيّد المسيح. ينحنيان امامه ويرفعان يديهما اليمنى وفي هذا إشارة الى الشفاعة. يقول القدّيسُ يوحنا الذهبي الفم أنّهما يمثّلان القانونَ والأنبياء؛ ويضيف ايضاً الى انهم رمز للحياة والموت (ايليا، الحياة، لأنه صعد إلى السماء على عربة ناريّة. وموسى، الموت، لأنه واجه الموت). فعن موسى قال الكتاب ان الله دفنه “ولم يعرف احد قبره الى يومنا هذا”. (تث 34: 6) وفي الفكر اليهودي اللاحق انه أصعد الى السماء. وعن ايليا أنه “صعد في العاصفة نحو السماء” (2 ملوك ك 2: 11).
النبيَّان عاينا قديماَ صورة عن المجد لا المجد الإلهي. التمسه كلاهما على جبل سيناء. فهناك كان الرب يكلّم موسى وجها لوجه. هناك قال موسى للرب: “ارني مجدك، قال انا اجتاز قدامك بوجهي….. اما وجهي فلا تستطيع ان تراه لأنه لا يرى انسان وجهي ويعيش”.
كذلك ايليا. يقول له الرب: “قف على الجبل امام الرب” فإذا الرب عبر وريح عظيمة وشديدة تصدع الجبال….. ولم يكْن الرب في الريح. وبعد الريح زلزلة ولم يكن الرب في الزلزلة. وبعد الزلزلة نار ولم يكن الرب في النار. وبعد النار صوت نسيم لطيف. وهناك كان الرب”. اي أن النسيم اللطيف دلّ عليه. يسوع، تاليا هو الإله الذي تكلم قديماً مع موسى وايليا. انه هو الإله نفسه “يهوه”.
في اسفل الأيقونةِ تحت السيد المسيح نرى رَدَّة فعل الرسل الثلاثة عند رؤيتهم السيد المسيح متجلياً . فسَقطَ يعقوب إلى الخلف ويداه تغطّيان عينيه. وبينما سَقطَ يوحنا الحبيب في الوسط ساجداً، نرى بطرس ايضاً يَسْجدُ ويرفع يده اليمنى نحو السيد المسيح مُظهراً رغبته في بناء المظال الثلاثة. ملابس الرسل في حال من الفوضى دلالة الى وقع الحدث الذي لا يمكن وصفه.
ما لم ترَه عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال انسان ما أعدّه الله للذين يحبّونه فأعلنه الله لنا نحن بروحه لأن الروح يفحص كل شيء حتى اعماق الله” (1 كورنثوس 2: 9 – 11).
“آخذاً معه بطرس ويعقوب ويوحنا، صعد الرب الى الجبل ليصلّي” (لوقا 9: 28). نعم كلما أراد يسوع ان يصلّي وحده كان يبتعد عن الجميع بما فيهم الرسل كما فعل يوم أشبع الخمسة الآلاف بخمس خبزات وسمكتين
(متى 14: 13 – 23). كان احياناً يأخذ بعضهم معه، الذين كان يفضّلهم. أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد معهم الى جبل عال وتجلى امامهم، اي امام اعينهم.
Discussion about this post