تعليم الأولاد عن الله والمال
نيكولا تودا كراوس
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
إن عائلاتنا تُمطَر يومياً بالدعايات التلفزيونية وإعلانات الصحف التي تخبرنا عن أشياء لا نحتاجها بالحقيقة وهي تريدنا أن نشتري أشياء أكثر وأكثر. أغلب الناس غارقون ببطاقات الاعتماد وصكوك الرهن والقلق المالي الذي هو عامل أساسي في المشاكل الصحية المرتبطة بالضغط.
بما أن المال هو الوسيلة الأكثر انتشاراً لتبادل الخيرات والخدمات في المجتمع المعاصر، علينا أن نعلّم أولادنا منذ عمر مبكر نسبياً عن كيف يقارب الأرثوذكسي المال. “محبة الفضة رأس كل شر” (1تيموثاوس 10:6). فيما المال بحد ذاته حيادي، إنّما طريقة جمعنا له وصرفه هي إما “حسنة” أو “سيئة” وتؤثّر على رحلتنا نحو الخلاص. انظروا ما حدث ليهوذا الإسخريوطي الذي اشتهى الفضة.
ما هو المال بالنسبة للأرثوذكسي؟
لخّص المجمعان المسكونيان الأول والثاني في دستور الإيمان أسس الإيمان الأرثوذكسي بما فيها الاعتقاد بأن الله الآب خلق “ما يُرى وما لا يُرى”، أي العالم كما نراه ونعرفه وعالم الملائكة الذي لا نراه، وقد خلق كل شيء من العدم (تكوين 31:1). لقد خلق الأرض والنباتات والحيوانات، وقد خلقنا نحن وخلق كل ما فينا من القدرات: أن نتأمّل ونفكّر وأن نقرر أن نحبه أو نرفضه. لقد خلق في كل منا مواهب ومهارات فريدة حتى نتمكن من الاهتمام بباقي الخليقة ونتوسّط بينه وبين العالم، مقدمين جزءً من العالم له بالمديح والشكر، ومستعملين الباقي لغذائنا.
كانت التقدمات لله في العهد القديم أفضل الطيور والعجول والخراف التي تؤخَذ إلى الهيكل ليقتَلها الكهنة وتُحرَق. لقد كان الإنسان يُقدَّم لله أول ما يربّيه وزبدته.
بعد تقدمة المسيح، تقدّم الكنيسة ثمار عمل الإنسان لله، الخبز المصنوع من القمح الذي صنعه الله والخمر المصنوع من كرمته، فقط ليعادا إلينا متحوّلَين لخلاصنا. نحن نفهم أيضاً الخدمة: تقديم محبتنا وموهبتنا ووقتنا وثمار عملنا، كتقدمات شخصية لله من خلال الكنيسة.
في مجتمعنا، نحن نطبّق مواهبنا ومهاراتنا على المهمة أو في المهنة. لا يمكن أن نرى نتيجة عملنا وتقييمها بسهولة. بالمقابل نتسلّم شيكاً أو إشعاراً بالقبض وهو ما يقيس به العالم قيمة أعمالنا. بالنسبة لنا، المال هو ما نملك في نهاية اليوم الذي نستعمل فيه المهارات والمواهب التي أعطانا إياها الله في خليقته. المال هو الثمرة التي يمكننا أن نعيدها إلى الله، والمال هو الثمرة الأكثر معنى في إطارنا الثقافي كونه معيار كل أشكال التبادل. في أي وقت نجمعه ونعيد بعضه إلى الله يكون المال أداة نستعملها لعمل الله، أي لمساعدة الجائع والمشرّد كما لنشر الإنجيل، ولتأمين الضروريات لحياة عائلاتنا: الطعام واللباس والمسكن والتربية كما للتوفير للطوارئ والتقاعد.
كيف يمكننا تعليم هذا للأولاد؟
يتضمّن الاقتراح الذي قدّمه مكتب الخدمة في الكنيسة الأرثوذكسية في أميركا (OCA) “تقديم فرصة العطاء للأولاد” مقاربة من خمس خطوات لتعليم الأولاد موقفاً أرثوذكسياً من المال ودعم الكنيسة مادياً.
– دعوا أولادكم يرونكم تعطون ودعوهم يعطوا
أول ما يمكن للأهل أن يقوموا به هو التأكّد من أن أولادهم يرونهم يضعون مالاً في سلة التقدمات في كل مرة تمر. الأولاد مقلِّدون، وسوف يرغبون بالقيام بالعمل نفسه. المتدرّجون يمكنهم أن يأخذوا المال من أهلهم ويضعوه في السلة.
