فن الركوكو في الكنائس
يمثل الفن الركوكي، أو الركوكو، تعبير رسم يخص حركة جمالية ازدهرت في أوروبا بين أوائل القرن الثامن عشر وأواخره، وهاجرت إلى أمريكا واستمرت في بعض المناطق حتى منتصف القرن التاسع عشر. ينقسم الرسم في هذه الحركة إلى معسكرين مختلفين اختلافًا صارخًا. أحدهما يشكل توثيقًا بصريًا وديًا مريحًا لطريقة الحياة والنظرة العالمية للنخبة الأوربية في القرن الثامن عشر، والآخر، يطوّع عناصر أصيلة من أسلوب الزخرفة النصبية للكنائس والقصور، ليلعب دور وسيلة لتمجيد الإيمان والقوة المدنية.
وُلد الركوكو في باريس في العقد الأول من القرن الثامن عشر تقريبًا، باعتباره رد فعل من الطبقة الأرستقراطية الفرنسية ضد الباروكية المترفة والبلاطية والجادة التي مورست في عهد لويس الرابع عشر ملك فرنسا. اتسم قبل كل شيء باعتناقه مذهب اللذة وشخصيته الأرستقراطية، ما تجلى في الرقة والأناقة والشهوانية والبهاء، وفي تفضيل الموضوعات الخفيفة والعاطفية، حيث لعب الخط المنحني والألوان الفاتحة وعدم التناسق دورًا رئيسًا في تركيبة العمل. من فرنسا، حيث اتخذ ميزته النموذجية وحيث جرى الاعتراف به لاحقًا على أنه إرث قومي، انتشر الركوكو في جميع أرجاء أوروبا، لكنه غير غاياته تغييرًا كبيرًا ولم يحافظ إلا على نموذجه الفرنسي، وأُقيمت مراكز تثقيف مهمة في ألمانيا وإنجلترا والنمسا وإيطاليا، وبعض التمثيل في أماكن أخرى، كشبه الجزيرة الإيبيرية، والبلدان السلافية والشمالية، بل حتى بلغت الأمريكتين.
على الرغم من قيمته باعتباره عملًا فنيًا مستقلًا، غالبًا ما كان يُنظر إلى رسم الركوكو على أنه جزء لا يتجزأ من المفهوم الشامل للديكور الداخلي. بدأ يتعرض للانتقاد منذ منتصف القرن الثامن عشر، مع صعود التنوير، والمثل الكلاسيكية والبرجوازية، وظل موجودًا حتى الثورة الفرنسية، وقتما ساءت سمعتها، واتُهمت بأنها سطحية وتافهة وغير أخلاقية وزخرفية بحتة. منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر، اعتُرف به ثانية على أنه شهادة هامة لمرحلة معينة من الحضارة الأوروبية ونمط حياة طبقة اجتماعية معينة، وعلى أنه أحد الأصول القيمة لمزاياها الفنية الفريدة، حيث ًاثيرت أسئلة حول الجماليات والتي من شأنها أن تزدهر لاحقًا وتصبح محورية في الفن الحديث.
المرحلة المتأخرة لفن الباروك (الركوكو):
ما لبثت مرحلة الباروك العليا أن أخذت بالتراجع والانحسار مع مطلع القرن الثامن عشر الميلادي؛ فاسحةً المجال أمام مرحلة تطورية جديدة لفن الباروك عرفت باسم الركوكو، التي يصنفها بعض الباحثين على أنها المرحلة الأخيرة من مراحل تطور فن الباروك، في حين يعدها بعضهم مدرسة فنية جديدة مستقلة بذاتها؛ عندما أخذت هذه النزعة الفنية الجديدة بالسيطرة على الثقافة العامة خلال السنين (1720-1780م)، وانتشرت في جميع أنحاء أوربا فيما بعد؛ مشكّلةً الحلقة النهائية لتطور فن الباروك التقليدي الذي اعتمد على الضخامة في توزيع العناصر والوحدات، وذلك على النقيض من فنون مرحلة الركوكو المتطورة التي امتازت بالتركيز على الخفة والنعومة الهيكلية المتزامنة مع الغنى الزخرفي؛ والتي تجلت بوضوح في العديد من المساكن والقصور الراقية التي شيدها النبلاء الفرنسيون في باريس، وكذلك الكنائس والأديرة التي شيدت في جنوبيّ ألمانيا والنمسا، ككنيسة دَفيز Davis التي صممها المعماري دومينيكو سزيمرمانا في جنوبيّ ألمانيا (1745-1754م)، وكذلك قاعة المرايا بجناح قصر أمالينبورج Amalienborg التي صممها المعماري فرانسوا كوفيليه الفلمنكي المولد في الثلاثينيات من القرن الثامن عشر الميلادي في جنوبيّ ألمانيا بالقرب من ميونخ.
أصل المصطلح
استُخدمت كلمة روكوكو لأول مرة تغييرًا فكاهيًا لكلمة روكاي. رمزت كلمة روكاي في الأصل إلى أسلوب في التزيين يستخدم الحصى والصدف والإسمنت، غالبًا ما اتُبع في تزيين الكهوف والنافورات منذ عصر النهضة. أصبحت كلمة روكاي مصطلحًا لنوع من الرسوم التزيينية، أو لعناصر الزينة التي ظهرت في أواخر أسلوب لويس الرابع عشر على شكل صدفة بحرية تتشابك مع أوراق الأقنثا. نشر المصمم والجواهري جان موندون الكتاب الأول لشكل روكاي وكارتل، وهو عبارة عن مجموعة من التصاميم لزخارف الأثاث والديكور الداخلي. تضمنت هذه المجموعة الظهور الأول لمصطلح «روكاي» لتصنيف النمط. جُمع بين الرسم التزييني الصدفي المحفور أو المصبوب، وسعف النخيل أو العروق الملتوية، لتزيين كل من المداخل، والأثاث، والألواح الجدارية، وغيرها من العناصر المعمارية.
