أهمية وضع مشروع في خدمة مرافقة المراهقين
الأخت أمل الباني
في كل المؤسسات الإنسانية والتربوية والعلمية تتردد كلمة مشروع, وهي كلمة متداولة اليوم بشكل واسع إنّ الحديث عن وضع مشروع تربوي في خدمة مرافقة المراهقين، أمر هام ويجب أن نعيره أهمية كبرى لأن فيه بحثا عن هُويّة، وعن معنى، كما إنه يدعو إلى الخلق و الإبداع.
البحث عن هُويّة
لا شك أن مرافقة المراهقين عمل شاق؛ فالاضطرابات النفسية التي يعبثها هؤلاء تجعل التنشيط أمراً صعباً؛ ففوضى الأفكار والمشاعر عند المراهقين يخلق نوعاً من الارتباك لدى المنشطين, ويتساءل هؤلاء:كيف يمكن أن نجد منطقا في الحوار مع المراهقين؟ كيف نتعامل مع تقلّبات طبعهم من حماس إلى يأس وقنوط، من ضَحِكٍ مفرط إلى صمت غريب؟ كيف سنتمكن من إتمام المنهاج المحدد لهم؟ فعندما يشعر المربي بالارتباك و الحيرة يُخشى عندئذ أن يقوم بتنشئة متقطعة تلبي الاهتمامات الآنية للمراهقين, وفي هذه الحال لا يجد المنشِّط أية فائدة من استباق الأمور ووضع أي مشروع, اعتقاداً منه أنّ هذا المشروع لا يؤدي إلى أية نتيجة لأن مخططه مسبقا سيهدم بالتأكيد.
إن الحديث عن مشروع تربوي بين أعضاء الفريق المنشِّط، مع الأخذ بعين الاعتبار صعوبات ومشاكل التنشيط، أمر بالغ الأهمية. إنه يُلزِم بتحديد المهمة المتميزة التي يتطلبها العمل مع المراهقين، وطريقة المرافقة المرجوّة و الممكنة، والنقاط التي يجب التركيز عليها خلال المرافقة، والأولويات التي تهم الرعية إلخ…..
إنّ وضعَ مشروعٍ كهذا يسمح بالخروج من الضياع, وبتوحيد ما يبحث عنه المراهقون والمنشطون معا بشكل غير واضح، وإلى ما يتوقون وماذا سيطلب منهم. ومن المستحسن أن يوضع المشروع كتابة، وأن توضّح فيه نوايا ومتطلبات كل عضو. إنّ المشروع التربوي هو بالتأكيد تعبير عمّا هو غير مؤكد وزائل، وهو لخدمة الإنجازات الآنية والفعّالة, لكنه في الوقت نفسه يؤدي إلى البحث عن إطار دائم وشامل، وإلى تحديد حالة البدء التي دعت إلى وضع المشروع.
ما هي الأمور المطلوبة من المنشِّطين الجُدد، وماذا نعرف عن المراهقين، وما يمكن أن ننتظر ممّن يتأهّل لتنشيط المراهقين؟
_ إن لم يكنِ المنشِّطُ مسيحياً, فعليه أن يكون على الأقل في حالة بحث نشيط عن إيمانه, إذ لا يجوز أن ينقل شكوكه و تساؤلاته إلى المراهقين.
_ أن يشعر بانسجام في كنيسته حتى وإن كان,ككل مسيحي, منتقداً لأعمالها.
_ أن يلتزم بالزمن المحدد له.
_ أن يقبل بأن يكون عضواً في فريق العمل لكي يتمكّن من تصحيح عمله وتقويمه.
_ أن يتأقلم مع الظروف المادية لعمله (الوقت, المكان, الوسائل) وذلك بغية تحسينها.
_ أن يكون مستعدا للمشاركة في المشروع وفي الأعمال التربوية المطروحة.
حقوق المنشط الجديد
– أن يكون الزمن الضروري لتأدية هذه الرسالة مُحدّداً.
– أن يحظى بمرافق, بدعم, بإصغاء…
– أن يشعر نفسه حرا بالاستجابة لهذا الطلب.
– يلزمه أيضا أن يعرف المراهقين, نفسيتهم المطبوعة بالقلق، والتصدّعات، عالمهم الثقافي المبني على الصورة والسمع والمعلوماتية.
– أن يعرف تقنية علاقاتهم التي تتخطى كثيرا الإطار العائلي.
– إيمانهم وعلاقاتهم بالكنيسة, تلك العلاقة المطبوعة غالباً بالفتور والبعد عنها.
البحث عن معنى
هذه النقطة مهمة جداً ورئيسة, إذ لا يكفي أن نقول مَن نحن؛ إنما علينا أن نقول ماذا نريد, ما هو المعنى المُعطى لهذا العمل أو لغيره, ما هو المحرّك، ما هو الدافع, ما هي الأولويات المتفق عليها؟…
إنّ الخطر بالنسبة لأي عمل تربوي أن لا يعمل الأعضاء إلاّ للوقت الآني وللأمر المُلِّح, وهنا سيلجأون إلى تحريك الإطار أو الهيكلية المرسومة منذ البدء من دون أن يعرفوا إلى أين يؤدي هذا العمل وماذا سيتحقق مع الأيام, وعملهم هذا أشبه ما يكون بصدفة هجرتها الحياة والديناميكية. إنّ العمل بدون مشروع يدعو إلى الجمود والتمركز المبرمج, أمّا دور المشروع فهو خلق مجالات واسعة للحركة والإبداع.
