سيّدة تشيستوكوفا العجائبيّة (بولندا) وندبَتان وجهِها اللّتان لم يستطع أحدٌ إزالتهما
قصّة أيقونة العذراء السّوداء البشرة بسبع أعاجيب مُذهلة
“سيّدة تشيستوخوفا” المعروفة أيضاً باسم “العذراء السوداء”
يقول التّقليد الكنسيّ المقدّس أنّها كانت إحدى الأيقونات التي رسمها القدّيس لوقا الإنجيليّ، بعد موت يسوع المسيح وقيامته، الذي يُعتقد إنّه استخدم خشبة طاولة صنعها يسوع لمّا كان نجّاراً. ويُقال أيضاً إنّه خلال رسم لوقا للّوحة، قصّت عليه مريم الأحداث التي جرت في حياة يسوع، ليدوّنها لاحقاً في إنجيله.
وقد بقيت في الأراضي المقدّسة، إلى أن اكتشفتها القديسة الملكة هيلانة في القرن الرّابع (الملكة التي اكتشفت أيضًا صليب المسيح)، وقد نقلتها إلى القسطنطينيّة حيث بنى ابنها، الملك قسطنطين، كنيسةً لإكرامها، وحيث بُجِّلت من قِبل سكّان تلك المدينة.
لهذه الأيقونة سبع أعاجيب عظيمة أمام غضب الشّيطان وأعداء الكنيسة:
1- أثناء حصار الغُزاة المُسلمين للقسطنطينيّة عام 717، حمل سكّان المدينة أيقونة العذراء المذكورة بتطوافٍ حول المدينة، ففرّ الأعداء مذعورين. وبقيت الأيقونة هناك حوالي 500 سنة، قبل أن تُنقل إلى بولندا.
2- بعد ذلك أصبحت الأيقونة في حيازة الأمير البولّندي القدّيس لاديسلاوس في القرن الخامس عشر، فثبّتها في قلعته. وبذلك أضح مقرّها في بولندا. في إحدى الأيّام حاصر غزاة التّتر القلعة، واخترق سهم عدو أيقونة العذراء، وأحدث شدخًا في حلقِها. (غير واضحٍ للنّظر تمامًا سبب قِدم الأيقونة) ومن المثير للاهتمام أنّ المحاولات المتكرّرة لإصلاح الأيقونة، فشلت جميعها.
3- صمّم القدّيس لاديسلاوس على حماية الأيقونة من الغزوات المتكرّرة، فذهب إلى مسقط رأسه، أوبالا، وفي طريقه توقّف للإستراحة في تشيستوكوفا؛ وفي فترة استراحته تمّ إحضار الأيقونة بالقرب من مزار Jasna Gora [“التل المشرق”] ووضعت في كنيسةٍ صغيرةٍ تحمل اسم سيّدة الإنتقال. في صباح اليوم التالي، بعد وضع الأيقونة بعنايةٍ في العربة، رفضت الخيول أن تتحرّك. فأدرك القديس أنّها علامةٌ من السّماء، على أنّ الأيقونة يجب أن تبقى في تشيستوكوفا؛ وهكذا وضعها في كنيسة سيّدة الانتقال في 26 أغسطس 1382، وقد أصبح هذا التاريخ عيد الأيقونة السّنويّ. وهي لا تزال هناك اليوم في دير Jasna Góra.
4- عام 1415. نجح الهراطقة الهيوسيّون (اتباع الكاهن هيوس المنشقّ والهرطوقيّ) في اقتحام دير بولين (تشيستوكوفا) عام 1430، ونهبوا حرم الدّير. ومن بين الأشياء المسروقة كانت الأيقونة. بعد وضعها في عربتهم، ابتعد هيوس قليلاً ولكن الخيول رفضت الذهاب إلى أبعد من تلك النقطة. مستذكرين الحادثة السابقة، ألقى الهراطقة الأيقونة على الأرض، ممّا أدّى إلى تحطيمها إلى ثلاث قطع. فقام أحدهم بشدخِ الأيقونة بسيفه مرَّتين، تاركًا ندبتَين عميقتَين على وجهها. أثناء محاولته إحداث شدخٍ ثالثٍ، سقط أرضًا ومات بألمٍ شديدٍ!
وأيضًا فشلت كلّ المحاولات الفنّية في إصلاح الشّدخَين، لتترك لنا مريم علامةً حقيقيّةً لحضورها من خلال أيقوناتها!
5- عام 1655 واجهت الأيقونة خطرًا في من قبل جيشٍ سويديٍّ يتألّف من 12.000 شخص، وقد واجهه 300 رجلٍ يحرسون الأيقونة. وقد انتصرت الفرقة المكوّنة من 300 رجلٍ على الفرقة السويديّةٍ، وأُعلِنَت السيدة العذراء ملكة بولندا.
6- في 14 أيلول 1920، تجمّع الجيش الرّوسي عند نهر فيستولا، استعدادًا لغزو فارساو، صلّى الشعب البولّندي للسّيدة العذراء. كان اليوم التالي عيد سيّدة الأوجاع. فانسحب الروس بسرعة بعد ظهور الأيقونة في السّحب فوق فارساو. يُعرف هذا التّاريخ باسم “معجزة فيستولا”.
7- أثناء الاحتلال الألمانيّ النازيّ لبولندا في الحرب العالميّة الثانية، أمر هتلر بإيقاف جميع رحلات الحجّ الدّينيّة، التي تعبّر عن حبّ السّيّدة العذراء والثّقة في حمايتها. فقصد نصف مليون بولّندي إلى الملجأ في تحدٍّ لأوامر هتلر. بعد تحرير بولّندا عام 1945، أعرب مليون ونصف المليون شخص عن امتنانهم للعذراء بالصلاة أمام هذه الأيقونة المعجزة.
بعد 28 عامًا من المحاولة الرّوسيّة الأولى للاستيلاء على المدينة، نجحوا في السيطرة على فارساو والأمّة بأكملها في عام 1948. في ذلك العام، قام أكثر من 800 ألف بولّندي شجاع بالحجّ إلى المزار في تشيستوكوفا في عيد انتقال العذراء. كان على الحجّاج أن يمرّوا من قبل الجنود الشيوعيّين الذين يجوبون الشّوارع.
العذراء السّوداء البشرة:
بسبب الصّبغة الدّاكنة على وجه السّيدة العذراء ويديها، يُطلق على الأيقونة اسم “العذراء السوداء البشرة”، (علمًا بأنّ العذراء لم تكن حقيقةً سوداء البشرة) وهي الأيقونة مصوَّرة في الكتاب المقدس، “أنا سوداء ولكنّي جميلة” (نشيد 1: 5). أمّا سبب هذا اللّون الدّاكن يعود إلى قِدم الأيقونة، فقد اسودّ التلوين على مرّ السّنين، بالإضافة إلى الحاجة إلى إخفائها لفترات طويلةٍ من الزمن في الأماكن، حيث لا ضوء سوى نور الشّموع، فقد تعرّضت كثيرًا لدخّان الشّموع.
قام البابا كليمنتين الحادي عشر بالتعرف إلى الأيقونة العجائبيّة عام 1717. استخدم التّاج الممنوح للأيقونة في أوّل تتويجٍ رسميٍّ للّوحة، ولكنّه سُرق عام 1909، فاستبدله البابا بيوس العاشر بقطعةٍ ذهبٍ مرصّعةٍ بالجواهر.
والبابا القديس يوحنا بولس الثاني، إبن بولّندا، أهداها مجموعة تيجان أخرى في 26 آب 2005.