لماذا الحرب؟
الأستاذ ميشيل فرنسيس
سألتُ في حصّة الحياة للطلاّب السؤال التالي : ” هل الإنسان هو سبب الحرب التي تدور في عالم البشر؟”.
فكانت الأجوبة تسترعي الانتباه. كلّها تصرّح بأنّ الإنسان هو السبب مع إبداء الاندهاش، لماذا الحرب؟ و ما هو دافع الإنسان للقيام بالحرب ؟
يحمل تاريخ البشريّة في صفحاته الكبيرة، سجّلات تنير لنا السبيل، لنستقصي عن بعض الدوافع لهذه الحرب. فمنها ما هو نابعٌ من ذات الإنسان: من أنانيّته وحسده وطمعه… ومنها ما هو متأتٍ من حاجاته المعيشيّة … وأخرى لأسباب اجتماعية أو دينيّة أو سياسيّة أو اقتصاديّة…
إنّه من غير الممكن أن لا نأسف اليوم على الأبرياء الذين يموتون في العراق، وفي فلسطين، وفي السودان وفي أرجاء المعمورة قاطبة. أن يموت إنسانٌ من جبلتنا، هذا يسترعي منّا الانتباه والحزن، ويجعلنا أمام سؤالٍ أساسيّ: هل حياة الإنسان تستوجب الاحترام والإكرام؟
أودّ أن أتكلم هنا على عدم المساواة المتفشيّة في عالمنا، ونتائجها عديدة ومنها الحرب. هذه الحرب قد تستعر بين الأخوة في البيت الواحد، وبين المواطنين في البلد الواحد، وبين الشعوب في العالم الواحد، أي عالمنا نحن البشر. وأرغب في أن أستشهد بقصّة حدثت وتحدث على ما أعتقد كثيرًا في مسار حياتنا الطبيعيّة.
” وقفَ بقربي صديق كان مطأطئ الرأس وكأنّ حجرا كبيرا معلّق بعنقه يشده إلى أسفل. كانت عيناه تنظران ولا تبصران. وعقله شاردٌ ووجهه شاحب يوحي بقلبٍ منكسر متألّمٍ.
سألته لماذا أنت هكذا يا صاحبي؟
فأجاب: ” منذ مدّة وليس معي قرش واحد وحاجات الجسد تنادي كصغار عصافير جائعة، وليس من يسمع النداء ! “
سألته: هلّ تعمل؟
فأردف: ” نعم أعمل ولكن المسؤول يتأخرّ شهرين ليدفع لي أجرة يومين، ويبرر ذلك بأزمات اقتصادية خانقة.”
وفي حالة غضبٍ وانزعاج صرخ: ” ماذا أقول لهذه الفئة من الناس؟ لا بل سأتوجه إلى الجميع حاملاً نداْء يصرخ فيه كلّ فقير يحلم بالعدل ويقول :
” يا ليت الفقير يسلم من ظلم الغنيّ، فالفقر جميلٌ دون ذلّ، لكن الفقر مع الذل خنجرٌ يطعن كرامة الإنسان ولن يتركه إلاّ صريعا”
لزمت الصمت أمام صديقي، ولم أتركه وحيدًا في محنته بل تابعت عيشي للصداقة في عمق أبعادها.
في الحقيقة عندما يغيب حبّ الآخر تغرب صورتي أنا الآخر. فالتعاون مطلوبٌ من الناس لبناء الإنسانيّة التي تحلم بالسلام والعدالة وتحلم بحياة مزدهرة على كافة الأصعدة والمجالات. و الكاتب مخائيل نعيمة في كتابه ، الأوثان، يشدد على التعاون ويقول: ” ها هي الطبيعة رغم ما فيها من نزاع، تقوم حياتها على التعاون أكثر منها على النزاع بكثير. اعتبروا النحل والنمل والجراد وأجناسا لا تحصى من الطير والحيوان. فأكثرها يتعاون لا على البقاء وحسب بل على الاستمتاع بلذة الوجود والحياة”. فالتعاون الذي يتجاوز الاختلافات الدينيّة والقوميات يهدف إلى نمو الإنسانيّة، هو من القوى التي تجسّد فعل الحبّ في عالم البشر.
No Result
View All Result
Discussion about this post