تأمّل حول صورة القدّيسة رفقا
(1832 – 1914)
في ما يلي، سوف نظهر رمزيّة هذه الصّورة، ونبرز شخصيّة القدّيسة رفقا، مستخلصين بعض الأفكار اللّاهوتيّة.
تأمّلنا رسم صورة رفقا الجديدة المؤرّخة في 28 – 2 – 2001 للأستاذ بيار شديد، والتي تعتمد على صورتها الفوتوغرافيّة الموجودة في دير مار يوسف جربتا على قول الرسّام، فهي تنقلنا من عالم المرئي المحسوس إلى عالم الرّموز والقداسة.
في ما يلي، سوف نظهر رمزيّة هذه الصّورة، ونبرز شخصيّة القدّيسة رفقا، مستخلصين بعض الأفكار اللاهوتيّة.
1- الإطار العامّ:
السّماء والأرض تحتفلان بإنشاد قداسة رفقا.
– الصّليب الماروني يرمز إلى آلام المسيح الخلاصيّة، إلى قوّة الله، إلى شجرة الحياة. إنّه علامة النّصر الأخير على الشرّ والشّيطان والموت.
– أيقونة سيّدة إيليج التي تعود إلى القرن العاشر والتي تدلّ على تاريخ الموارنة المتجذّر في هذا الشّرق وتجسّد العلاقة الوثيقة بين العذراء ويسوع ابنها: إنّها أمّ الله، المرشدة إلى الطريق القويم، ابنها القائل: “أنا الطريق والحقّ والحياة”.
– دير مار يوسف الضهر – جربتا الذي بوشر بناؤه في آذار 1896 محاط بأشجار الصنوبر العاليات، يرمز إلى الحياة التأمّليّة المشتركة، إلى التكرّس المطلق لله بعيدًا عن ضوضاء ومغريات العالم، إلى الحوار واللّقاء الدّائم بين الله ومخلوقاته. إنّه باب من أبواب السّماء.
– الأرز الذي يشير إلى التجذّر والتعلّق بالأرض، وإلى العنفوان والثبات على الإيمان القويم مهما عصفت رياح هذا العالم الهائج، هو رمز الوطن.
– الوديان ترمز إلى النزوح حتّى أعماق سرّ الله، إلى التواضع.
– الجبال الشامخات ترمز إلى حضور الله الذي يرفع المتواضعين، إلى اللّقاء بين الأرض والسّماء، وإلى الكمال.
– الصخرة ترمز إلى الأرض الراسخة التي بنيت عليها الكنيسة (كيفا)، إلى مذبح الله الذي رفع عليه يسوع المسيح الذبيحة.
– سنبلتا القمح ترمزان إلى الخبز السّماوي جسد سيّدنا يسوع المسيح الإفخارستيّ الذي نتناوله كلّ يوم في القدّاس.
أمّا عنقود العنب فيرمز إلى الخمرة الجديدة، دم سيّدنا يسوع المسيح، دم العهد الجديد.
2- رسم القدّيسة، الشخصيّة البارزة في هذه الصورة:
– الزيّ الرهباني لقد حافظ الرسّام في لوحته هذه على الثوب الرّهباني كما كان عليه أيّام رفقا، ورموزه كالتالي.
الثوب يرمز إلى الحالة الجديدة التي اختارتها رفقا بالإنضمام إلى رهبانيّة الرّاهبات اللبنانيّات المارونيّات، وإلى سلاح البرّ في سبيل الملكوت. أمّا الطرحة فترمز إلى الطاعة المطلقة لله المخلّص. الزنّار وعليه صليب، يرمز إلى العفّة وإلى التكرّس الكامل لله عريسها السّماويّ.
– كتاب الصّلاة الذي في يد رفقا اليمنى، على حدّ قول الرسّام، يحمل “بُعدًا إيمانيًّا”: فرفقا صلّت وتأمّلت بما آمنت، وآخرًا “تربويًّا”: فرفقا عملت وعلّمت ما صلّت. بكلمة، إنّه يرمز إلى حياة الصّلاة الدائمة التي كانت تربط رفقا بالله وبالقريب.
– مسبحة الورديّة التي تمسّكت بها رفقا ولم تدعها لحظة واحدة في حياتها، تذكّرنا بانضمامها السّابق لجمعيّة “المريمات”، وبتعبّدها لمريم العذراء أمّ الله.