– علّموا أولادكم المشاركة
فيما يتقدّم الأولاد بالعمر، يتعلّمون أمرين: أنهم قادرون على امتلاك الأشياء، وأن الآخرين أيضاً يمكنهم امتلاك الأشياء أيضاً. وعندما يصلون إلى إدراك الأمر الثاني يمكنكم تعليمهم احترام ممتلكات الغير وسبب اهتمامنا بالأشياء، كما يمكنكم تعليمهم عن كيفية المشاركة. يجب أن نخبر الأولاد في هذه المرحلة، وبعبارات بسيطة، أن الله يملك كل شيء، لأنه خلقه، وأن كل ما نملك هو عطية من الله. إنه يشاركنا وعلينا أن نكون مستعدين للمشاركة أيضاً.
شجّعوا أولادكم على مشاركة كل الهدايا المالية التي يحصلون عليها في أعياد ميلادهم وأعياد شفعائهم وعيدي الميلاد والفصح، وأن يشكروا الله على الهدية التي حصلوا عليها من أحد أفراد العائلة، وذلك عن طريق ردّ شيء منها لله في الكنيسة.
– علّموا أولادكم أن يعطوا جزءً من المال الذي يجمعونه بأنفسهم
هذه هي الخطوة التالية: اشرحوا لأولادكم أن الناس قادرون على العمل وجمع المال لأن الله أعطاهم الصحة والمواهب والمهارات والمواد الخام التي يستعملونها في أعمالهم. وهم، أي الأولاد، أيضاً يجمعون مالهم الخاص وهم مسؤولون عنه وهم يقررون كيف يصرفونه، لكن عليهم أن يتذكروا بأن يردّوا بعضاً منه للرب كل اسبوع، كما يفعل الأب والأم. لهذا السبب يجب على الأهل أن يكونوا المثال في المواظبة على العطاء من البداية.
أغلب الأهل يجلسون مع أولادهم يعلّمونهم كيف يقسّمون مالهم إلى “توفير” و “مصروف”. لهذا سهل جداً أن يشملوا الله والكنيسة كجزئين قانونيين. لا ينبغي إرغام الأولاد على تقديم جزء من مدخراتهم، بل ينبغي أن يقدّموا من ذاتهم، بغض النظر عن حجم التقدمة. وإذ يبدأون بهذا، يجب تشجيعهم على الالتزام والعطاء بشكل ثابت.
– يجب أن يكون الجزء المقدّم لله “من الأفضل”
في العهد القديم، كانت الحيوانات المقّدَمة لله تؤخَذ إلى الهيكل لكي تُذبَح وكانت دائماً من زبدة المحاصيل. لم يكن لائقاً تقديم ما هو دون ذلك. مع المال، يمكن البدء بهذه الفكرة بتعابير بسيطة: يمكن للأولاد أن يختاروا القطع النقدية الأكثر لمعاناً ليضعوها في الصينية. لاحقاً يمكن شرح فكرة القطعة الأولى وتقويتها وتعليم الأولاد أن اختيار الأفضل يكون في النظر إلى كل شيء فصل الجزء الذي سوف يُخصَّص لله قبل كل شيء. التقديم لله يأتي أولاً لأن بدونه لم يكن لنا شيء.
– يجب أن تكون حصة الله مهمّة
بالإضافة إلى كون الجزء الذي لله من الأفضل وأنه يُقدَّم بشكل ثابت، ينبغي أن يكوّن هذا الجزء جزءً مهماً من مدّخراتنا.
ختاماً
من الضروري أن يتعلّم الأولاد أن الغنى العالمي ليس إشارة إلى بركات الله: ليس الأغنى هو المميز، كما أن الفقير ليس الأقلّ أهمية. يحذّرنا الكتاب المقدس من أن نكنز كنوزاً على الأرض وبالمقابل يعلّمنا أن نركّز على الثروات الروحية وبأن نستعمل بحكمة ما هو مسوح استعماله. كان يوسف الرامي واسع الغنى لكنه كان أيضاً مؤمناً وصاحب محبة عظيمة لله. لقد استعمل ماله ليشتري كتاناً نقياً ليلفّ به جسد المسيح، كما اشترى قبراً احتواه لفترة قصيرة. لقد امتدح المسيح الأرملة الفقيرة لأنها أعطت فلسين فقط لتساعد مَن هم في ضيقة أكبر مما هي فيه، بالرغم من أن غيرها أعطى أكثر مما أعطت هي بكثير.
Discussion about this post