تاريخ الكنيسة الصينية
وصلت المسيحية إلى الصين خلال عهد سلالة تانغ في القرن السابع مع وصول البعثات التبشيرية لكنيسة المشرق النسطورية في عام 635 م. أعقب ذلك وصول المبشرون الفرنسيسكان في القرن الثالث عشر، وبدأت المسيحية بالتجذر مع وصول المبشرين اليسوعيين في القرن السادس عشر، والذين لعبوا دوراً في نقل المعرفة والعلوم والثقافة بين الصين والغرب. في القرن التاسع عشر وصلت البعثات التبشيرية البروتستانتية إلى الصين، وهي الفترة التي بدأت المسيحية تثبت موطئ قدم كبير لها في الصين. وقامت البعثات التبشرية البروتستانتية بعدد من البعثات الطبية في الصين وقد وضع هؤلاء الأطباء والجراحين المسيحيين البروتستانت في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الأسس للطب الحديث في الصين. وعلى الرغم من أن تاريخها في الصين ليس قديمًا مثل الطاوية أو ماهايانا البوذيًّة أو الكونفوشيوسية، إلا أنَّ المسيحية، بطرق وأشكالاً مُختلفة، كانت موجودة في الصين منذ القرن السابع على الأقل واكتسبت تأثيرًا كبيرًا في المجتمع خلال 200 عام الماضية.
حالياً ينتمي معظم مسيحيي الصين إلى الكنائس البروتستانتية المختلفة، ومن ثم الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، إلى جانب أقليات أصغر عدداً تتبع الكنيسة الأرثوذكسيَّة الشرقيَّة. ولا تزال ممارسة الدين خاضعة لسيطرة السلطات الحكومية، ولا يُسمح للصينيين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا إلاّ بالانضمام إلى الجماعات المسيحية المعتمدة رسميًا والمسجلة لدى الحكومة وهي الحركة الوطنية الذاتية البروتستانتية والمجلس المسيحي الصيني والرابطة الكاثوليكية الوطنية الصينية. ومن ناحية أخرى، يُمارس العديد من المسيحيين دينهم بشكل سري من خلال شبكات غير الرسمية وتجمعات غير مُسجلة، والتي توصف غالبًا بالكنائس المنزليَّة أو الكنائس السرية، والتي بدأ انتشارها في عقد 1950 عندما بدأ العديد من البروتستانت والكاثوليك الصينيين برفض الهياكل التي تسيطر عليها الدولة والتي يُزعم أنها تمثله. ويُقال أنَّ أعضاء هذه المجموعات يمثلون «الأغلبية الصامتة» للمسيحيين الصينيين ويمثلون العديد من التقاليد اللاهوتية المتنوعة. والمسيحيَّة هي رابع أكبر المعتقدات الدينية في الصين بعد كل من اللادينيَّة والديانة الصينية الشعبيَّة والبوذيَّة على التوالي.
المصطلح
هناك العديد من المصطلحات المستخدمة (لله) في اللغة الصينية، وأكثرها شيوعًا شانجدي (بالصينيَّة: 上帝) والتي تعني حرفيًا «الإمبراطور الأعلى»، ويُستخدم المصطلح عادةً من قبل البروتستانت وأيضًا غير المسيحيين، إلى جانب مصطلح تيانتشو (بالصينيَّة: 天主) والذي يعني حرفيًا «سيد السموات»، وهو المصطلح الأكثر تفضيلًا من قبل الكاثوليك. ويُستخدم مصطلح شين (بالصينيَّة: 神) على نطاق واسع من قبل البروتستانت الصينيين. تاريخياً، تبنى المسيحيون أيضاً مجموعة متنوعة من المصطلحات من الكلاسيكية الصينية كتسمية لله، على سبيل المثال الحاكم (بالصينيَّة: 主宰) والخالق (بالصينيَّة: 造物主).
تتضمن المُصطلحات المسيحيَّة باللغة الصينية ما يلي: «البروتستانتية» (بالصينيَّة: 基督教 新教) والتي تعني حرفيًا «الدين الجديد لدين المسيح»، و«الكاثوليكية» (بالصينيَّة: 天主教) والتي تعني حرفيًا «دين الرب السماوي»، والمسيحية الأرثوذكسية الشرقية (بالصينيَّة: 東正教؛ 东正教) والتي تعني حرفيًا «الدين الأرثوذكسي الشرقي». يُشار إلى المسيحيين في الصين باسم «أتباع أو المؤمنين بالمسيح» (بالصينيَّة: 基督徒).
