الأيقونة الفلاديميرية Vladimirskaïa
إن أيقونة والدة الإله (الفلاديميرية) هي من الأيقونات التي صوّرها القديس لوقا الإنجيلي. فقد روى تسليم أسلافنا أنها مصورة على لوح من تلك المائدة التي كان مخلصنا يتناول عليها الطعام مع أمه الفائقة القداسة ويوسف الصديق. وإن لوقا الإنجيلي صور هذه الأيقونة في حياة أم الإله وحملها إليها. فإذ عاينت مريم رسمها عليها أعادت قولها النبوي وهو: (ها أنه من الآن تبارك لي جميع الأجيال) وأضافت إليه قولها: “فلتكن نعمتي ونعمة المولود مني مع هذه الأيقونة”. وفي القرن الخامس (450) نقلت من أورشليم إلى بلاد اليونان إلى القسطنطينية على عهد الامبراطور ثيوذوسيوس الأصغر.
وبعد سبعمائة سنة بعث بها في القرن الثاني عشر بطريرك القسطنطينية لوقا خريسوفيرغ إلى كيّيف
إلى الأمير العظيم يوري ابن الأمير فلاديمير دولغورو كوف فوضعت في دير العذارى في فيشغورود كيّيف التي كانت مدينة اقطاعية للأميرة التقية أولغا. فاشتهرت هناك بالعجائب العظيمة ولم تلبث أن نقلت إلى مدينة فلاديمير.
ولما كانت هذه الأيقونة من تصوير القديس لوقا الإنجيلي استقبلها الرسيون بمحبة واحترام عظيمين. والكنيسة التي أقيمت فيها في مدينة فلاديمير سماها المؤرخون القدماء (الشهيرة). واعتاد الأمراء ورؤساء العساكر الروسيون أن يأخذوها معهم في الحروب. ولما كانوا يستعدون للملاحم (كانوا يركعون باكين قدام هذه الأيقونة العجائبية ويصلون ساعات طويلة مستذرفين الدموع).
وفي سنة 1155 اقطع الأمير العظيم يوري ابنه الأمير اندراوس مدينة فيشغورود، فدخل مرة اكليروس ديرها إلى الكنيسة فرأوا أن الأيقونة قد تركت مكانها ووقفت في الهواء فوق وسط الكنيسة
فارجعوها إلى مكان جديد ولكنهم رأوا في الحال أنها عادت ووقفت في الهواء.
إن الأمير اندراوس بوغوليوبسكي الذي قال عنه المؤرخ القديم: (إن ايمانه كان عظيماً ومحبته لوالدة الإله الفائقة القداسة حارّة وكان على شفتيه دائما إسم المسيح وإسم أمه الفائقة النقاء) بلغه خبر الأيقونة العجائبية وعدم رضاها بالمكان الذي أقيمت فيه ففكر وقال: (أما أنها ترضى بأن تستقر في أرض سوزدال؟) وكان هذا الأمير ينوي من زمن طويل أن يبتعد من جنوب روسيا إلى اقليم روستوف في الشمال ويوطد هنالك إمارة مستقلة عن كيّيف.
فأخذ يصلّي بحرارة قدام الأيقونة وأقام صلاة الابتهال وأخذها بورع مع جميع الكنوز على غير علم من أبيه وظعن ليلا من فيشغورود إلى إمارته الشمالية. وفي طريقه إلى سوزدال كان يحتفل بصلاة الابتهال قدامها ويرى منها العجائب الوفيرة.
فلما بلغ نهر فوزا أرسل فارساً ليفتش عن معبر فيه، فغاص هو وحصانه في الماء، فحزن الأمير عليه وصلى من أجل نجاته أمام الأيقونة العجائبية وما أنهى صلاته حتى ظهر الفارس بغتة على
الشاطئ الآخر سالماً.
