تعريف الأيقونة:
عنوان هذه الأيقونة “الضابط الكل” كما هو مكتوب أعلاه في اللغة اليونانيّة: ο παντοκράτωρ.
هذه التسمية “الضابط الكل” أي القادر على كلّ شيء، نجدها في العهد الجديد عشر مرّات.
مرّة في الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس، وتسع مرّات في سفر الرؤيا. “وَأَكُونَ لَكُمْ أَباً، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ” (٢ كور٦: ١٨).
ومن إحدى الآيات في سفر الرؤيّا: “أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ” (رؤ ١: ٨).
شرح كلمة الضابط الكل:
إنّها عبارة سلطة وقدرة وجبروت، فيها كلّ الاعتراف بقوّته وسلطانه وسموّه. لا شيء يعصى عليه، وبسماحٍ منه يجري كلّ شيء.
يستطيع التدخّل ساعة يشاء حين يرى ذلك مناسباً.
لا أحد أعلى منه وهو يتربّع على كرسي المجد المطلق. ملوكيّته أبديّة، كانت وكائنة وتكون.
من هنا نجدها مكرّرة بقوّة في سِفر الرؤيا، إذ هو سِفرُ الرجاء والانتصار بالرغم من كلّ الشدائد والصعاب.
كلمة παντοκράτωρ يونانيّة و تتألّف من παντος أيّ كلّ جهّة (كلّ مكان)، كلّ زمان، وذلك بحسب ما تأتي في سياق الجملة المستعملة فيها إذ أنّ παν تعني الكليّة entirely-all. نجد هذه الكلمة مثلاً في الرسالة إلى العبرانيين: “تَابُوتُ ٱلْعَهْدِ مُغَشّىً مِنْ كُلِّ جِهَةٍ πάντοθεν بِٱلذَّهَبِ” (عب ٩:٤).
الكلمة الثانية هي κράτωρ من الفعل κρατεω الذي يعني: يملك القدرة والقوّة والتحكّم، يضبط. نجد هذ الكلمة مثلاً في إنجيل لوقا: “صَنَعَ قُوَّةً κράτος بِذِرَاعِهِ” (لو ١:٥١).
الرّبّ يسوع يجلس على عرشه:
نشاهد الرّبّ يسوع المسيح في هذه الأيقونة يتربّع على عرشه الأبديّ مرفوعاً بالشيروبيم والسيرافيم، كما جاء في المزمور: “ركب على كروب وطار وهفّ على أجنحة الرياح” (مز ١٨:١٠).
وهذا المشهد يذكّرنا أيضاً في بعض جوانبه بما قاله أشعياء النبي في الرؤيا التي حدثت معه: “رأيت السيّد جالساً على كرسيٍّ عالٍ ومرتفع، وأذياله تملأ الهيكل. السيرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة، باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير” (أش ٦:١-٣).
الإنجيليّون الأربعة:
تتوزّع في الزاويا الأربع حول الرّبّ يسوع المسيح، رموزٌ أربعة، خَلْفَ رأس كلٍّ منها هالة القداسة، وكلٌّ منها يحمل إنجيلاً، إذ هي تشير إلى الإنجيليّين الأربعة، ومدَّونٌ بجانب كلّ منها اسمُ الإنجيلي، وهي موزّعة كالآتي:
يمين كتف السيّد: ملاك (ملاك-إنسان) يرمز إلى متّى الإنجيليّ، فقد ظهر الرب في إنجيله كصديق مرافق للإنسان.
يسار كتف السيّد: نسر يرمز إلى يوحنّا اللاهوتي الإنجيليّ لأنّه حلّق في اللاهوت.
يمين قدم السيّد: أسد يرمز إلى مرقس الإنجيليّ، لأنّه بدأ إنجيله بصراخ القدّيس يوحنا المعمدان كزئير الأسد: “صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً».” (مر٣:١).
يسار قدم السيّد: ثور يرمز إلى لوقا الإنجيليّ.
مصادر هذه الرموز سِفران في الكتاب المقدّس:
الأوّل عند حزقيال النبيّ في الإصحاح الأوّل.
الثاني في سفر الرؤيا (رؤيا ٨:٤).
كذلك طبّق القدّيس إيريناوس أسقف ليون (١١٥-٢٠٢م) هذه الرموز على كلّ من الإنجيليّين الأربعة بحسب خصائص كلّ إنجيل منهم فقال:
يُرمز لمتّى الإنجيلي بالإنسان الذي يجتهد في إعلان نسب العذراء مريم التي أخذ منها الرّبّ يسوع المسيح جسداً، كما أنّ يسوع يظهر في إنجيله صديقاً للإنسان المحتاج إلى الخلاص.