استُخدم مصطلح روكوكو لأول مرة في طبعة عام 1825 لوصف الزخرفة التي تميزت بكونها «قديمة الطراز». استُخدم لأول مرة في عام 1828 للزخرفة «التي تنتمي إلى أسلوب القرن الثامن عشر والحاوية على كثير من الزخارف الملتوية». وصف المؤلف ستندال الروكوكو في عام 1829 بأنه «أسلوب الروكاي المتبع في القرن الثامن عشر».
استُخدم المصطلح لوصف العمارة أو الموسيقى المزخرفة بشكل مفرط في القرن التاسع عشر. اعتمد مؤرخو الفن المصطلح منذ منتصف القرن التاسع عشر، في حين لا يزال هناك بعض الجدل حول الأهمية التاريخية لهذا الأسلوب. تُعتبر الروكوكو الآن فترة مميزة في تطور الفن الأوروبي.
الاختلافات بين الباروك والروكوكو
في ما يلي الخصائص التي نجدها في أسلوب الروكوكو، بينما لا نجدها في الباروك:
-
التخلي الجزئي عن التناظر، يتكون من خطوط ومنحنيات رشيقة على غرار الفن الجديد.
-
الكم الهائل من المنحنيات غير المتناظرة والحليات الحلزونية التي تأخذ شكل حرف C بالإنجليزية.
-
الاستخدام الكبير للزهور في الزخارف، كمثال على ذلك: الأكاليل المصنوعة من الزهور.
-
الرسوم الزخرفية الصينية واليابانية.
-
ألوان الباستيل الدافئة (الأبيض، والأصفر، واللون القشدي، والرمادي اللؤلؤي، والدرجات الفاتحة جدًا من اللون الأزرق)
العمارة
بدأ انتشار هذا الطراز في عام 1715 حيث فضل الامراء والنبلاء الإقامة في باريس بدلا من العودة إلى قصورهم العظيمة في الريف، فشيدوا منازل عرفت باسم ” لوكاندة” مثل لوكاندة سوبيز وماتينيون ، وبدلا من الاهنمام بالوجهات الارستقراطية التى نشرها ليبران، اهتم النبلاء بزخرفة منازلهم من الداخل. وابتكر المهندسون زخارف استمدوازخارفها من شكل الصدفة وقد عم هذا الطراز في ميادين التصوير والنحت وفي الأثاث وما شاكله .
اتبع الفنانون في إيطاليا وخاصة في البندقية أسلوب الروكوكو. قلدت القوافل الفينيسية الخطوط المنحنية والزخارف المنحوتة للروكاي الفرنسي، مع تباين فينيسي معين، إذ رُسمت المناظر الطبيعية، أو الأزهار، أو مشاهد من لوحات غاردي وغيره من الفنانين، أو الزخارف الصينية على خلفية زرقاء أو خضراء، ومطابقة لألوان مدرسة الفنانين في البندقية الذين زينت أعمالهم الصالونات. من بين أبرز الرسامين جيوفاني باتيستا تيبولو الذي رسم أسقف وجداريات في كل من الكنائس والقصور، وجيوفاني باتيستا كروساتو الذي رسم سقف قاعة الرقص في كا ريزونيكو بأسلوب التربيع، مع إعطاء وهم ثلاثي الأبعاد. سافر تيبولو إلى ألمانيا مع ابنه خلال الفترة بين عامي 1752 و1754 لتزيين أسقف إقامة فورتسبورن، أحد المعالم الرئيسية للروكوكو البافارية. رسم الرسام الفينيسي الشهير جيوفاني باتيستا بيازيتا عدة أسقف كنائسية بارزة.
تميز أسلوب الروكاي الفينيسي بأوانٍ زجاجية استثنائية خاصة زجاج مورانو، الذي كان منقوشًا وملونًا في أغلب الأحيان، وصُدّر عبر أوروبا. تضمنت الأعمال ثريات متعددة الألوان، ومرايا بإطارات تحمل الكثير من الزخرفة.
كما شُيد عدد من كنائس الحج البارزة في بافاريا خلال أربعينيات القرن الثامن عشر وخمسينياته، تضمنت زخارف داخلية متنوعة ومختلفة من أسلوب الروكوكو. تعدّ كنيسة الحج في ويز (1745- 1754) أحد أبرز الأمثلة على ذلك، إذ صممها دومينيكوس زيمرمان. كان الجزء الخارجي بسيطًا للغاية مثل معظم كنائس الحج البافارية مع جدران الباستيل والقليل من الزخارف. يواجه الزائر عند دخوله الكنيسة مسرحًا للحركة والضوء. يتميز التصميم برواق الجزء الداخلي من المعبد بيضوي الشكل الذي يملأ الكنيسة بالضوء من كل جانب. تتناقض الجدران البيضاء مع أعمدة من الجص باللونين الأزرق والوردي في المساحة المغلقة أمام المحراب، والسقف المقبب المحاط بملائكة من الجص أسفل القبة التي تمثل السماوات المزدحمة بأشكال توراتية ملونة. تشمل كنائس الحج البارزة الأخرى كنيسة المساعدون القدامى الأربعة عشر التي صممها بالتازار نويمان (1743- 1772)
كنيسة على طراز الروكوكو 1750