تاريخ:
العصور القديمة
ادعى المُدافع المسيحي أرنوبيوس (توفي عام 330م) في عمله ضد الأمميين: الكتاب الثاني، أنَّ المسيحيَّة قد وصلت إلى أرض سيريس، وهو اسم روماني قديم لشمال الصين، قائلاً «بالنسبة للأفعال التي يمكن حسابها وترقيمها والتي تم القيام بها في الهند، وبين سيريس، والفرس، والميديين؛ وفي شبه الجزيرة العربية، ومصر، وفي آسيا، وسوريا؛ بين غلاطيان، وبارثيان، وفريجيانس؛ وفي أشايا، ومقدونيا، وإبيروس؛ وفي جميع الجزر والمقاطعات التي تقع في غروب الشمس؛ وفي روما أخيرًا، عشيقة العالم، والتي على الرغم من انشغال الرجال بالممارسات التي أدخلها الملك نُوما، والاحتفالات الخرافية عن العصور القديمة، إلا أنهم سارعوا بالتخلي عن وضع حياة آبائهم. وتعلقوا بالحقيقة المسيحية». ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن سوى القليل من الأدلة الأثرية أو المعرفة حول الكنيسة الكلاسيكية قبل النسطورية والكنيسة التخاريَّة. انتشرت العديد من المستوطنات التجارية السريانيَّة على طريق الحرير التجاري في الفترة التي سبقت ظهور المسيحية حيث كانت هذه البؤر السكانية أولى مراكز المسيحية في آسيا. ومن غير المستبعد أن أعدادًا من المسيحيين وصلوا إلى الصين في الفترة التي سبقت سلالة تانغ (618-907). لقد بدأ النشاط التبشيري لكنيسة المشرق بآسيا في أواخر القرن الرابع، ويعتقد أن المسيحية وصلت إلى مرو عن طريق نشاط الأسقف بار شابا حوالي عام 360. ويذكر أحد الكتب الجغرافية اليونانية من نفس القرن أن النساطرة قاموا بنشر المسيحية إلى الترك والهون وساحل ملبار بالهند وجزيرة سيلان. من الإشارات الأخرى لوجود ترك مسيحيين في القرن السادس ذكر أسر البيزنطيين لأشخاص ينتمون إلى قبائل تركيا موشومون بصلبان مسيحية على جباههم. كما تمكن مطران مرو من تحويل أحد الملوك الترك جنوب نهر سير داريا إلى المسيحية في منتصف القرن السابع. وهو الأمر الذي تكرر في عهد البطريرك طيموثاوس الأول أواخر القرن الثامن.
ومن المعروف أن نشاط رهبان كنيسة المشرق في الصين يعود للقرن السادس الميلادي، حيث يعزى إليهم جلب دودة القز إلى الغرب حوالي عامة 552. ويعود أول أثر لهم في البلاط الإمبراطوري إلى عهد الإمبراطور تايتسونغ حين استقبل الراهب ألوفين الذي شرع في ترجمة كتب دينية مسيحية إلى الصينية عام 635. قام الإمبراطور لاحقًا بسن قانون يسمح بنشر المسيحية في الصين، فبني دير في العاصمة الصينية شيان عام 638. ازدهرت المسيحية في عهد الإمبراطور كاوتسونغ (650-683) فأصبحت هناك كنائس في جميع مراكز الولايات الصينية. غير أصبحت المسيحية بانتشارها السريع تنافس البوذية فقامت الإمبراطورة وو تسيتيان (690-705) باضطهادها. ولم يتم إعادة تشريع المسيحية حتى عام 745. وحازت كنيسة المشرق في النصف الثاني من القرن الثامن على تعاطف عدة مسؤولين صينيين أبرزهم القائد العسكري غوو تسيي الذي وهب منح مالية كبيرة لترميم وبناء الكنائس. كما من المعروف أن أطباء سريان تواجدوا في بلاط الإمبراطور الياباني شومو غير أنه لا يعرف إن كان هناك نشاط تبشيري مسيحي في اليابان. تميز القرن التاسع بانتشار حركة الترجمة من السريانية إلى الصينية من ضمنها العهد الجديد بأكمله بالإضافة لعدة أسفار من العهد القديم.
غير أن الأحداث السياسية المتوترة في الصين أدت لتراجع المسيحية، وفي نفس الفترة ازدهرت في التيبت بشكل كبير فانتشرت الكنائس على الطريق الواصلة بين لهاسا وكشغر. كما أصبحت مملكة تانغوت شرق التيبت مركزًا لبطريرك الصين. وأدّى وصول ووتسونغ إلى عرش الصين إلى اضطهاد المسيحية بشدة، فتم منعها ودمرت الكنائس عام 845. وبالرغم من ذلك فقد استمرت المسيحية بفضل المرسلين الذين وضب بطاركة كنيسة المشرق على بعثهم للصين. على أن الاضطهاد المستمر عمل على حصرها في مجموعة صغيرة. فروى ابن النديم أنه حين أرسل البطريرك عبد يشوع الأول راهبًا إلى الصين عام 987 عاد الأخير بعد أن وجد أن المجتمع والكنائس المسيحية في منطقة حكم سلالة سونغ قد دمرت بالكامل. وعادت كنيسة المشرق مجددًا إلى الصين بعد أن تمكنت قبائل منغولية مسيحية من غزو شمال الصين بالقرن الثاني عشر. وخاصة في فترة سلالة يوان حين نقل قوبلاي خان عاصمته إلى خنبلق (بكين حاليًا) فتأسست بها أبرشية لكنيسة المشرق عام 1248، كما تظهر الأسماء المسيحية مجددًا في الحوليات الصينية في النصف الثاني من القرن الثالث عشر. وبنيت الكنائس مجددًا في المدن الصينية الكبرى على البحر الأصفر وخاصة في هانغتشو ويانغتشو، كما احتفظ بعض الأمراء المنغوليين في تلك المناطق بأناجيل سريانية ما يدل على اتقانهم هذه اللغة.
تحولت بكين إلى مطرانية عام 1275، لحقتها مطرانيتين أخرتين في مناطق غير معروفة في الصين، ووصل عدد الأبرشيات في الصين في بداية القرن الرابع عشر إلى أكثر من 72 كما حصل المسيحيون في تلك على عدة امتيازات منها إعفائهم من دفع الضرائب. ونشط في تلك الفترة الأسقف سركيس الذي قام ببناء العديد من الكنائس في شرق الصين وكوريا. كما يرجح كذلك وصول مبشرين إلى جزر الفيلبين بالمحيط الهادي ومناطق بجنوب شرق آسيا عن طريق الصين. غير أن الوضع تغير بعد وصول الإمبراطور بوياتو (1311-1320) لسدة الحكم فأمر بتحويل الأديرة المسيحية إلى معابد بوذية.