وحدث أيضاً أن الحصان الحامل متاع الكاهن المصاحب للأيقونة المقدسة رمى الخادم عن ظهره وكسر رجله وداس زوجة الكاهن وجرها بأسنانه حتى لقيت الموت الأحمر. فابتهل الكاهن اليائس قدام الأيقونة المقدسة فعادت المرأة إلى الحياة وشفي الخادم.
وقبل أن يبلغ الأمير مدينة فلاديمير لاقاه أهلها بفرح عظيم على نهر كليازمة، ثم اتجه إلى روستوف ولكن على بعد عشرة فراسخ من فلاديمير عند مجرى النهر أمسكت الخيل الجارة مركبة الأيقونة وامتنعت بقدرة خفية عن الجري إلى ما هو أبعد فظن ساستها أنها أعيت فقرنوا غيرها فأمسكت هذه أيضاً بتلك القوة ذاتها ولم تتحرك من مكانها. وبعد أن صلى الأمير بحرارة قدام الأيقونة العجائبية تلقى الأمر من والدة الإله بأن يقيم أيقونتها في فلاديمير.
فشرع لساعته في بناء كنيستين من حجر ووضعها لوقت موقوت. وسمى ذلك المكان (المحبوب من الله) لأن والدة الإله أحبته. وشيد في فلاديمير كنيسة بديعة جداً سنة 1160 وزينها بأبّهة عظيمة ونقل إليها الأيقونة العجائبية وجملها بنحو ثلاثين اوقية من الذهب ما خلا الفضة والحجارة الكريمة واللؤلؤ.
ومن ذلك الحين سميت الأيقونة العجائبية هذه (فلاديمير) وعُرف الأمير (بمحب الله). وتألقت الأيقونة بالعجائب العظيمة. فبتأثير ايمان الأمراء ورؤساء العساكر والشعب كله أجمع بقوتها المنعمة اشتركت في ملاحم ووقائع عديدة شهدتها العساكر الروسية. فيها ترتبط ذكريات عديدة مقدسة.
وفي سنة 1164 ذهب الأمير اندراوس ليواقع بلغار فوليج وأخذها مع الصليب المحيي وتناول القربان المقدس قبل المعركة وصلى لوالدة الإله قائلاً: “كل من توكل عليك أيتها السيدة لا يهلك فأنا الخاطئ لي فيك سورٌ وستر”.واقتدى به الجيش فقبلوا الأيقونة باكين بعد أن صلوا بحرارة واندفعوا برجاء وطيد وإخاء على الأعداء فهزموهم وبعد أن طاردهم الأمير بادر فقدم الشكر لأم الإله في مكان الملحمة ذاته. وفي ذلك الحين أضاء من الصليب الكريم ومن الأيقونة الفلاديميرية نور أنار الجيش كله.
فحفظت ذكرى هذه الأعجوبة في التعييد الذي يتم بالتطواف بخشبة صليب الرب الكريم في أول آب. وقد عُيّن سنة 1164 برغبة الأمير اندراوس وموافقة الامبراطور اليوناني مانوئيل الذي رأى في اليوم عينه النور من صليب الرب وقهر الهاجريين بأعجوبة إلهية.
وبعد أن قتل المتآمرون الأمير اندراوس بوغوليوبسكي سنة 1157 نهب الشعب المفتون بالفوضى واغرآء القتلة مدينتي بوغوليوبوف وفلاديمير فاندفع حينئذ الكاهن الذي جاء مع الأمير القتيل من فيشغورود وفتح ممراً في أسواق المدينة المزدحمة فيها جماهير الناس وهو مرتدٍ حلة الكهنوت بكاملها وحامل الأيقونة العجائبية فأخمد الفتنة في الحال.