– رفقا الوضيعة في هذا الرّسم تبدو رفقا واقفة، منحنية الرأس قليلاً للجهة اليمنى، متمسّكة بكتاب الصّلاة والمسبحة.
إنّ الوقوف يرمز للإستعداد الدّائم للرحيل إن في سبيل الرّسالة خارج الدير، أي لنقل البشارة والشهادة؛ وإن عن هذه الدنيا، أي الإستعداد للقاء الله في الملكوت.
أمّا إنحناء الرأس، ففيها الكثير من الخشوع والتواضع… هكذا أتت التعابير متأرجحة بين الألم والمحبّة، فأبرزت نظرة تأمّليّة تتخطّى فيها العالم المادّي المحسوس إلى عالم مغمور بالصّلاة الدّائمة… على ما روى راسم الصّورة.
3- الألوان ورمزيّتها:
لقد استعمل الرسّام في موضوع السّماء ثلاثة أشكال من الألوان عبّر فيها عن معالم شخصيّة رفقا وهي.
– الألوان الحارّة كالأصفر والبرتقالي… وتعني الألم والدفء والنّور الإلهيّ.
– الألوان الوسيطة وتعني تلاشي الألم.
– واللون الأزرق هو لون السموّ. إنّه يولّد عندنا انطباع العمق والهدوء، وينقلنا إلى عالم السماويّات. إنّه رمز الخلود والأبديّة وسرّ الحياة الإلهيّة المبتغاة.
4- الخلاصة اللاهوتيّة:
التأمّل طاعة رفقا كاملة. تنتقل إلى حيث يوجّهها الرؤساء. وعفّتها تامّة، فتاة جميلة، حافظت على جمالها وبهاءها. أمّا فقرها فكان كاملاً. تخلّت عن كلّ شيء حتى الصحّة، لتكون بكلّيتها لله. متّضعة، هادئة حريصة على السّكوت.
ب- رفقا الرّاهبة المصليّة
إنّ الأخت رفقا عملت بالشعار الرّهباني القائل: “العمل والصّلاة”، فكانت قبل كلّ شيء راهبة مصلّية. فعلاوة على الصّلوات الطقسيّة الجماعيّة كالقدّاس والفرض الإلهيّ وغيرهما، كانت تثابر على التأمّلات والصّلوات والترانيم التي كانت تفيض بها نفسها العطشى إلى الله. كانت تعبد القربان المقدّس طابعة حياتها بطابع قربانيّ وذبيحيّ، بحيث أضحت حياتها قدّاسًا متواصلاً على مذبح الحياة. وما انفكّت تكرّم العذراء مريم حاملة ورديّتها ليلاً نهارًا. إسما يسوع ومريم كانا دائمًا على شفتيها تردّدهما بإيمان ومحبّة حتى مماتها. لقد كانت باتّحاد مستمرّ مع الله عروسها السّماوي الأوحد.
ج- رفقا الرّاهبة العاملة
ظلّت الأخت رفقا راهبة عاملة رغم كلّ ما حلّ بها من عمى وشلل، يقينًا منها أنّه “من لا يعمل ليس له أن يأكل”، وأنّه عليها أن تأكل خبزها بعرق جبينها، على ما ورد في سفر التكوين. لقد جمعت بين الحياة الديريّة وحياة الرّسالة، فكان حضورها فعّالاً إن في الخدم الديريّة وإن في خدمة القريب بفرح ومحبّة كالتربية والتعليم. في سنيِّها الأخيرة لم تعرف الرّاحة ولا انقطعت عن العمل، موزّعة حياتها بين الصّلاة والخدمة.
د- رفقا الرّاهبة المتألّمة بحبّ وفرح
“دعوني أتألّم مع المسيح”: تلك كانت كلمتها لأمّها الرّئيسة. لقد عانت القدّيسة رفقا آلامًا مبرّحة من جرّاء مرض، قدّر الأطباء أنّه كان نوعًا من السلّ، حلّ في العينين ومواضع كثيرة من العظام، وسبّب لها أوجاعًا غير عاديّة؛ وكانت تسأل الله نعمة الصّبر والأناة، لتكون شريكة له في آلامه الخلاصيّة. الله وحده كان يعرف شدّة الآلام التي كانت تحتملها دون تذمّر أو تأفّف. محبّتها لله والقريب دفعتها إلى بذل ذاتها في سبيل أخواتها.
الأخ يوسف متّى