كي يكون للمشروع معنى، لا بدّ من تقويمه، وهذا يتطلّب إعطاء الوقت اللازم لاعادة قراءة الأهداف المرسومة، وهذا التقييم يحتاج إلى تحديد المعايير لتقويم التصرفات والمكتسبات والمعلومات المحفوظة، والفوائد والأجواء والعلاقات.
فمثلاً إذا كان أحد عناصر المشروع الاستقبال في جوّ منشرح وممتع، فيجب التساؤل: لماذا لم يأتِ إلى المركز إلاّ القليل عدد قليل من المراهقين؛ وإذا كان التركيز على الانتباه إلى حياة المراهقين الذين يعانون من مشاكل عائلية. فما هي الاجراءات التي يجب اتخاذها لمعالجة الوضع؟…
إنّ ما يعطي معنىً للمشروع هو اللغة؛ فالمشروع المدون يمكّن الجميع من الكلام ويُلزِم كل شخص بتحديد موقعه إزاء هذا المشروع،كأن يقول أحدهم عملي مع الشباب يعني لي كذا…. ولكي أتقدم في مسؤوليتي عليّ أن أفعل كذا …
– المشروع التربوي يعني أيضاً أن يؤمِن المنشِّطون بتربية ممكنه، وأن يأخذوا بعين الاعتبار عامل الزمن و الخسارات. على كل شخص أن يدرك تماماً أنه يحفر ثَلْماً وأنّه لا يستطيع أن يجني الثمار بسرعة و لكن الأمل هنا يبقى مبدأ العمل.
– إنّ بناء مشروع يفترض رفض الفشل الظاهر ورفض الحتمية، كما أن اللُحْمَة بين مختلف العناصر أمر ضروري. المشروع يتطلّب أن نتذكر ما أُنجز، ويتمّ في معرفة تاريخ الرعية المحلية، ويربط بين الأحداث وبين الأعمال، ثم لابدّ من إعطاء معنى للنشاطات المتنوعة التي تُنفّذ.
– هناك خطر في أن يتعرّض المُنشِّطون الذين يدونون المشروع لانحرافين: الانحراف الخيالي، ورفض الواقع.
الانحراف الخيالي:
– هناك مسافة سرعان ما تظهر بيت تحرير المشروع و تنفيذه، فالأفق يبدو بعيداً جداً، إذ من المستحيل تحقيق ما خُطِّط له. مما لا شك فيه، أنّ كل مشروع يرتكز على أفكار خيالية، ولكن عليه أن يؤمَّن له طرق للعمل واقعية ومنظمة. فالرؤى غالباً ما تكون بعيدة، وهي ليست إلاّ تعبيراً عن تمنيات واهية.
رفض الواقع:
– إنّ فعل الارادة الضاغط لإعطاء معنى للمشروع يؤدي إل تضييع بعض المراحل؛ فالمعنى يُعطى منذ البداية ولا تُقبَل التردّداتُ والتغيرّات والمفاجآت، وقد يؤدي هذا الرفض إلى ضغط على الواقع وعندها يُفرغُ المشروع من وجهه الانساني علماً أنّ المعنى يُكتشَف في قلب العمل نفسه، في قلب الزائل وغير المُعلَن.
الدعوة إلى الإبداع
المشروع غالباً هو حصيلة المبادرات وإمكانيات الإبداع الفردية والجماعية. كل مشروع يصطدم بصعوبات الواقع: الإمكانيات المالية المتوفرة، عدد المُنشِّطين، الأماكن … من هنا نقول إنّ أي مشروع هو دائماً فريد ومُميَّز؛ والإبداع يُولد غالباً من المعاكسات شرط أن تتوحّد الأفكار الجيدة والنوايا السليمة و الطاقات الفتية.
إن ما يقف عائقاً في وجه الإبداع هو غالباً الخوف من البلوغ إلى طرق غير مُعلَنة.
غالباً عندما يبدأ المنشِّطون بتحرير مشاريعهم يصطدمون بالعبارة (نعم… ولكن…) التي تُعطِّل الحماس والديناميكية.
للوصول إلى إمكانية كبيرة للابداع وللتجديد؛ على المشروع أن يركِّز على تكوين المنشِّطين وفق الأهداف المرجوة.
و أخيراً لا بد أن يلتزم كلُّ منشِّط بالمشروع، وأن يعتبر نفسه معنياً بإنجاحه، فيتمسّك به مع الحرص على تطويره كي يتمكّن من الاستجابة لتطلّعات المراهقين ولأولويات رسالة الإنجيل.
Discussion about this post