أيقونة العذراء المقدّسة المدعوّة ذات ” ثلاثة أيدي “
كانت هذه الأيقونة المدعوّة ” ثلاثة أيدي “ للسيدة العذراء، الجوهرة الثمينة للقديس يوحنا الدمشقي، وقد حفظها بشكل خاص بتضرعاته وصلواته داخل بيته في دمشق.
هذا كان في بداية القرن الثامن، حيث كان الوليد خليفة العاصمة دمشق 705- 715 م وقد اتخذ في قصره “يوحنا الدمشقي” أميناً استشارياً، أي يشغل مهمة جابٍ، نظراً لمعاشرته الحسنة والبارزة في إطار صلاحيته التي تولّتها عائلته تقليدياً، ونشأت في بداية القرن الثامن هرطقة حرب الأيقونات في مركز القسطنطينية على يد الملك لاون الثالث ملك بيزنطة؛ فتحرك القديس الدمشقي، الذي كان وقتئذٍ علمانيّاً، وانبرى للردّ على كل هرطقة لمحاربي الأيقونات المقدّسة، وكتب كثيراً كما شفهياً، وأنشأ بموقف شجاع ثلاث خطابات ضدّ هؤلاء، ولم يكن أحدٌ غيره يجاهد في هذا الأمر.ولما وصل الأمر لمحارب الأيقونات الملك لاون الذي كان معروفاً بأنّه مخادع و لئيم، وشى بخطاب عند الخليفة ادّعى فيه أنّه من عمل القديس،في حين أنه أمرَ خطّاطاً كان موضع ثقة عنده بتقليد خط القديس في رسالة بُعثت إلى الخليفة الأموي مرفوقة بأخرى بخط الملك ليكشف بها خداع القديس كما ادّعى. ويقول في المزوّرة: “إنّ القديس مستعدٌ أن يساعده ضدّ الخليفة الوليد وأن يسلّم له العاصمة دمشق”
ولما وصلت الرسالتان إلى الخليفة، و الخليفة كان يحبّ القديس فاستدعاه وحقّق في أمرالرسالة فأجاب القدّيس:
“الخط مشابه لخطي ولكنّي لم أكتب هذا و لم أرَ هذه الرسالة إلّا الآن، لم يصدقّه الخليفة ولم ينتبه أو يشعر بالمكيدة التي حيكت له بالرغم من محبته للقديس؛ فأمر أن تقطع يد القدّيس اليمنى وتعلّق في وسط مدينة دمشق لتكون عبرةً للكلّ.
” نفِذَ الأمر مباشرةً، وعندما انتهى ذلك اليوم كان القدّيس يلتمس إلى الخليفة أن يرجع له يده المقطوعة. وعندما أذن له الخليفة أمسك القدّيس يده المقطوعة باليد اليسرى وعاد إلى
بيته و سجد أمام أيقونة العذراء التي في غرفته، وبقي على هذه الحالة من خشوع و سجود جاثياً على ركبتيه طوال الليل باكياً يطلب شفاعة العذراء لتشفي يده و تكشف براءته، إلى تعب و نام فرأى في حلمه السيدة العذراء التي في أيقونته تقول له:
“من الآن و إلى الأبد ستشفى يدك ولن تحزن مطلقاً،فقط تمّم الوعد الذي قطعته بأن لا تنقطع عن الكتابة ضدّ كل من يحارب الأيقونات.”
استيقظ القديس و رأى الحلم حقيقة، يده كانت قد شفيت و عادت كما كانت؛ أمّا ما بقي فهو ذلك الخط الأحمر الرفيع ليكون شاهداً لتذكار أعجوبة العذراء مع القدّيس. ويقال أنّه بعد حصول الأعجوبة و نهوضه من النوم أنشد في الحال ترنيمة:
” إنّ البرايا بأسرها، تفرح بك يا ممتلئة نعمة. محافل الملائكة، وأجناس البشر. أيّتها الهيكل المتقدّس، والفردوس الناطق، وفخر البتوليّة مريم. التي منها تجسّد الإله، و صار طفلاً، وهو إلهنا قبل الدهور. لأنّه جعل مستودعك عرشاً، وبطنك أرحب من السماوات. لذلك يا ممتلئة نعمة، تفرح بك كل البرايا، وتمجّدكِ ” وكما يفعل المؤمنون عادةً عند طلب الشفاعة و الشفاء لأيّ عضوٍ من أعضاء الجسم، ينذرون نذوراً مختلفة من الذهب و الفضة ويضعونها على الأيقونات، كذلك صاغ القدّيس كفّاً من الفضة ووضعه على الأيقونة شكرا منه على العجيبة التي حصلت معه، ومنذ ذلك الحين سميّت الأيقونة ذات ” ثلاثة أيدي “، وبعد عجيبة الشفاء هذه التي حصلت مع القدّيس قرّر أن يغادر حياته العلمانيّة ليترهّب.
علم الخليفة بهذه العجيبة واندهش من القوّة الإلهية و طلب من القديس مسامحته على العقاب غير العادل الذي أصدره بحقّه، فأعاد له كرامته كوزيرٍ سابق، ولكنّ القديس أخبره بطله الرهبنة، فأذن له ان ينفصل عن حياة العالم. ترك القديس يوحنا سوريا و ذهب ليترهّب في دير اللافرا الشهير للبارّ سابا المتقدّس الذي رقد في القرن السادس وكان يحمل معه أيقونته ” أيقونة ذات ثلاثة أيدي “ وبقيت هذه الأيقونة في الدير بعد رقاد القديس. ومن ثمّ انتقلت هذه الأيقونة إلى الجبل المقدّس مع القديس سابا الصربيّ و وضعت في هيكل كنيسة دير خيلانداري الكبيرة وكان هذا الوصول الأوّل لها إلى الدير. و بعد رقاد القديس سابا الصربي وبالتحديد في العام 1647 م جاء إلى الدير زائرٌ صربيٌّ لاوأخذ الأيقونة معه كبركة لدير صربي لسبب مجهول، وفي بداية القرن الخامس عشر تعرّضت صربيا لاحتلال الأتراك، فاحتاطوا الرهبان لينقذوا الأيقونة؛ فوضعوها على متن أتان وأطلقوه حرّاّ يمشي بمشيئة عذراء ” ثلاثة أيدي “، وهكذا قطع الأتان كل سوريا ومقدونيا ووصل إلى الجبل المقدّس كما أمرته العذراء، فوقف على مسافة قريبة من دير خيلانداري، فوقع نظر رهبان الدير على الأيقونة فبادروا بسرعة إلى إنزالها من على ظهر الأتان الذي مات للحال،وبعد قراءة المزامير وضع الرهبان الأيقونة بزياحٍ احتفالي في هيكل الكنيسة الكبيرة للدير.
لم يُنتخب و لن يُنتخب في دير خيلانداري “رئيس” وبقيت عذراء ” ثلاثة أيدي” الأم الحامية للرهبان والصائنة لهم من الصعوبات التي يتعرضون لها في الحياة الرهبانية.
وجه العذراء هادئ ونظرتها مليئة بالحنان والعطف، تحمل كافة الرصانة والجلال. ذات رداء مذهّب ومزخرفة بأكثر من خمسة آلاف من الأحجار الكريمة التي هي نذور الساجدين والطالبين شفاعتها .
Discussion about this post