ويروي الرهبان الكاثوليك وجود حوالي 30,000 مسيحي في بكين في منتصف القرن الرابع عشر، غير أن المسيحية اختفت بشكل كامل أواخر نفس القرن بعد تدمير مراكزها في بلاد ما بين النهرين ووسط آسيا، وأدت ظهور سلالة مينغ الصينية إلى إعادة حرمان المسيحية. ويظهر أنه بالرغم من الانقطاع بين مركز بطريركية كنيسة المشرق والصين الذي دام حوالي قرن ونصف كانت هناك مجتمعات مسيحية صغيرة في مناطق متفرقة بالصين، حيث أرسل البطريرك شمعون الرابع مطرانًا إلى جنوب الصين لأول مرة عام 1491، تبعه عدة رهبان في العقود التالية. اختفت المسيحية السريانية بشكل نهائي في الصين عقب النزاعات الداخلية والانشقاقات الكاثوليكية في كنيسة المشرق ابتداءً من منتصف القرن السادس عشر. وعُرفت المسيحية محليًا بالصين في فترة سلالة تانغ بعدة تسميات منها الدين النوراني والديانة الفارسية، بينما عرف المسيحيون الصينيون خلال عهد سلالة يوان المنغولية باسم «يي لي كو وين».
البعثات اليسوعية في الصين
في 1289 بدأ الرهبان الفرنسيسكان من أوروبا التبشير الصين. لنحو قرن من الزمان كانوا يعملون بالتوازي مع المسيحيين النساطرة. يروي الرهبان الكاثوليك وجود حوالي 30,000 مسيحي في بكين في منتصف القرن الرابع عشر، غير أن المسيحية اختفت بشكل كامل أواخر نفس القرن بعد تدمير مراكزها في بلاد ما بين النهرين ووسط آسيا، وأدت ظهور سلالة مينغ الصينية إلى إعادة حظر المسيحيَّة. بحلول القرن السادس عشر، لا توجد معلومات موثوقة عن أي وجود مسيحيين ممارسين في الصين. بعد فترة وجيزة من تأسيس الاتصال البحري الأوروبي المباشر مع الصين في 1513 وإنشاء الرهبنة اليسوعيَّة في عام 1540، شارك بعض الصينيين على الأقل في الجهود اليسوعية. في المرحلة الثانية من تاريخ اليسوعيين، أوفدوا بعثات كثيرة حول العالم لنشر الإنجيل، لاسيّما في المستعمرات البرتغالية والإسبانية والفرنسية في العالم الجديد، إضافة إلى الهند والصين واليابان وأثيوبيا، وعمدوا أيضًا إلى تأسيس مستوطنات بشرية تحولت إلى مدن كبرى لاحقًا. وفي وقت مبكر من عام 1546، التحق صبيان صينيان بكلية القديس بولس اليسوعيَّة في غوا عاصمة الهند البرتغالية. ورافق أنطونيو، وهو أحد هذين الصينيين المسيحيين، فرنسيس كسفاريوس عندما قرر بدء العمل التبشيري في الصين. ومع ذلك، لم يتمكن فرنسيس كسفاريوس من إيجاد طريقة لدخول البر الصيني وتوفي في عام 1552 في جزيرة شانغتشوان قبالة ساحل غوانغدونغ.
بعد إنشاء البرتغاليين منطقةً معزولة في شبه جزيرة ماكاو في تشونغشان، أسس اليسوعيون قاعدة قريبة في الجزيرة الخضراء (الآن حي «إلها فيردي» التابع لحكومة السارس). خلال القرن السابع عشر ركّز اليسوعيون ضمن مناهجهم على تعلّم اللغات القديمة كالعبرية واليونانية، واللغات غير أوروبية أيضًا كالصينيَّة والفيتنامية؛ وكانت أول كلية خارج أوروبا قد تأسست في ماكاو على اسم القديس بولس عام 1594. وتعتبر كليَّة القديس بولس في ماكاو الجامعة الغربيَّة الأولى في شرق آسيا. وتم تمويل كلية القديس بولس في ماكاو من قبل اليساندرو فالينانو في عام 1594 وذلك عن طريق رفع مستوى مدرسة مادري دي ديوس السابقة، والتي كانت وقف لإعداد المبشرين اليسوعيين الذي كانوا يسافرون للشرق. وجاء برنامجها الأكاديمي لتشمل التخصصات الأساسية مثل اللاهوت والفلسفة والرياضيات والجغرافيا وعلم الفلك واللاتينية والبرتغالية والصينية، وضمت الكليَّة أيضًا مدرسة في الموسيقى والفنون. وأوجب اليسوعيون أيضًا دراسة العلوم الإنسانية، والحقوق، في حين لم يتوقف أبدًا الزيادة الاضطرادية في العدد. كان للكلية تأثير كبير على تعلم اللغات والثقافة الشرقية، ودرَّس فيها أولى علماء علم الصينيات الغربيين أمثال ماتيو ريتشي، ويوهان آدم شال فون بيل وفرديناند فيربيست، وهم من بين أبرز علماء الصينيات في ذلك الوقت. وكانت الكلية قاعدة للمبشرين اليسوعيين المسافرين إلى الصين واليابان وشرق آسيا، وتطورت مع اختلاط التجارة بين ماكاو وناغازاكي حتى عام 1645.
