الفن الكنسيّ في كاتدرائيّة آيا صوفيا – الحكمة الإلهيّة.
الفسيفساء في القبّة فوق حنية الهيكل.
تطلّ والدة الإله على المؤمنين في حنية الهيكل على خلفيّة من الفسيفساء ذات الحجارة المكسوّة بورق الذهب. وهي جالسةُ على عرش من دون ظهر مرصّع بأحجار كريمة، وفي حضنها الرب يسوع المسيح.
رداؤها كحليّ الللون، وعلى رأسها وكتفَيها ثلاثة صلبان، إشارةً إلى بتوليّتها الدائمة قبل الولادة وأثناء الولادة وبعد الولادة.
تعود هذه الفسيفساء إلى القرن التاسع على الأغلب.
الملفت في هذه الفسيفساء أن والدة الإله تضع يدها اليمنى على كتف الرب يسوع، في وضعية شبيهة بإيقونة من القرن السادس الميلادي موجودة في دير القديسة كاترينا في سينا (سنعود إليها لاحقًا).
في يدها اليسرى، تحمل والدة الإله منديلاً وتلقي يدها على ركبة يسوع.
رأس العذراء محاط بهالة فيما تتميّز هالة الربّ يسوع بصليب دلالة على أنه صلب.
حول مريم ويسوع كتابة شبه ممحاة مع الزمن تقول: الرسوم التي حاول المنافقون أن يدمّروها قد استعادها الأباطرة.
هذه الكتابة تخلّد ذكر الترميمات التي قام بها كلّ من الامبراطورَين باسيليوس الأول وميخائيل الثالث بعد الحرب على الإيقونات، عنما تمّ إخفاء هذه الفسيفساء. في عام ٨٦٧م، كشف البطريرك فوتيوس عنها، ومنذ ذلك الحين، ، لم تُحجَب هذه الفسيفساء مرة أخرى، حتى بعد غزو محمد الثاني. إنّها أقدم فسيفساء في آيا صوفيا، لا سيّما أنّ سائر الفسيفساء الأخرى تعود لحقبة ما بعد الحرب على الأيقونات.
على القبّة التي فوق مكان الجوق قدّام الحنية، نجد رسمَين لرئيسَي الملائكة.
رغم أنّ رئيس الملائكة جبرائيل محفوظة بحالة جيّدًا، إلاّ أنّ رئيس الملائكة ميخائيل لم تُحفَظ إلاّ قدماه وأطراف جناحَيه.
من المعهود أن تصوَّر والدة الإله محاطة بالملائكة، من باب التكريم لها، والتمجيد والعبادة للربّ الخالق المولود منها والذي في حضنها.
لا سيّما أنّنا نهتف كلّ يوم في صلواتنا:
يا من هي أكرم من الشيروبيم وأرفع مجدًا بغير قياس من السيرافيم، التي بغير فساد ولدت كلمة الله، حقًا إنّكِ والدة الإله إيّاك نعظّ
الفسيفساء على قوس النصر الشماليّ
في قوس النصر الشماليّ سبع فتحات بشكل مشكاة وفي كلّ منها فسيفساء لأحد الآباء القدّيسين. ولم يُحفظ سوى ثلاث منهم بفعل مرور الزمن والعوامل الطبيعيّة:
فسيفساء للقدّيسين إغناطيوس الصغير (بطريرك القسطنطينيّة) ويوحنا الذهبيّ الفم وإغناطيوس المتوشح بالله.
تُظهِر هذه الفسيفساء الآباء القدّيسين واقفين يرتدون الحلل الأسقفيّة البيضاء، مع ثلاثة صلبان باللون الأسود مطرّزة على الأموفورين، وخلف رؤوسهم هالات القداسة. يباركون بيدهم اليمنى ويحملون إنجيلًا مرصّعًا بالحجارة الكريمة في يدهم اليسرى. نشاهد في الفسيفساء أسماءهم مدوّنة بجنب كل واحد منهم.
يُقدَّر عمر الفسيفساء مِن القرن التاسع ميلادي.
لا تخلو كنيسة أم قلايّة أم مصلّى من إيقونات لآباء قدّيسين. فوجودهم مهمّ جدًا، لا مِن أجل تكريمهم وطلب شفاعتهم فحسب، وإنّما أيضًا تأكيدًا للإيمان المستقيم الذي حافظ عليه الآباء القدّيسون، وما يزالون.
هذا الإيمان تسلمّناه مِن الرب يسوع المسيح مباشرة بواسطة الرسل الأطهار، ونقله الرسل بدورهم إلى الآباء القدّيسين، ومنهم إلينا.
استمرار وجود الآباء في الكنيسة هو تأكيد لعمل الروح القدس على مدى العصور.
فمهم جدًا أن نعرف أنّ ما نقرأه في الكتاب المقدّس هو ما نصلّيه في طقوسنا الليتورجيّة. وهو ما صادقت عليه الكنيسة في المجامع المسكونيّة السبعة المقدّسة، و يستمرّ في تعليمنا العقيديّ.
فلا فصل بين الكتاب المقدّس والليتيورجيا والعقيدة. هي في النهاية تسير معًا بالتسليم المقدّس كقاعدة ذهبيّة ثلاثيّة واحدة.
والذين ندعوهم آباء في الكنيسة هم الذين يلدون أولادًا للملكوت وليس لأنفسهم بتاتًا.
يقول القدّيس أثناسيوس الكبير في هذا المضمار: الآباء هم مثال لنا لعيش القداسة، وهم خير مفسّر للأسفار المقدّسة، إذ إنّهم فهموا الكتاب المقدّس وفسّروه وعاشوه بالروح القدس، بالأصوام والصلاوات والسجدات والتوّبة.
نهاية، لا عجب أن نقول في الكنيسة بصلوات آبائنا القدّيسين أيها الرب يسوع المسيح ارحمنا وخلّصنا.