وتقرر بعد الأمير اندراوس في فلاديمير أن تعطى أريكته لابني عمه ياروبولك ومستيسلاف روستيسلافتش. ففي اليوم الأول من إمارتهما اغتصبا فضة كنيسة فلاديمير وذهبها واستوليا على
الاقطاعات والاتاوة التي تبرع بها الأمير بوغوليوبسكي. وأعطى ياروبولك أيقونة والدة الإله الفلاديميرية العجائبية لصهره غلياب ريازانسكي فثار ضد هذا الاستبداد جميع أهالي فلاديمير وعزموا على طرد بني روستيسلاف. وفي الحال أطرحت عساكرهما أعلام إمارتهما قبل أن يباشروا حربا وأمعنوا في الفرار (مطرودين بغضب الله ووالدة الإله). وارجع غلياب ريازنسكي الأيقونة المقدسة وقال: (فليعزّهم الله والقديسة والدة الإله (الفلاديميرية) لأن أهالي فلاديمير هؤلاء ممجدون بالله في الأرض كلها لأجل برهم والله ساعدهم).
وفي أوقات الفتن وسني النكبات والملمات كان الشعب الروسي يلتجئ إلى والدة الإله أمام أيقونتها الفلاديميرية (ببكاء وعويل كثير) ويصرخ: “يا أم الإله! خلصي الأرض الروسية! يا أم الإله خلصي الأرثوذكسية!” وبهذه الأيقونة كان رؤساء الكهنة يباركون الأمراء العظام والقياصرة عند استوائهم على العرش وتتويجهم وحالاتهم الأخرى الهامة في حياتهم. فبعضهم صلى أمامها لأجل أولاده وآخرون استقسموا رعاياهم بالله ليحفظوا يمين الأمانة للوطن وبعضهم سألوا أن يؤتى بها إليهم وهم على سرير الموت ليخففوا دقائق حياتهم الأخيرة بالصلاة قدام رسم العذراء الفائقة القداسة.
وعند انتخاب المطارنة والبطاركة الروسيين كانت أسماء المنتخبين التي يختمها القيصر توضع أولاً قدامها في (صورة العذراء أو صورة المسيح) أي في البناجيا على الغطاء في صندوق الأيقونة الفلاديميرية لترى (من تنتخب منهم هي نفسها) وبعد الصلاة كان القيصر نفسه أو أقدم المطارنة ينزع الخاتم ويعلن للجميع اسم المنتخب.
إن الروسيين الأتقياء كانوا يرون تعزيتهم الوحيدة معاينة الأيقونة الفلاديميرية فقط. ففي سنة 1598 كتب أحد قوادهم إلى البطريرك أيوب: “عسى أن يؤهلنا الله لأن نعود ظافرين إلى مدينة موسكا المتملكة ونعاين أيقونة والدة الإله الفلاديميرية الفائقة النقاء العجائبية”.
وقبل أن طرد الأمير بورجارسكي والتاجر مينين البولونيين من موسكا كان الروسيون يقولون: “إنه
لأفضل لنا أن نموت من أن نسلم أيقونة والدة الإله الفلاديميرية الفائقة النقاء للشتيمة والتجديف”.
وبعد نقل الأيقونة إلى فلاديمير بوقت قصير بنى الأمير اندراوس الباب الذهبي ولكن سقط عقده على اثني عشر رجلا فاعتبر نفسه سبب قتلهم والتجأ لأجلهم بصلاة ودموع إلى والدة الإله أمام أيقونتها العجائبية فلما نُقضت الحجارة وُجد الرجال سالمين.
وفي حريق 13 نيسان سنة 1185 احترقت كنيسة فلاديمير الكبرى مع ثروتها كلها إلا أن الأيقونة العجائبية لم تتضرر. وفي وقت هجوم التتر بقيادة باتيّا في اليوم السابع من شباط سنة 1237 فقدت
الأيقونة إطارها وحُلّتها الثمينة. أما هي فلم تتأذّ “بنعمة والدة الإله التي لا تفارق أيقونتها توكيداً للتقوى وعناية بالأرض الروسية”. والأمير ديمتري دونسكوي قهر ماصي في اليوم الثامن من أيلول سنة 1380 بمساعدة والدة الإله الفلاديميرية.