العمل الثاني الذي قام به اليسوعيون، كان ترجمة آثار الفلسفة الصينية القديمة إلى لغات أوروبا ما ساهم في اطلاع الغرب والعالم على مناحي لم يطلع عليها مسبقًا. من أبرز المبشرين اليسوعيين في القرن الخامس عشر كان الراهب الإيطالي ماتيو ريتشي وميكيلي رودجيري، الذين دخلوا ولاية كوانتونج مسلحين باللغات والعلوم الغربيَّة والفلك والرياضيات والساعات كبيرها وصغيرها والكتب والخرائط والآلات. وافتتن حاكم الإقليم بهذه الطرف وكانا يتخذان أسماء صينية ولباسًا صينيًا. وكان ماتيو ريتشي أول شخص غير صيني يتجاز امتحانات الخدمة المدنية الصينية. كان الامتحان صعباً للغاية ويتضمن حفظ مجلدات كاملة من الشعر الصيني التقليدي، ولا تبلغ نسبة من يتجاوزه الواحد بالمئة، إلا أن ريتشي تمكّن من النجاح به بعد أن واظب على تعلّم اللغة الصينية خلال عشرة أعوام فقط. يعتبر أول وسيط بين الحضارتين الغربيَّة والصينيَّة. وأقام المبشرين اليسوعيين مستوطنات مسيحية في جميع أنحاء البلاد وأقاموا بالقرب من البلاط الإمبراطوري، وخاصةً وزارة الطقوس، والذين أشرفوا على علم الفلك الرسمي وعلم التنجيم. وقام ماتيو ريتشي إلى جانب المبشرين ميشيل روجيري وفيليب كوبليت وفرانسوا نويل بجهد دام قرن من الزمان في ترجمة الكلاسيكيات الصينية إلى اللغة اللاتينية ونشر المعرفة بالثقافة والتاريخ الصيني في أوروبا، والتأثير في التنوير المتطور. وجعلوا المتنصرين من أصحاب النفوذ، مثل شو جوانجقي، يؤسسون مستوطنات مسيحية في جميع أنحاء البلاد ويقتربون من البلاط الإمبراطوري، ولا سيما دواوين الطقوس التي أشرفت على علمي الفلك والأبراج الرسميين. بذل ماتيو ريتشي وآخرون، بما في ذلك ميشيل روغيري وفيليب كوبليت وفرانسوا نويل، جهودًا دامت قرنًا من الزمان لترجمة الكلاسيكيات الصينية إلى اللاتينية ونشر المعرفة بالحضارة الصينية وتاريخها في أوروبا، الأمر الذي أثر على عصر التنوير النامي.
أدّى دخول الفرنسيسكان والمبشرين الأخرين إلى البلاد، إلى جدال طويل الأمد حول العادات الصينية وأسماء الله. كان اليسوعيون والذين حصلوا على لقب «الباحثين المسؤولين» من الإمبراطور كانغشي نفسه، يؤكدون أن التبجيل الصيني للأسلاف وكونفوشيوس كانت طقوسًا تعبر عن الاحترام وعلمانية وهي متوافقة مع العقيدة المسيحية؛ في حين جادل المبشرون الفرنسيسكان والدومينيكان بأنَّ معتقدات عامة الشعب في الصين هي عبادة الأصنام ومن غير المسموح بها، وأن الأسماء الصينية الشائعة لله قد تربك المؤمنين. وفي القرن الثامن عشر ظهرت جدل وقضية الطقوس الصينية، إذ سمح المبشرين الكاثوليك من اليسوعيين للصينيين الذين اعتنقوا الدين الجديد بالإستمرار في بعض طقوس عبادة الأجداد، وممارسة بعض التقاليد الكونفوشيوسية التي تعودوا عليها. ووصل الجدل إلى أرواق الجامعات الأوروبية الرائدة، ولذلك فقد اعتقد البابا كليمنت الحادي عشر أنَّ اليسوعيين تساهلوا أكثر من اللازم، وبناءً على شكوى تشارلز مايغروت أسقف فوجيان، أخيرًا قام البابا كليمنت الحادي عشر بإنهاء النزاع من خلال إعلانه لحظرًا حاسمًا في عام 1704؛ وأصدر مبعوثه تشارلز توماس مايلارد دي تورنو ملخصاً ينص على أنه سيتم إعلان الحرمان الكنسي على كل مسيحي يقوم بممارسة الطقوس الكونفوشيوسية. وأدت القضية إلى تحريم المسيحية من قبل الإمبراطور الذي جاء بعد كنغسي عام 1714. وبعد أقل من عشرين سنة على ذلك، أكد البابا كليمنت الحادي عشر على الرأي السابق بشأن الأعراف الصينية، وأنهى كل نقاش حولها. وتم طرد المبشرين اليسوعيين من البلاد في عام 1721.[46] وكان يونغ تشنغ إمبراطور سلالة تشينغ الحاكمة، يعارض بشدة تحول شعب المانشو إلى المسيحية. وفي عام 1716 وصل تجار مسيحيين شرقيين من الأرمن والروس إلى لاسا في التبت.
