الإنسان كائن حيّ تجذبه الحياة بكلّ ما فيها من قوّة وجمال وأمور متغيّرة وجديدة. ويشق كلّ إنسان طريقه نحو الحياة راجياً أن يكون الطريق الذي اختاره هو طريق للحياة. وكم يأسف عندما يصطدم بالموت ويجد أنّ الحياة بعيدة عنه. في الحقيقة يسعى الإنسان نحو الحياة من خلال اختيار طرق حياة فإذا كانت الحياة تتدفق في هذه الطريق وتمنحه النمو والفرح فهي سبيل للنمو ولكن ما هي الحياة التي يسعى إليها الإنسان؟
في الإيمان المسيحيّ إنّ شخص يسوع المسيح هو الحياة نفسها وهذه الحقيقة الإيمانية أعلنها السيد المسيح في كلامه: ” أنا الطريق والحق والحياة”.
واستوقفني أمرين في هذه الجملة القصيرة:
1 ) الطريق والحياة هما شخصٌّ واحدٌ. في واقع حياتنا لا نجد دائمًا ارتباطاً بين الطريق الذي نختاره والحياة التي نسعى إليها. فارتباط الطريق بالحياة هو لتوضيح حقيقة الطريق الذي نسلكه.
2 ) إنّ الحياة هي غاية الإنسان ، والإنسان هو رغبة في لقاء آخر، وكم هو جميل أن تكون هذه الرغبة في الحياة هي رغبة في شخص هو الله بالذات وهو الحياة. فالإنسان لا يرغب في لقاء قوى، أو جمال ما، أو ما هو جديد فقط، بل يرغب في لقاء شخص المسيح الذي فيه سيستقبل كلّ جديد وكل جمال وكل حياة.
وعندما يكون الكلام على الحياة لن أنسى الإنسان الفقير المحتاج المعوز، الذي يبسط يده أمام إخوته ليسندوه في حياته. و يا للأسف كم يسرق بعض الناس لقمة الحياة من الآخر المحتاج! وهنا يخطر على بالي قصّة جرت في عالم الحيوان. ” كنت في مدينة في فرنسا، جالساً على مقعد في إحدى حدائق هذه المدينة الصغيرة. والمنظر في هذه الحديقة يأخذ بمجامع القلوب. فالأشجار لونها أخضر مفعم بالحياة وهي في أشكال في غاية الترتيب والجمال. و إنّ الورود الجميلة تفضي على هذه الحديقة جمالاً يعجز اللسان عن التعبير عنه. وكانت هنالك مجموعة من الحمام تقترب من زوّار هذه الحديقة عسى ولعلّها تلتقط بعضًا من الفتات المتساقط من الناس الذين يأكلون وهم جالسين على مقاعد هذه الحديقة. و كنت واحدًا من هؤلاء الناس جالساً على أحد هذه المقاعد أتناول طعامي. وقد أثّر فيّ حركة الحمام فهممت برمي بعض القطع الصغيرة من الخبز وكانت حركت هذه الحمامات توحي بالفرح والسعادة وهذا ولّد فيّ أيضاً شعوراً بالفرح. اقتربت منّي حمامة خائرة من الجوع فرميت لها قطعة كبيرة من الخبز، فحاولت أن تأكلها لكن عبثًا حاولت. وبينما اندفعت العديد من الحمامات لمساعدتها على تفتيت هذه القطعة الكبيرة، انقضّ غراب على هذه القطعة وأخذها بكاملها. لقد انزعجت من هذا الغراب الجائع ولكن أعدت الكرّة وأعاد الغراب فعلته. لقد غضبت في هذه المرّة ليس فقط من الغراب بل لأنّ هذه الحادثة قد أرجعتني إلى عالم البشر، وفطنت إلى هذه الحقيقة : كم من غراب ينزع من العديد من الناس ما هو ضروري لحياتهم.”
يبحث الإنسان عن الحياة ولكن عن أيّ حياة؟
يحاول بعض الناس أن يبلعوا الحياة، أن يسرقوها، أن يمسكوها ولكن هل تبلع الحياة، وتسرق وتمسك؟
فمن يبلع ويسرق ويمسك يسعى دوماً إلى العيش كطفل في عالم البشر، فهو لم ينضج بعد بما فيه الكفاية ليقرّ بأن الحياة تفيض في الإنسان عندما ينمو الآخر في الحياة. فهل ممكن أن ندرك عظمة الحياة دون الشعور بالآخر الذي يعيش قربي؟ هل ممكن أن نشعر بفرح الحياة دون مشاطرة الآخرين في هذا الفرح؟ فالحياة عطيّة وجمال عيشها يكمن في المشاركة
|
|
Discussion about this post