يُرمز ليوحنا الإنجيليّ اللاهوتيّ بالنسر لأنّه حلّق في سماء اللّاهوت وكتب عن ألوهيّة كلمة الله بإسهاب وعمق كبيرين.
يُرمز لمرقس الإنجيلي بالأسد لأنّه يبدأ إنجيلَه بصراخ القدّيس يوحنا المعمدان في وسط بريّةِ هذا العالم: “صوتُ صارخٍ في البريّة: أعدّوا طريق الرّبّ، اصنعوا سبله مستقيمة” (مر ١:٣).
يُرمز للوقا الإنجيلي بالعجل، حيث أنه يبدأ إنجيله بزكريا الذي يقدّم ذبيحةً عن الشعب رمزاً لكهنوت المسيح وفدائه.
الكواكب والنجوم:
نشاهد تحت أقدام المسيح الكرةَ الأرضيّة والشمس والقمر والنجوم دلالةً على أنّه خالق الكون بأسره وضابطه، وهو بدوره يشهد له.
ألا يقول المزمور: “السموات تحدّث بمجد الله. والفلك يخبّر بعمل يديه. يوم إلى يوم يذيع كلاماً وليل إلى ليل يبدي عِلماً” (مز ١٩:١).
الرّب يبارك:
بيده اليمنى يبارك. هذا الشكل من البركة، أي حركة الأصابع، يرمز إلى الأحرف الأولى والأخيرة لكل من كلمتي يسوع المسيح باليونانيّة: ICXC.
IC من Ἰησοῦς و XC من Xριστός.
قديماً كان شكل حرف السيغما S هوC.
كثيراً ما نشاهد في الكنيسة هذه الأحرف ICXC على ستائر الباب الملوكي أو على ظهر الفلّونيّة (القطعة العُلويّة من ثياب الكاهن) أو على الأواني الكنسيّة، وهي مكتوبة في القسم العُلوي من صليب، ويترافق معها في القسم السفلي من الصليب أحرف NIKA التي تعني الانتصار في اليونانيّة Νικά من الفعل Νικάω، إذ الرّبّ هو المنتصر على الموت والشيطان Ο νικητής. وقد قال لنا ”ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يو 16: 33)، إنّه الفعل نفسه المستعمل في هذه الآية νενίκηκα.
هذه الأحرف نجدها في أعلى الأيقونة، وهي دائماً موجودة بجانب الرّبّ يسوع المسيح، تعرّف عنه وتشير إليه. هذا أمرٌ واجب في كتابة الأيقونات إذ لا أيقونات دون عناوين تشير إلى اسمها واسم الأشخاص الموجودون فيها.
الهالة خلف رأس الرّبّ:
نشاهد دائماً في أيقونات الرّبّ يسوع المسيح هالة خلف رأسه داخلها صليب وثلاثة أحرف يونانيّة.
الهالة تشير إلى القداسة.
الصليب إلى أنّه صُلب.
الأحرف الثلاثة هي أحرف يونانيّة تعني الكائن، وهو التعريف الذي أطلقه الله على نفسه عندما ظهر لموسى النبي في العلّيقة: “وأمّا موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان. فساق الغنم الى وراء البرية وجاء الى جبل الله حوريب. وظهر له ملاك الرّب بلهيب نارٍ من وسط علّيقة. فنظر وإذ العليّقة تتوقّد بالنار والعلّيقة لم تكن تحترق.
فقال موسى أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العلّيقة. فلما رأى الرّبّ أنّه مال لينظر ناداه الله من وسط العلّيقة وقال: موسى، موسى. فقال: هأنذا. فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك. لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرضٌ مقدّسة. ثم قال: أنا إله ابيك إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب. فغطّى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله” (خر ٣:١-٦).
لهذه الحادثة أهمّية كبيرة من الناحية العقائديّة، فهي تروي محاورة تكشف لنا أمرين أساسيّين:
١- الله هو المتكلّم مع النبيّ موسى.
٢- اسم الله ومعناه الحقيقي والفعلي.
صحيح أن النص بدأ هكذا: “ظهر له ملاك الرّب”، إلّا أنه يعود ويوضّح بشكل قاطع فيقول: “فلمّا رأى الرّبّ أنّه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة… فغطّى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله”.
هذا أمرٌ شائع في بعض النصوص الكتابيّة في العهد القديم، والمقصود هنا بعبارة “ملاك الرّب” الله نفسه. هذا من عادة الله، فهو يقوم دائماً بالخطوة الأولى ويعلن عن ذاته ويدعو الناس بأسمائهم. وقد قصد الله في هذا المحاورة أن يؤكّد لموسى النبي أنّه إلهٌ شخصيٌّ: “إله أبيك وإله أبائكم وإله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب”.