إن مجد فلاديمير كان ينمو وينتشر طوال مئتين واثنتين وأربعين سنة أي ما دامت فيها أيقونة والدة الإله العجائبية. ولما شُيدت في موسكا كنيسة على إسم والدة الإله ونُقلت إليها أيقونتها الفلاديميرية 1395، نشأت هذه العاصمة تسمو على الإمارات الروسية كلها جمعاء. نعم في موسكا اشتهرت على الخصوص قدرة أم الإله بواسطة هذه الأيقونة العجائبية التي لا تزال فيها حتى الآن.
ففي سنة 1395 دخل أعمال الروسية فاتح الشرق المخيف تيمورلنك أو حيمورت أكساك (الأعرج الحديدي) واقترب بعساكره من حدود ريازان واستولى على مدينة آليتس وأسر أميرها وقتل كثيراً من المسيحيين وبلغ الدونا واتجه إلى موسكا.
فخرج الأمير باسيليوس ديمتريفتش مع عسكره إلى كولومنه ونزل على شاطئ نهر أوكا وهو متوكل على الله أكثر مما على قواه وصلّى بحرارة مع جيشه وجميع الشعب إلى الله ووالدة الإله الفائقة القداسة لأجل إنقاذ وطنه واستدعى لمعاونته أصفياء الله العظام: بطرس والكسيوس وسرجيوس وأمر بأن يكرّس الصوم السابق لعيد رقاد السيدة في جميع أعمال إمارته للصلوات الحارة ولمجاهدات التوبة وبأن تنقل أيقونة والدة الإله العجائبية من فلاديمير إلى موسكا.
فاكليروس كنيسة رقاد السيدة الموفدون لينقلوها تناولوها بعد القداس الإلهي وصلاة الابتهال في عيد رقاد السيدة على عيون الشعب الباثة الشفقة فأعول القوم صارخاً: “إلى أين تذهبين عنا يا سيدة؟ ولماذا تتركينا نحن اليتامى وتصرفين وجهك عنا؟”. واقترب المحفل المقدس بالأيقونة من حصون موسكا بعد عشرة أيام.
وكانت جماهير الناس التي لا تحصى على كلا جانبي الطريق تصرخ باكية جاثية على ركبها: (يا والدة الإله! خلصي الأرض الروسية!). واستقبل الأيقونة المقدسة ظاهر المدينة في حقل كوتشكوفا اكليروس موسكا بالصلوات الاحتفالية وكل أسرة الأمير العظيم والاشراف والشعب وشيعوها إلى كنيسة رقاد السيدة. ولم يذهب سُدىً إيمان الأرثوذكسيين وابتهالهم وتقواهم: لأنه في عين ذلك اليوم وذات تلك الساعة التي كان أهالي موسكا يستقبلون فيها أيقونة والدة الإله نعس تيمورلنك في فُسطاطه فرأى أن أمامه جبلاً عظيماً وعلى قلته كثرة من الأساقفة القديسين مقبلين إليه بعكاكيزهم الذهبية وعاين أن العذراء فوقهم في نور باهر وعظمة لا توصف تحيط بها ملايين من الملائكة لا تحصى مخترطين سيوفهم اللهيبية ومنقضّين عليه كلهم وأنها نظرت إليه متهددة وأمرته بالجلاء عن الروسية وأنها في الوقت عينه ألمعت إلى الجنود المحيطين بها أن ينتحوه. فأفاق مذعوراً واستدعى برؤساء عساكره وتقاضاهم أن يفسروا له هذه الرؤيا، فأجابه زعماء حكمائه: إن العذراء التي رآها إنما هي أمّ الإله المسيحي محامية الروسيين. حينئذ قال خان جاغاتيسكي (إذن فنحن لا نغلبهم). وأمر قواده في
الحال أن يرجعوا القهقرى. فدهش لذلك الروسيون والتتر أنفسهم.