مملكة تشينغ
جاءت موجات أخرى من المبشرين إلى الصين في عهد سلالة تشينغ الحاكمة (1644-1911) نتيجة للاتصال بالقوى الأجنبية، ووصلت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية إلى البلاد في عام 1715، وبدأ البروتستانت في دخول الصين في عام 1807. وبحلول عقد 1840 أصبحت الصين وجهة رئيسية للمبشرين البروتستانت القادمين من أوروبا والولايات المتحدة. وعاد المبشرين الكاثوليك إلى البلاد من جديد بعد بضعة عقود. واجه المبُشرين معارضة كبيرة من النخب المحلية، والتي كانت ملتزمة بالكونفوشيوسية واستاءت من النظم الأخلاقية الغربيَّة. وكان يُنظر إلى المبشرون في كثير من الأحيان كجزء من الإمبريالية الغربية. وكان طبقة النبلاء المتعلمين يخشون على قوتهم، حيث خشت النخبة الموجودة في السلطة أن يحل محلها الكتاب المقدس والتدريب العلمي والتعليم الغربي. في الواقع، تم إلغاء نظام الفحص في أوائل القرن العشرين من قبل الإصلاحيين الذين أعجبوا بالنماذج الغربية للتحديث. كان الهدف الرئيسي من التبشير هو التحويل إلى المسيحية. وكانت البعثات التبشيريَّة أكثر نجاحاً في إنشاء المدارس والمستشفيات والمستوصفات. وقاموا بإنشاء مدراس تدريب للممرضات. أسس كل من الرومان الكاثوليك والبروتستانت العديد من المؤسسات التعليمية في الصين من المرحلة الابتدائية إلى المستوى الجامعي، وبدأت بعض الجامعات الصينية الأبرز كمؤسسات مسيحية دينية. عمل المبشرون على إلغاء الممارسات مثل ربط القدم، والمعاملة الظالمة للجواري، بالإضافة إلى وكذلك البدء بالعمل الخيري وتوزيع الطعام على الفقراء. من جهة أخرى تجنبوا الانخراط في السياسة الصينية، لكنهم كانوا معارضين للأفيون، وجلبوا العلاج لكثير من المدمنين. بعض القادة الأوائل في جمهورية الصين، مثل سون يات سين، اهتدوا إلى المسيحية وتأثروا بتعاليمها.
تضمن قانون حكومة تشينغ حظراً على «السحرة وجميع الخرافات». أضاف الإمبراطور جياكينغ في عام 1814، فقرة سادسة للإشارة إلى المسيحية، وتم تعديلها في عام 1821 وطبعها في عام 1826 من قِبل إمبراطور دوجوانغ والذي قام بحظر السماح بنشر المسيحية بين الهان الصينيين والمانشو. والمسيحيون الذين لن يتوبوا عن اعتناقهم، كان يتم إرسالهم إلى المدن المسلمة في سنجان، ليتم بيعهم كعبيدًا للزعماء المسلمين والبيك.[57] وكان البعض يأمل في أن تميز الحكومة الصينية بين البروتستانتية والكنيسة الكاثوليكية، لأن القانون كان موجهاً ضد روما، ولكن بعد أن بعث المبشرون البروتستانت بين عام 1835 وعام 1836 كتبًا مسيحية إلى الصينيين، طالب الإمبراطور داو قوانغ بمعرفة من هم «السكان الأصليين الخائنون في كانتون الذين زودوهم بالكتب».
ازدادت وتيرة النشاط التبشيري بشكل كبير بعد حرب الأفيون الأولى في عام 1842. واستمر المبشرون المسيحيون من خلال مدارسهم، وتحت حماية القوى الغربية، في لعب دور رئيسي في تغريب الصين في القرنين التاسع عشر والعشرين. وتكاثرت البعثات التبشيرية المسيحية في الصين عقب شقّ الدول الأوروبية الأوروبية المستعمرة طريقها إلى الصين بالقوة في القرنين التاسع عشر والعشرين، ودخل الآلاف من الصينيين إلى الديانة المسيحية خصوصًا إلى المذهب الكاثوليكي والبروتستانتي. وترجمت الكتب المسيحية المختلفة والكتاب المقدس إلى اللغة الصينية. وبالإضافة إلى نشر وتوزيع الأدب المسيحي والأناجيل، عززت الحركة التبشيريَّة البروتستانتيَّة في الصين كتب المعرفة مع غيرها من الأعمال المطبوعة عن التاريخ والعلوم. وعندما ذهب المبشرون إلى العمل بين الصينيين، أسسوا وطوروا مدارس وقدموا التقنيات الطبية من الغرب. وعمل ليانغ فا («لونغ فات» باللغة الكانتونية) في شركة طباعة في غوانغتشو في عام 1810، وتعرف بروبرت موريسون الذي ترجم الكتاب المقدس إلى الصينية واحتاج إلى طباعة الترجمة. عندما وصل وليم ميلن إلى غوانغتشو عام 1813 وعمل مع موريسون على ترجمة الكتاب المقدس، تعرف أيضًا بليانغ التي اعتمدت عام 1816. وفي عام 1827، رسم موريسون ليانغ ليصبح إرساليًا في جمعية لندن الإرسالية وأول قس ومبشر صيني بروتستانتي.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر قامت الكنيسة الأرثوذكسية بخطوات واسعة في مجال التبشير في الصين، حيث أرسل للبلاد الكثير من رجال الدين والوعاظ الروس. تزامن ذلك مع ترجمة الكثير من الكتب الروحية والدينية المسيحية للغة الصينية. وخلال الأربعينيات من القرن التاسع عشر، نشر المبشرون الغربيين المسيحية بسرعة من خلال «مدن الموانئ» الساحلية المعينة رسميًا والتي كانت مفتوحة للتجارة الخارجية. وتم ربط تمرد تايبينغ (1850-1864) في أصوله بتأثير بعض المبشرين على الزعيم هونج شيوشيان. وكان التمرد حربًا أهلية واسعة النطاق في جنوب الصين، وامتد من سنة 1850 إلى سنة 1864، ضد حكم مملكة كينغ بقيادة المانشو. كان هذا التمرد بقيادة المهرطق المسيحي المتحول عن دينه هونج شيوشيان، الذي ادعى أنه الشقيق الأصغر لـيسوع بعد أن زعم نزول وحي السماء عليه، لكن الجماعات المسيحية الرئيسية أدانته بالهرطقة. وأنشأ هونغ مملكة تايبينغ السماوية واتخذ من نانجينغ عاصمة لها. سيطر جيش المملكة على أجزاء كبيرة من جنوب الصين، في أوج حكمه لأكثر من ثلاثين مليون نسمة. وحاول المتمردون إجراء إصلاحات اجتماعية لإيمانهم «بالملكية المشتركة». دعا نظامه الثيوقراطي والعسكري إلى إجراء إصلاحات اجتماعية، بما في ذلك الفصل الصارم بين الجنسين، وإلغاء ربط القدم، والتنشئة الاجتماعية للأرض، وإلغاء التجارة الخاصة، والاستعاضة عن الكونفوشية والبوذية والديانة الصينية. قُضي على تمرد تايبينغ في نهاية المطاف من قِبل جيش تشينغ بمساعدة من القوات الفرنسية والبريطانية. وكان سون يات سين وماو تسي تونغ ينظران إلى التايبينغ باعتباره ثورة بطولية ضد نظام إقطاعي فاسد.