فهو الآب السماوي الذي لا ينسى أبناءه ولا يتخلّى عن وعده الخلاصي الذي بدأه مع حوّاء عندما قال لها إنّ من نسلها سيأتي من يسحق رأس الشيطان (تك ٣: ١٥)، وأكمله مع البطاركة الثلاثة إبراهيم وإسحق ويعقوب، ومع كلّ الأنبياء من بعدهم ليتحقّق أخيراً في العهد الجديد، فنرى متّى الإنجيلي يعلن تحقيق نبوءة أشعياء النبي عندما تكلّم الملاك مع يوسف خطيب مريم: “وهذا كلّه كان لكي يتم ما قيل من الرّب بالنبي: هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل (الذي تفسيره: الله معنا)”. بالنسبة لموسى، لم يكن هذا الأمر كافياً، بل كان يطلب اسماً حقيقياً على غرار سائر الآلهة الأخرى، فهناك الآلهة بعل ومردوك وآلهة عديدة ومختلفة. فكيف له أن يقول لشعبه أنّ من ظهر له وكلّمه هو إله آبائهم؟ وليس له اسمٌ واضح ودقيق ومحدّد؟! عندئذٍ أجابه الله عن اسمه، فاستعمل فعل الكينونة ليصف نفسه “أهيه الذي أهيه ἐγώ εἰμι ὁ ὤν” و”أهيه ὁ ὢν” أي “أنا أكون الذي أكون” و”الكائن”: يهوه.
وهذه الصيغة هي صيغة مستمرّة – الماضي والحاضر والمستقبل – بمعنى “الذي كان فيه الحياة والذي فيه الحياة دائماً”، كما أنّ له صفة المفعِّل أي “الذي يُعطي الحياة”، “إنّه هو، كان وكائن ويكون، ليس له نهاية أو بداية”.
إذاً جواب الله لموسى هو إعلان للبشريّة جمعاء “إنّه الكائن”، و “كينونته مستمرّة وغير مصنوعة من خالقٍ آخر، فهو كائن بطبيعته الإلهيّة”.
الأحرف اليونانيّة داخل الهالة خلف الرّبّ يسوع المسيح:
الترجمة اليونانيّة للكينونة هي تماماً ما نقرأه داخل الهالة خلف رأس الرّبّ يسوع المسيح: “ὁὤν”. بالمقابل، اسم يسوع أو يشوع في اللغة العبريّة معناه “يهوه يخلّص” أي “الكائن من ذاته الذي يخلّص”، إذ الحرف “ي” هو تلخيص لـ “يهوه” و”شع” هو فعل الخلاص.
هذا ما قاله بالتحديد الملاك ليوسف خطيب مريم في العهد الجديد: “فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم” (مت ١:٢١).
يزاد على ذلك ما قاله الرّب عن نفسه، وكان ذلك عثرةً لليهود ولكثيرين: “فقال لهم يسوع أنا من البدء ما أكلّمكم أيضاً به” (يو ٨:٢٥). فلنلاحظ كلمة “البدء ἀρχὴν”، ويكمل يسوع في الإصحاح عينه: “متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون إنّي أنا هو Εγώ έιμι” (يو ٨:٢٨).
لباس الرّبّ يسوع:
الرداء الخارجي للرّبّ يسوع المسيح أزرق اللون، تـنعكس عليه بقع ذهبيّة، تحته قميص طويل لونه نبيذيّ وعلى كتفه الأيمن خطوط من ذهب.
للألوان هنا معنىً. يرمز اللون الأزرق عادة إلى الخَلق، والنبيذيّ إلى الألوهة، والذهبيّ إلى الملوكيّة والمجد.
للرّب يسوع طبيعتين كاملتين إلهيّة وبشريّة، إذ هو الله الذي تجسّد وأصبح إنساناً. فاللون النبيذيّ يشير إلى ألوهيّته والأزرق إلى بشريّته، والذهبي إلى ملوكيّته.
الإنجيل بيد الرّب:
الإنجيل مفتوحٌ للجميع لأن الدعوة هي للمسكونة جمعاء.
الكتابة فيه باليونانيّة وتعني: “أنا هو نور العالم، مَن يتبعني لا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة” (يو ٨:١٢).
الكتابة في إطار الأيقونة:
يحيط بالأيقونة هذه آيات من المزمور الثالث والثلاثون كالآتي:
“من السموات نظر الرّب. رأى جميع بني البشر. من مكان سكناه تطلّع إلى جميع سكّان الأرض. المصوّر قلوبهم جميعاً المنتبه إلى كلّ أعمالهم.
No Result
View All Result
Discussion about this post