وابتهل الأرثوذكسيون بفرح إلى والدة الإله قائلين: “إن أمراء عساكرنا لم يطردوه وجنودنا لم يخيفوه ويقهروه ولكن القدرة غير المنظورة ألقت عليه الرعب والذعر فتقهقر المطرود بغضب الله عن الأرض الروسية”. وتذكاراً لحماية والدة الإله هذه العجيبة أسس في موسكا على حقل كوتشكوف حيث استقبلت أيقونتها الفلاديميرية ديرُ للرهبان وعين يوم استقبالها ذاته 26 آب عيدُ سنويُ لها.
وفي كنيسة فلاديمير وضعت مكان الأيقونة الأصلية التي نقلت إلى موسكا أيقونة أخرى بمقياسها وشبهها صورها المطران بطرس القديس إذ كان رئيساً على دير راتسكي في فولين.
وقد أبدت الأيقونة الفلاديميرية مثل هذه المساعدة في سنة 1408 ضد ملك الوبر آديغاي الذي باغت موسكا بهجومه عليها ولم يكن فيها يومئذ لا أمير ولا مطران وامتنع عليها انتظار المعونة من الناس. فلم يفتر سكان العاصمة عن الصراخ بالصلوات والدموع إلى والدة الإله قدام أيقونتها الفلاديميرية.
وتهيّأ آديغاي للشروع في حصار المدينة إلا أنه تلقى في هذا الوقت عينه نبأ اضطرام الفتنة في أوردين فأسرع في الإياب إليها عن موسكا.
وبعد غارة تيمورلنك بخمسين سنة حمل على موسكا مازفشا ولي عهد نوغاي بجيش أبيه. فاحرق التتر ضواحيها وفرحوا بأنهم سيأخذون أسرى كثيرين وذهباً وفيراً. وفي وقت الحريق كان المطران أيونا يطوف بأسوار المدينة مع الاكليروس والشعب حاملين الصلبان والأيقونات وهم يرنمون صلاة الابتهال، وصادف المطران راهب دير تشودف أنطونيوس المشهور بقداسة سيرته فقال له: “يا أنطونيوس صلّ بأكثر حرارة إلى الله لأجل خلاص المدينة”. فأجابه المتوحد: “أنت رئيس كهنه لله عظيم. وسيدتنا والدة الإله السريعة الاجابة لا تزدري صلواتك: لأنها قد ابتهلت إلى ابنها لنقذ المدينة”. وقاتل أهل موسكا التتر حتى أجنّهم الليل وتوقعوا في الدجى هجوماً جديداً.
إلا أنهم لم يروا أحداً من الأعداء تحت الأسوار لأنهم كانوا قد أدبروا ليلاً عن موسكا غير خاطفين إلا بعض أعجالهم الخفيفة. وروى المؤرخ أن التتر سمعوا ضجة غير اعتيادية من بعيد فخيّل إليهم أن الأمير العظيم آت إليهم بجيش حرار. فهلع مازوفشا وأدار رأس حصانه نحو بيته فاقتدت به عساكره، ونزعوا كلهم إلى الهزيمة. أما جيش الأمير العظيم فكان قليلاً ووقف بعيداً. ودلّ الأمير العظيم الشعب على السيدة المحاربة القاهرة الجيوش المخيفة إذ هرع إلى الكنيسة وجثا قدام أيقونتها الفلاديميرية شاكراً وممجداً حامية المسيحيين السماوية الظافرة.
وبعد ثماني سنين من غزو مازوفشا جيّش على موسكا أبوه سيدي أحمد وافتخر متصلفاً بأنه سيستعبد الروسية كلها ولكن يوحنا ابن الأمير العظيم طرد جيوشه منها. فعزا رئيس الكهنة أيونا نقض افتخار أحمد وفشله إلى حماية والدة الإله وأقام مقاماً سنة 1459 لمديح والدة الإله في كنيسة رقاد السيدة.
