الفن الرومانسيكي في الكنائس
الفن الرومانسيكي:
الفن الرومانسيكي هو تيار فني نشأ في أوروبا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، واستمر حتى منتصف القرن التاسع عشر. يتميز الفن الرومانسي بروح التمرد والعاطفة، حيث انطلق الفنانون في هذا الفترة في التعبير عن مشاعرهم الشخصية وتجاربهم الفردية. كانت الطبيعة والخيال من مصادر إلهام هؤلاء الفنانين، حيث قاموا بتصوير المناظر الطبيعية الخلابة والمشاهد الرومانسية بشكل يعكس الروح الشاعرية والرومانسية.
انتشر هذا الطراز في معظم بلاد غرب أروبا، وصاحب هذا النشاط كبير في إقامة الكنائس، وكلمة رومانسك أطلقها المؤرخون على المباني وطراز عمارة الكنائس المتميز في تلك الفترة التي استخدمت به العقود المستديرة المعروفة في الكنائس البازيليكية الرومانية، أن الميدان الرئيسي للفن الرومانسيكي هو فن عمارة الكنائس، والنحت، والصناعات العاجية، أشغال المعادن، وفن التصوير.
تأثر الفن الرومانسي بالأدب الرومانسي، وتجلى ذلك في التركيز على العواطف الإنسانية، والهروب من واقع الحياة الصعب إلى عوالم الخيال والحلم. كما أن اللوحات الرومانسية تظهر غالبًا مشاهد درامية، وتبرز التأثيرات الضوئية والظلال لخلق أجواء غامضة وجذابة.
العمارة الرومانسيكية:
في تلك الفترة نشطت حركة تشييد الكنائس نشاطاً بارزاً حيث انتقل طراز هذه الكنائس إلى مختلف المدن في وسط وجنوب ايطاليا، وبرغم انتشار استخدام العقود المستديرة في البلدان إلا اننا نلاحظ أن طراز كل قطر منها تميز بعناصر محلية مختلفة.
تأثرت العمارة بالتيار الرومانسي بشكل واضح، حيث انعكست روح الحرية والعواطف الشاعرية في التصميمات المعمارية خلال هذه الفترة. تميزت المباني الرومانسية بالبحث عن الجمال والرومانسية في التصاميم، وكانت تحمل طابعًا فنيًا يعبر عن التمرد على القيود الكلاسيكية والتقاليد الصارمة.
كان للعمارة الرومانسية تأثير كبير على الهندسة المعمارية، حيث تم التركيز على تفاصيل زخرفية رومانسية تبرز الجمال والعاطفة. كما شهدت المباني الرومانسية استخدامًا مبتكرًا للعناصر الزخرفية والقواسم المشتركة التي كانت تعكس روح الحرية والخيال. استُخدمت الأقواس الكبيرة والأعمدة الزخرفية والديكورات المنحوتة بشكل مبتكر لتجسيد مشاعر الشغف والرومانسية في هيكل المبنى.
من المعالم المعمارية البارزة في هذا السياق يمكن ذكر القصور الرومانسية والكنائس الضخمة التي تعكس التأثير الكبير للحركة الرومانسية في مجال العمارة. تمثل هذه المباني التفاعل الفعّال بين الطبيعة والهندسة، وتعكس رؤية جديدة ومثيرة للفنانين والمهندسين في هذه الفترة.
أهم مميزات الكنيسة الرومانسيكية:
- تتميز الكنائس الرومانسية بسمات فريدة تعكس روح العصر الرومانسي وتحمل العديد من الخصائص التي تميزها عن الهياكل الكنسية السابقة. أحد أبرز مميزات الكنائس الرومانسية هو التركيز على الرومانسية والعواطف في التصميم الهندسي. تمثل هذه الكنائس نموذجًا للجمال الرومانسي وتجسيدًا للخيال والشغف.
- تتميز الكنائس الرومانسية بالهياكل الضخمة والأقواس الكبيرة والأعمدة الزخرفية، مما يعزز الطابع البارز والجذاب للعمارة الكنسية في هذه الفترة. يعكس استخدام الزخارف المعمارية التفاصيل الفنية الغنية التي تبرز الجمال وتعبيرًا عن الروح الرومانسية.
- تمتاز بكونها عمارة قوية متينة لتعكس متانة العقيدة المسيحية.
- اعتماد تخطيط الكنيسة على هيئة الصليب اللاتيني.
- زخرفة واجهة الكنيسة بعدد من العقود المستديرة.
- امتازت الجدارن الخارجية للمباني بسماكتها وعدم وجود فتحات كثيرة بها ممّا يقلل الضوء في داخل الكنائس.
