كنيسة سيّدة المعونات – سمار جبيل
بلدة سمار جبيل واحدة من أقدم البلدات اللبنانية في نواحيها حكايات عظمة وتاريخ وقداسة… وهي واحدة من أقدم البلدات اللبنانية وهي تحتضن تراثاً تاريخياً ضخماً.
تقع بلدة سمار جبيل في قضاء البترون، على علو 450 متراً عن سطح البحر، ويحدها من الشمال بلدة مراح شديد ومن البحر كفر عبيدا، أما من الجنوب فحدودها تحوم وراشانا، ومن الشرق جران ومراح الزيات. تعد البلدة من أقدم البلدات اللبنانية
وقد شقّت طريقها على الخريطة السياحية إنطلاقاً من الأوتوستراد الذي يمر في وسطها والمعروف بطريق القديسين رفقا والحرديني. فازدادت فيها عدد المحال التجارية واتسعت رقعة المقاهي والمطاعم والفنادق. ويتطلع أهالي البلدة إلى مستقبل لبلدتهم من خلال ترميم قلعتها الأثرية. أشجار التين والزيتون واللوز وكروم العنب جعلت من سمار جبيل بلدة يحلو فيها العيش الهني في طبيعة خلاّبة ومعطاء. وقد استغل الأهالي موارد الطبيعة هذه لتحضير أصناف “المونة” اللبنانية. يرجح أن كلمة سمار جبيل تحريف لفظ فينيقي قديم (Shemer) يعني الحارس والمراقب، فيكون بذلك معنى سمار جبيل حارس جبيل. وثمة احتمال آخر أن يكون الإسم مؤلفاً من 3 ألفاظ فينيقية وهي سيم: قبر، مار: أسياد، وجبيل، ومعناها قبور ملوك جبيل. يعتبر أساس القرية فينيقياً حيث توجد رسوم محفورة على الصخور فيها تدل على أن أحد الملوك الفينيقيين أدّى الطاعة جاثياً لملك آشور للجهة الشمالية.
في سمار جبيل يقوم بالقرب من كنيسة مار نوهرا الأثرية معبد قديم في داخله آثار مذبح أثري، واسمه اليوم “كنيسة سيدة المعونات”، وقد نقش عليه في القديم صليب لتبريكه إلا أن حجارة سقفه تساقطت، وقامت في داخله شجرة سنديان معمّرة .
كنيسة سيدة المعونات هي كنيسة عتيقة جدا مُهَدَّمَة على إسم سيّدة المَعونات، يَعود تاريخها إلى ما قبل عهد الصَليبيين، ويَتَخِذ الأهالي من سَيّدَتها شَفيعةً لهم. هي ذات مَدخلٍ واحد لجِهتها الغربية، يِتِقدَّمَه رَواق ذات قنطرةٍ واحدة لم يَكن علوُّه أساساً ليَصِل الى مُستوى سَطح الكنيسة لوجود كُوَّة فَوقَه على شَكل صليب. كما أنها ذات جِناحٍ واحِد وأمامِها سَقيفة صغيرة، كما تَبدو أحجار قديمة في أحد الجِدران. والكنيسة كانت مَعقودةً، وهي ذات سوقٍ واحِد، نَمَت سِنديانة كبيرة في حائِطها الجنوبيّ.
حَنيَّتها مُكوَّرَة وناتئة، وعَقدها روميّ، وَيتوسَّطها كورنيش. وجُدرانها كانَت تَحمِل رُسوماً بقي منها صليب أذرعه على شَكل ورق الزَّهر وتُحيط به دائرة، وأرضها كانت مفروشة بالفسيفساء. وفي زاويتها الخارجية الجَنوبية الغَربية، حِجارة ضَخمة يَصِل طول بعضها الى حوالي الثلاثة أمتار، والزاوية الخارجية الشَمالية الغربية فيها أحجار كبيرة مَصقولة كانت تابعة لبناءٍ أقدَم عهداً، مِنها حَجَر ضَخم مُستطيل كان غَطاءً لناووسٍ مُتقن، وهو بقياس 200 x 120 سنتم، وقد حُفر على وَجهِه البارز، الذي يُشكّل قَعره، إطار ناتىء في ثلاثة أطرافٍ منه، فيما حُفِر على طَرَفِه الرابع مُربَّع نافر يَصِل الى مُستواه، وعلى هذا الحَجَر صُلبان مُقرَّنة الأطراف.
ومن بين الحِجارة التي لم تَدخُل في البناء، واحدٌ يبدو كأنه مَذبَح وثنيّ، وحَجَر آخر عليه كتابة يونانية بقي منها، بعد أن أُصيب هذا الحَجَر بالقَضم نَتيجةَ التقصيب، سطر كامل تعلوه أحرف ثلاثة.
قُلنا إن هذه الكنيسة تَعود إلى ما قبل العهد الصليبي، ونوضِح هنا أنها تَعود الى العَصر الوسيط، يَعني أنها أقدم عهداً من كنيسة مار نوهرا، وهي أيضاً أصغر من هذه الكنيسة. وإذا وَلَجنا إليها نَكتَشِف الشَبَه ما بينها وبين الكنائس اللبنانية الريفية العائدة لتلك الحقبة. الجِناح الذي كان في الأصل معقوداً، ينتهي بِخورُس على شَكل مِحرابٍ نُصف دائريّ، والجُدران المَطلية إحتَفَظَت، في بعض الأماكن منها، بآثار تصاوير، وبِكتل تَعود الى العُصور القديمة جَرى إدخالها ضِمن الجُدران كما كانت الحال غالباً في ذلك العهد. ويتقدَّم الجِناح مَدخل ذات عقد جسرٍ واحد. وخط القَنطرة النُصف أسطوانية مَكسور. وجِزء كبير من هذه القنطرة لم يَعد موجوداً. وعلى مُستوى صَدَفة المِحراب تَبدو بقايا عملٍ تزيينيّ مَصنوع من الطِلاء، يُبدي لنا بِصعوبة نَموذجين زاهرين بشكلٍ صليبيّ تَضُمُّهما دائرة.
كنيسة سيّدة المعونات مَبنية في جزءٍ كبيرٍ منها بموادّ بناء تَعود إلى العصور القديمة، ولم يبقَ من بنائها اليوم سوى جدران توشك أن تسقط.