وتعيد أيضاً الكنيسة الأرثوذكسية في 23 تموز للأيقونة الفلاديميرية تذكاراً لخلاص الروسية بمعاونة والدة الإله العجيبة من ملك وبر أوردي أحمد سنة 1480 على عهد الأمير العظيم يوحنا فاسيليفتش الثالث.
فخان أوردي الذهبية هذا خرج بجيش عرمرم لينهب موسكا ويخربها فبلغ نهر أوغرة الذي كان الروسيون يسمونه زنار والدة الإله الحارس أملاك موسكا. فتهيّأ الأمير العظيم المشدد بمشورة الأساقفة وصلواتهم لحماية الإيمان والوطن. ووقف الجيشان طول النهار متواجهين ينتظران الهجوم ونهر أوغرة يفصلهما. فتم يومئذ خلاص الروسية العجيب بمعونة والدة الإله لأن الأمير العظيم أمر جيوشه بالرجوع عن النهر رغبة منه في أن يعبره التتر. ولكن هؤلاء اعتبروا هذا الرجوع اجتذابا لهم إلى مكمن وشرعوا يتقهقرون رويداً وتملكهم في الليل رعب راعب فادبروا لا يلتفتون إلى الوراء. إن الخلاص من أحمد كان الخلع النهائي للنير التتري الذي بهظ الروسية مئتي سنة.
قال المؤرخون الروسيون في ايضاح هذه الأعجوبة: “ألا لا يفتخرن الرعناء بخوف سلاحهم فإنه لا سلاح ولا حكمة بشرية خلصت الروسية بل الرب نفسه”.
وشكراً على تحرير الروسية من نير التتر الثقيل الشأن تقرر في سنة 1480 ان يعيّد لذلك في 23 تموز سنوياً فيحتفل في هذا اليوم في موسكا بتطواف حافل في دير سيرياتينسكي بالأيقونة الفلاديميرية المقدسة العجائبية تكريماً لوالدة الإله الفائقة القداسة.
وتعيّد أيضاً الكنيسة الأرثوذكسية مرة ثالثة لاستقبال الأيقونة الفلاديميرية في 21 أيار بسبب حادثتين: أولهما: وقعت في سنة 1514 وهي تجديد هذه الأيقونة في منزل المطران فارلام. ولذلك تقرر أن يطاف بها من كنيسة رقاد السيدة إلى دير سرياتينسكي في 21 أيار. وإلى تذكار تجديدها هذا ينضمّ تعييد آخر لها بسبب الحادثة التاريخية الثانية ألا وهي انقاذ الروسية بمعونة سلطانة السماء والأرض سنة 1521 من تتر القرم ونوغاي وكازان الذين قادهم محمد غيريا وأغار بهم على تخوم موسكا بسرعة مدهشة حتى أن الأمير العظيم باسيليوس ايفانوفيتش ما كاد يخرج بالجهد جنوده إلى نهر
أوكا ليوقف توالي اقتحام الأعداء الذين لما كانوا قد أحرقوا القرى من نيجنى نوفغورود وفورونيج إلى نهر موسكا سبوا كثيرا من الأهالي رجالاً ونساءً وعذارى وقتلوا الأطفال يخبطون بهم الأرض
وباعوا جماهير المسبيين في كازان واستراخان وأماتوا الضعفاء والشيوخ سبغاً وجوعاً ودنسوا قدسيات الكنائس ووقف محمد غيريّا لدى احمرار القرى الملتهبة على بضع فراسخ من موسكا التي لم يكن لها يومئذ من سبيل إلى انتظار النجدة من مكان ألبتة.