وكانت الكنيسة الرومانسكية النموذجية تصَمَّم بشكل الصليب اللاتيني، وهو صليب ذو ذراع رأسي وعارضة أفقية، وكان صحن الكنيسة ـ وهو مكان التجمع الرئيسي ـ يتكون من أقبية من الحجارة مبنية على هيئة قوس. ويحيط بصحن الكنيسة أروقةٌ جانبية. وكانت الأقواس الدائرية تُبْنَى في فتحات الحوائط وبين الأعمدة. وتُزيَّن الفتحات والأعمدة بنقوش، ونحوت تصور شخصيات ومشاهد من الإنجيل. وكانت الحوائط تُزيَّن برسوم جدارية تصوِّر أيضا موضوعات دينية.
أشهر الكنائس
- كنيسة سان سرتان.
- كنيسة القديسة مادلين .
- كنيسة القديس لازاريوس.
- كنيسة بيزا والبرج.
- كنيسة معودية فلورنس.
النحت الرومانسيكي:
برز النَّحت البارز بشكل واضح على واجهات الكنائس الرومانسيكية عن طريق الزخارف، وقد كثرت في هذه الزخارف موضوعات البعث ويوم الحساب، إضافة إلى بعض الشخصيات المقدَّسة.
خصائص النحت الرومانسيكي
- امتاز بخطوط معقدة في التصميم.
- امتاز بالأشكال التجريدية المبسَّطة.
- كثرة الأشكال الحزينة والغريبة.
- المبالغة في النسب لتوضيح الانفعالات.
أمثلة على النحت الرومانسي
- واجهة كنيسة فيزلي: حيث يظهر المسيح في الوسط ومن حوله الحواريون.
- واجهة كنيسة أتون: ويمتاز بكبر حجمه بفرنسا.
- نحت النبي شعيب: على واجهة كنيسة سويلاك بفرنسا.
التصوير في الفن الرومانسيكي:
اقتصر التصوير في الفن الرومانسيكي على تصوير مخطوطات الدنية المسيحية، وفن الأفريسكو في القصص المقدسة.
الأفريسكو: نوع من التصوير على الجدارن التي تغطي بلاط من الجير المبلل ثم يرسم فوقها.
مميزات التصوير في الفن الرومانسيكي
- تميَّزت بالخطوط الخارجية القوية.
- لم يعرف فن تصوير اللوحة في تلك الفترة.
- كانت موضوعات الصور مقتبسة من الإنجيل.
أهم التصاوير في الفن الرومانسيكي
- تصوير جداري في كنيسة سانق ساخان بفرنسا: حيث يصور موضوع قصة نوح.
- تصوير جداري في كنيسة سان جاليانو.
القبو في العمارة الرومانسكية:
كان القبو في العمارة الرومانسكية هو علامة مميزة لها، فكانت العمارة الرومانسكية تتميز بكثرة الأقبية، ويرجع ذلك إلى أن المباني المبنية على الطراز الرومانسكي كانت أسقفها من الخشب مما زاد من خطورتها في حالة حدوث نيران، من هنا جاءت الحاجة إلى وجود قبو في كل مبنى، وكانت طريقة بناء الأقبية مستوحاة من الطراز الروماني القديم، حيث كان كل قبوين نصف دائريين يتقاطعان معًا، بالتالي كان سطح هذه التقاطع نصف بيضاوي، ثم تطور الأمر وأصبح الأقبية تتقاطع عن طريق العقود التي تتكون من أضلاع عرضية وأضلاع أخرى متقاطعة، وكانت دعائم هذه الأقبية تتكون من أعمدة مربعة الأضلاع، محاطة بأعمدة أخرى وأكتاف.
ازدهار الطراز المعماري الرومانسكي:
ولقد ازدهر الطراز المعماري الرومانسكي في الفترة التي كانت تشتعل فيها الحروب الصليبية في الشرق، وذلك لان هذه الحروب نتج عنها زيادة التعصب الديني، مما زاد من سلطة وصلاحيات رجال الدين، وكانت هذه الصلاحيات واضحة وجلية في تأثيرهم على الفنانين والمعماريين، فكانت العمارة الرومانسكية آنذاك موظفة في صالح الدين فقط وكانت مركزة على تشييد المنشآت الدينية على حساب المنشآت المدنية، وكان لبناء هذه الكنائس الضخمة قوة كبيرة مما أظهر للعالم متانة العقيدة المسيحية، وكانت الكنائس يتم تصميمها على شكل صليب لاتيني، له ضلع طويل ينتهي عند المذبح، وكان هذه المذبح محاط برواق يحده من الجانبين الأقواس والأعمدة، وكان هناك ممر موازي لهذا الضلع الكبير، وكان يعرف بالرواق الرئيسي أيضًا، كما أن للمسيحيين العديد من المواعظ الدينية مما تطلب وجود أكثر من قبلة واحدة، بالتالي تعددت الصالات التي يتم ممارسة الصلاة فيها والتراتيل، وزاد عدد الحجرات في الممر الواحد.