كانت الشؤون المحلية في الصين تحت سيطرة المندرين ورجال النبلاء المالكين للأراضي، والذين قادوا المعارضة للعمل التبشيري. ووفقًا للمؤرخ بول فارغ «استند العداء الصيني للمبشر أولاً على حقيقة أن المسيحيَّة الغربيَّة كانت غريبة تمامًا وغير مفهومة لدى الصينيين. وكانت هناك معارضة بناءً على ما فهموه، وهو البرنامج التبشيري الثوري. شعر الأدبيون منذ البداية بأن التنصير سيحرمهم من قوتهم. زكان هناك عداء شديد لدرجة أن القليل من المبشرين اعتبروا أنه من المفيد بذل أي جهد لكسبهم». اندلعت في الصين بين عام 1899 وعام 1901 ما عرفت بثورة الملاكمين، وهي ثورة أطلق شرارتها غضب الصينيين من النفوذ الأجنبي الذي كان يتنامى في البلاد من جميع النواحي (التجارية، السياسية والدينية)، أدى ذلك إلى هجمات عنيفة شنها الثوار ضد أتباع الديانة المسيحية من المبشرين المسيحيين وأيضاً المسيحيين الصينيين الذين اعتبروهم مسؤولين عن الهيمنة الأجنبية في البلاد. ومع استمرار الانتفاضة قتل عشرات الآلاف من المسيحيين الصينيين من مختلف الطوائف، خصوصاً في مقاطعات شاندونج وشانخي وكذلك في العاصمة. وتعرض المبشرون للمضايقة والقتل، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المتحولين الصينيين. وكانت المجتمعات الكاثوليكيَّة هدفًا للاحتجاجات الصينية المعادية للمسيحيين، ولا سيّما خلال مذبحة تيانجين، حيث أدت أعمال الشغب التي اندلعت بسبب شائعات كاذبة عن مقتل أطفال إلى مقتل قنصل فرنسي وأثارت أزمة دبلوماسية. ووقفت الحكومة الصينية بحالة من الشلل والعجز أمام هذه الانتفاضة، وباستمرار الثوار بمحاصرة بكين وقتل الأجانب تحالفت ثمان دول وهي الإمبراطورية النمساوية المجرية، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، روسيا، بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية وأرسلوا قوات متعددة الجنسيات قوامها 20,000 رجل لإنقاذ الرعايا الأجانب والبعثات الدبلوماسية والتبشيرية المسيحية. وأُجبرت الحكومة الصينية بعدها على تعويض الضحايا وتقديم تنازلات إضافية للدول الكبرى.
يرى العديد من العلماء أن الفترة التاريخية بين ثورة الملاكمين والحرب اليابانية الصينية الثانية هي العصر الذهبيّ للمسيحيَّة الصينيَّة، حيث نمت أعداد المتحولون بسرعة وبنيت الكنائس في العديد من مناطق الصين. وبحلول عام 1900 كان هناك حوالي 1,400 كاهن وراهبة كاثوليكي في الصين يخدمون ما يقرب من مليون كاثوليكي، وكان هناك أكثر من 3,000 مبشر بروتستانتي ناشطين بين 250,000 مسيحي بروتستانتي في الصين.وأنشأ المبشرون الغربيون والذين كانوا أيضاً أطباء عيادات ومستشفيات، وقادوا التدريب الطبي في الصين، وبدأ المبشرين بإنشاء مدارس تدريب للممرضات في أواخر عقد 1880. وفي أعقاب المؤتمر التبشيري العالمي في عام 1910 في غلاسكو، قام المبشرون البروتستانت بالترويج بنشاط لما أطلقوا عليه اسم «التوطين»، وهو تعيين قادة الكنائس للزعماء المسيحيين المحليين. بعد الحرب العالمية الأولى، عززت حركة الثقافة الجديدة أجواء فكرية شجعت العلم والديمقراطية. على الرغم من أن بعض قادة الحركة، مثل تشن دوكسيو، أعربوا في البداية عن إعجابهم بالدور الذي لعبته المسيحية في بناء دول الغرب القوية، وكذلك تركيزها على الحب والخدمة الاجتماعية، فقد أصبحت المسيحية مرتبطة في نظر الكثيرين الشباب الصيني مع السيطرة الأجنبية على الصين. وهاجمت الحركة المناهضة للمسيحية عام 1923 المبشرين وأتباعهم على أساس أنه لا يوجد دين علمي وأن الكنيسة المسيحية في الصين كانت أداة للأجانب.