فسادت الفتنة في موسكا وهرب الناس إلى الكريمل فتضاغطوا هناك وتزاحموا إذ نشد كل واحد فيه النجاة. وكانت الصلاة بالدموع قائمة فيه بلا انقطاع. وفي منتصف الليل صلى أحد السُذّج السلماء باسيليوس باكياً عند باب كنيسة رقاد السيدة فقطعت صلاته بغتة وخُيّل إليه أن الباب يفتح بقوة خفية وأيقونة والدة الإله العجائبية تخرج من مكانها وسمع صوت منها قائلاً:”إني أخرج من المدينة مع الأساقفة الروسيين القديسين”. وامتلأت الكنيسة كلها لهيباً توارى في لحظة. وفي ذلك الليل بعينه رأت فجأة إحدى عجائز الراهبات العمياء في صومعتها في دير فوزنيسينسكي أن جوقة كاملة من رؤساء الكهنة القديسين وغيرهم من رجال النور البهي يخرجون من الكريمل ذاهبين بباب سباسكي في
ثياب مقدسة وفي وسطهم أيقونة والدة الإله العجائبية. إلا أنهم كادوا لا يخرجون من باب فلوروف حتى لاقاهم سرجيوس رادونيجسكي وفارلام خوتينسكي وسقطا على أقدام الأساقفة القديسين وسألاهم: “أين تذهبون وعلى من تتركون المدينة”؟ فأجابهم الأساقفة باكين: “إننا صلينا كثيراً إلى الله الكلي الرحمة وإلى والدة الإله الفائقة القداسة لأجل الخلاص من الحزن المتوقع. إلا أن الرب لم يأمرنا بالخروج وحدنا من المدينة بل بأن ننقل معنا أيقونة أمه الفائقة النقاء العجائبية.”
لأن الناس أزروا بخوف الله وازدروا وصاياه وأغفلوها فسمح للبرابرة بأن يكروّا عليكم. فليعاقب إذن
الناس أنفسهم الآن وينيبوا إلى الله تائبين. وأخذ القديسان المجاهدان سرجيوس وفارلام يستعطفان الأساقفة القديسين ليسترحموا بشفاعتهم دينونة الله العادلة وشرعا يبتهلان معهم إلى الرب وإلى أمه الفائقة النقاء. حينئذ رسم الأساقفة القديسون على المدينة علامة الصليب وعادت أيقونة أم الإله إلى
كنيسة رقاد السيدة فأنقذت موسكا والروسية كلها بشفاعتها. إن المؤرخين يخبرون بأن التتر هموا بأن يحرقوا ضواحي موسكا إلا أنهم رأوا بغتة حولها جيشاً خضرماً جراراً فأنبئوا به عاهلهم الغازي هلعين فلم يصدق وأرسل رجالاً غيرهم ليتحققوا الأمر. فرأى هؤلاء أيضاً الخميس الروسي الجرار واخبروه عنه فأرسل رجلا آخر من أقاربه فرأى هذا أيضاً الحقيقة وارتعد وبادر إليه صارخاً: لماذا تتباطأ أيها الملك فلنسرعنّ في الهربان لأن جيشاً كثيفاً لا حدّ له آت إلينا من موسكا؟ وهكذا ولّوا هاربين.
فتذكاراً لهذا الانقاذ العجيب تقرر أن يحتفل في موسكا بتطواف ديني في كنيسة رقاد السيدة في 21 أيار سنوياً إلى دير سرياتينسكي وفي كنيسة الأيقونة الفلاديميرية على شارع نقولسكي.
وفي أيام انقاذ موسكا ترنم الكنيسة الأرثوذكسية بفرح أمام أيقونة والدة الإله الفلاديميرية: ” اليوم تتجمل ببهاء موسكا المدينة المجيدة لأنها أيتها السيدة قبلت أيقونتك العجائبية كضياء الشمس”. فإليها نتبادر الآن ونضرع إليك صارخين:” أيتها السيدة والدة الإله العجيبة توسلي إلى المسيح الهنا المتجسد منك لكي يخلص هذه المدينة وجميع المدن والبلدان المسيحية ويحفظها غير مضيرة من جميع الغارات العدائية وينقذ نفوسنا لأنه الراحم المتحنن “
Discussion about this post