وبحلول منتصف القرن الثاني عشر الميلادي، كان الأسلوب الرومانسكي قد تطور إلى الفن القوطي. ومن الأسباب الرئيسية لذلك قلة الاحتياج إلى المباني الدفاعية، إلى جانب الرغبة في الكنائس البسيطة والأكثر ارتفاعًا.
الطراز الإيطالي:
امتازت “الرومانسكية” في إيطاليا بالمحافظة، فأبقت على المقنطرات والقباب البيزنطية واستخدام الخشب في البناء، وكان للتنوع المناخي دور في نشوء طرز عدة تبعاً للمناطق (الشمالية والداخلية والجنوبية)، فسُمي الطراز الأول “اللومباردي” نسبة إلى “لومبارديا” (شمال إيطاليا) التي تميزت بشتاء طويل ورطب، فجاءت الأبنية بجدران سميكة وقناطر زخرفية متناغمة عُرفت باسم (Lombard bands).
وكانت الكنائس “باسيليكية” بواجهات عريضة وبسيطة تحمل بعض العقود على مجموعة من الأعمدة، تتموضع عليها غالباً نافذة مستديرة فوق البهو الرئيس ذات الأقسام الإشعاعية على شكل وردة تضيء صحن الكنيسة (المصلى).
وأبراج النواقيس مرتفعة مربعة زُخرفت بـ “كرانيش” وسُقفت بقمم مخروطية الشكل مدبّبة، كما تموضعت عقود القباب شمالاً وزادت سماكة الجدران واستُعمل الحجر والطوب المصنوع من التربة الطينية في الحوائط الداخلية والرخام للأروقة الخارجية، والأسقف خشبية مائلة مغطاة بالقرميد، وتميزت بالأقبية كأسلوب تسقيف معماري للمصلّى والممرات التي جاءت بطابقين، وارتبطت الكنائس بأبنية دائرية أو مثمّنة تمثل أبنية التعميد، مثال كنيسة “سان زينو” في لومبارديا.
والطراز الثاني سُمي “التوسكاني” نسبة إلى توسكانا (وسط إيطاليا) التي تتميز بمناخ معتدل لذلك قلّت الفتحات وضاقت، واعتُمد نمط الكنيسة “الباسيليكية” مع أساليب إنشائية ومواد بناء محلية، واستُخدم العقد المدبب والأعمدة “الكورنثية”، تأثر بالعمارة البيزنطية وبالطرز العربية، خصوصاً في استخدام الفسيفساء والزخارف الملونة، فجاءت الجدران مغطاة بالرخام وبزخارف الفسيفساء، والسقف خشبي مفتوح مزين بألوان زاهية مختلفة، مثال كاتدرائية “بيزا” في توسكانا.
أما الطراز الثالث، فسُمّي “الصقلي” نسبة إلى جزيرة صقلية (جنوب إيطاليا) ذات المناخ الدافئ شتاء والحار صيفاً، لذلك جاءت الأسقف مستوية، وظهرت فيها التأثيرات البيزنطية والنورماندية والإسلامية، فنجد أشرطة من الرخام والواجهات والأقواس المدببة التي تؤكد التأثيرات الإسلامية الطرز، والمخطط الصليبي كتأثير من الطراز النورماندي، وجود الفضاء الداخلي المربع المسقوف بقبة تحملها أربعة أعمدة، واستُعمل الموزاييك للإكساء، مثال كاتدرائية مونريال في صقلية.
بين فرنسا وإنجلترا:
بُنيت كنائس “الرومانسك” الفرنسية على مخطط الصليب اللاتيني وسُقفت المصليات بقبو نصف إسطواني وممرات جانبية بطابقين. استُعملت بداية الجملونات الخشبية في التسقيف ثم استُبدلت إلى المقنطرات، واستُخدمت الأعمدة المثمنة، إضافةً إلى الأكتاف الساندة أو ركائز العقد المستخدمة في العمارة الإسلامية المبكرة، مثال كاتدرائية “أنغوليم”.
أما في إنجلترا، فتطورت العمارة ببطء وبقيت لفترة طويلة في مرحلة تقليد العمارة الرومانية إلى أن ظهرت “الرومانسكية”، فاعتُمد مخططها ذو الصليب اللاتيني أيضاً، لكن بأذرع أكثر طولاً وجاءت زخارفها أكثر تقدماً مما في فرنسا، ولم تستعمل القباب حتى مراحلها الأخيرة، واعتمدت الأقبية والمقنطرات المضلعة والأقواس المدببة والعقود المدببة بدلاً من النصف دائرية، مثال كاتدرائية “دورهام”.
الفن الرومانسكي: طبلة منحوتة تمثل الحكم الأخير. نحت السيد جيزلبرتوس (حوالي 1130-1140). كاتدرائية سانت لازار (سانت لازاريوس)
سرداب ملون في سان إيزيدورو في ليون، إسپانيا.