بدأ السكان الصينيين الأصليين التبشير بالمسيحية في أواخر القرن التاسع عشر. كان مان كاي وان (1869-1927) واحدًا من أوائل الأطباء الصينيين في الطب الغربي في هونغ كونغ، والرئيس الأول لرابطة هونغ كونغ الطبية الصينية (1920-1922، سلف جمعية هونغ كونغ الطبية)، وزميل في المدرسة الثانوية سون يات سين في الكلية المركزية الحكومية (المعروفة حاليًا بكلية الملكة) في هونغ كونغ. تخرج وان وصن من المدرسة الثانوية معًا عام 1886. كان الدكتور وان أيضًا رئيسًا لجريدة مسيحية تدعى غريت لايت، التي كانت تُوزع في هونغ كونغ والصين. كان أو فونغ تشي حما وان (1847-1914)، أمين إدارة الشؤون الصينية في هونغ كونغ، ومدير مستشفى كونغ واه لافتتاحه في عام 1911، وأحد شيوخ كنيسة تو تسي (أُعيد تسميتها بكنيسة هوب يات منذ عام 1926)، التي أسستها الجمعية لندن الإرسالية في عام 1888، وكانت كنيسة سون يات سين.
القرن العشرين
أعلن قيام الجمهورية الصينية بعد نجاح ثورة «وو تشانغ» التي اندلعت شرارتها في العاشر من أكتوبر عام 1911 ضد حكم أسرة تشينغ للبلاد، وفي الأول من يناير عام 1912 أعلن صن يات سين قيام الجمهورية بالصين رسميا ونصب نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد لحين انتخاب رئيسا يحكم البلاد. وفي العاشر من مارس عام 1912، وكجزء من اتفاقية تنازل الإمبراطور بوئي عن عرش البلاد تم انتخاب يوان شيكاي رسميا كرئيس للبلاد، يذكر أن صن يات سين كان قد تحول للمسيحية البروتستانتية في شبابه وبالتالي يعتبر أول رئيس مسيحي في الصين. ولعبت الكنيسة المشيخية دورًا سياسيًا هامًا في تايوان فقد دعمت الكنيسة المشيخية الحركة الديمقراطية في تايوان وإنتمت العديد من العائلات السياسيّة العريقة في تايوان للكنيسة المشيخية. وكان العديد من الزعماء السياسيين في العصر الجمهوري من المسيحيون البروتستانت، بمن فيهم صن يات سين، وشيانج كاي شيك، وفنغ يوشيانغ، وانغ تشنغ تينغ. خلال الحرب العالمية الثانية، دُمرت الصين بسبب الحرب اليابانية الصينية الثانية واجهت الغزو الياباني والحرب الأهلية الصينية، والتي أدت إلى فصل تايوان عن الصين القاريَّة. في هذه الفترة، كانت للكنائس والمنظمات المسيحية الصينية أول تجربة لها مع الحكم الذاتي بعيداً عن الهياكل الغربيَّة للمنظمات الكنسية التبشيرية. يقترح بعض العلماء أن هذا ساعد في إرساء أُسس الطوائف والكنائس المستقلة لفترة ما بعد الحرب والتطور النهائي للحركة الوطنية الذاتية والكنيسة الوطنية الكاثوليكية. في الوقت نفسه، أعاقت فترة الحرب العالمية الثانية المكثفة إعادة بناء الكنائس وتطويرها.
أسفرت الحرب الأهلية الصينية عن إنشاء صينين، في 1 أكتوبر من عام 1949 أعلن ماو تسي تونغ جمهورية الصين الشعبية. أطلق على البلاد أيضاً اسم «الصين الشيوعية» أو «الصين الحمراء». بينما حافظت جمهورية الصين بقيادة كومينتانج على حكومتها على أرض تايوان المنعزلة. في ظل الإيديولوجية الشيوعية، تم اعتماد الإلحاد كعقيدة رسميّة من قبل الدولة، وغادر المبشرون المسيحيون البلاد فيما وصفه فيليس طومسون من بعثة الصين الداخلية بأنها «هجرة مترددة»، تاركين الكنائس المحلية للقيام بإدارتها ودعمها. وعندما استولى الشيوعيون على الحكم في الصين عام 1949، طردوا المسيحيين ووضعوا الكنائس تحت سيطرتهم. وواجه المسيحيون الاضطهاد الشديد تحت حكم ماو تسي تونغ خلال الثورة الثقافية في سنوات بين 1960 إلى 1970. وبالتالي بدأت موجة من التضييق والاضطهاد بحق المسيحيين في الصين. وسمحت الصين للكنائس المسجلة أن تكون قائمة لأنها تحت رقابتها، وأرادوا أن ينشروا الفكر الشيوعي في الكنيسة. في ذات الوقت أقيمت مئات الآلاف من الكنائس غير الرسمية تحت الأرض في جميع أنحاء البلاد. حظر ماو تسي تونغ الدين حتى وفاته في عام 1976، وكان «الموقف الماركسي تجاه الدين يدين الدين ويعتبره عائقًا أمام النمو الاقتصادي». خلال فترة السنوات العشر، بدأت الحكومة في قمع واضطهاد جميع الأديان. هذا أجبر المسيحيين على أن يكونوا سريين ويختبئون تحت الأرض لتجنب إعدامهم من قبل الحكومة الشيوعية.
الوضع الحالي
بدأت الأديان في الصين بالتعافي بعد الإصلاحات الاقتصادية في عقد 1970، وفي عام 1979، أعادت الحكومة الاعتراف رسمياً بالكنيسة البروتستانتية تحت اسم الحركة الوطنية الذاتية بعد ثلاث عشرة عامًا من عدم الاعتراف فيها، وفي عام 1980 تم تشكيل المجلس المسيحي الصيني. أعضاء الكنيسة الرومانية الكاثوليكية السريَّة في الصين، أي أولئك الذين لا ينتمون إلى الرابطة الكاثوليكية الوطنية الصينية والمخلصين للفاتيكان والبابا، لا يزالون عُرضة نظريًا للاضطهاد اليومي. نما إحياء روحاني مسيحي في العقود الأخيرة، ومع ذلك يظل الحزب الشيوعي ملحدًا رسميًا، ويظل غير متسامح مع الكنائس خارج سيطرة الحزب. وعلى الرغم من ذلك تعتبر المسيحية من الأقليات الدينية في الصين الأسرع نمواً وخاصةً في المئتيّ سنة الماضية، حيث يتواجد بين 70 إلى 150 مليون مسيحي. ومن المتوقع أن تصل أعداد السكان المسيحيين في الصين إلى أكثر من 400 مليون شخص بحلول عام 2040، الأمر الذي سيجعل الصين أكبر دولة مسيحية على الأرض. وبلغ عدد المسيحيين الإنجيليين البروتستانت في الصين عام 2010 حوالي 58 مليون مسيحي، ووفقاً لمنتدى مركز بيو لللأبحاث الدينية والحياة العامة، وتشير عدد من الدراسات أن عدد المسيحيين في الصين سيصل إلى 160 مليون مسيحي إنجيلي بروتستانتي عام 2025. هذا يعني انه من المرجح أن تكون الصين الدولة التي ستحتوي على أكبر عدد للمسيحيين الإنجيليين في العالم، وستتفوق على الولايات المتحدة التي يتوقع أن يكون عدد البروتسانت فيها 159 مليون نسمة في ذات العام. وفقًا لدراسة المؤمنون في المسيح من خلفية مسلمة: إحصاء عالمي وهي دراسة أجريت من قبل جامعة سانت ماري الأمريكيّة في تكساس عام 2015 وجدت أنَّ حوالي 4,000 مُسلم تحول إلى المسيحية في الصين.
تشير مصادر مختلفة إلى أن عدد متزايد من الصينيين يتحولون إلى المسيحية، خاصةً إلى الرومانية الكاثوليكية والبروتستانتية. وتشير عدد من المصادر إلى نمو فئة الشباب والمتعلمين وسكان المدن بين المتحولين للمسيحية الصين. وبحسب إحصائية لجامعة شيان جياوتونغ الصينية كان 30% من المتحولين إلى المسيحية من فئة الشباب. وبحسب مصدر يتحول بين 60,000 إلى 70,000 صيني سنوياً إلى المذهب الكاثوليكي.وأظهرت دراسة للحياة الدينية لطلاب الجامعات في بكين نشرت في مجلة الأكاديمية الصينية للعلوم والإلحاد في عام 2013 أن هناك نمو سريع للمسيحية بين طلاب الجامعات. واليوم، ووفقا لبعض التقديرات، يوجد مسيحيون في الصين أكثر من عدد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، وبحسب بي بي سي يتحول الكثير من المسيحيين في الصين للكنائس السرية، ويتعرض الحضور في الكنائس السريَّة لخطر التحرش، وفي بعض الأحيان الاعتقال من قبل السلطات.
في عام 2018 وقعت بكين والفاتيكان اتفاقاً حول مسألة تعيين الأساقفة الشائكة والتي تمنح البابا حق اختيار المرشحين الذين تقترحهم الرابطة الكاثوليكية الوطنية الصينية التابعة للحكومة الصينية، ولهذه المناسبة قبل البابا بالاعتراف بتعيين سبعة أساقفة عينتهم الحكومة الصينية دون موافقته. في عام 2019 أشارت تقارير إلى حملات الاضطهاد التي يُعاني منها المسيحيون في الصين، حيث أغلقت الحكومات المحلية مئات الكنائس غير الرسمية التي تعمل خارج شبكة الكنائس المرخصة رسمياً. وفي عام 2018 وقع حوالي 500 من زعماء الكنائس بيانًا جاء فيه أن السلطات أزالت الصلبان من البنايات وأجبرت الكنائس على رفع العلم الصيني وغناء الأغاني الوطنية. من أجل وقف نمو جيل جديد من المسيحيين، أصدرت الحكومة لوائح جديدة تضمنت منع الأطفال دون سن 18 عامًا من الذهاب إلى الكنائس في بعض المناطق، وطلبت من أطفال آخرين ببعض المدارس التوقيع على استمارات تفيد أنهم لا يتبعون أي دين.ومن يمتنع عن التوقيع يتم تسجيل الأمر في ملفه الشخصي الذي تحتفظ به إدارات الحكومة المحلية مما قد يكون له عواقب مستقبلية عليه.وفي أغسطس عام 2019 تمت سيامة أول أسقف في الصين منذ إبرام الإتفاق في عام 2018 بين بكين والكرسي الرسولي كما أعلن الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية التابعة للنظام الشيوعي.
استخدمت حكومة الصين، والتي تتمسك بسياسة إلحاد الدولة، جائحة فيروس كورونا 2019–20 لمواصلة حملاتها ضد الأديان، وقامت بهدم كنيسة شيانغبايشو في ييشينغ وإزالة الصليب المسيحي من برج كنيسة في مقاطعة قوييانغ. وفي مقاطعة شاندونغ، «أصدر المسؤولون توجيهات تمنع الوعظ عبر الإنترنت، وهي وسيلة حيوية للكنائس للوصول إلى الرعايا وسط الاضطهاد وانتشار الفيروس». وفي 12 أبريل من عام 2020 أعتقل قس اعتقلت الشرطة الصينية قسًا والعديد من أعضاء كنيسته من مقاطعة سيتشوان أثناء مشاركتهم في جلسة عبادة على الإنترنت.