شير و كنيسة مار يوحنّا المعمدان القديمة في بلدة أميون ، قضاء الكورة
إن إسم بلدة “أميون” قديم جداَ يرجع إلى العهود الآرامية القديمة (آمون)، وكلمة أميون الحالية هي لفظة تعني” المحصنة الشديدة” أي “الحصن المنيع” .تقع أميون عاصمة قضاء الكورة في وسط لبنان الشمالي ،و يتجاوز عدد سكانها العشرين ألفاَ.
يعود تاريخ بلدة أميون إلى أواسط القرن الأنيولتي والجماعات الأنيوليتية التي تواجدت في هذه المنطقة قبل مجيىء الشعوب السامية القديمة (أي منذ أكثر من ٤٠٠٠ سنة قبل الميلاد)، حيث بقيت فيها على مر العصرين الحجريين المشطوب (بوليوليتيك) والمصقول (نيوليتيك) ،و هذا ما يدل على وجود المغاور (وإن كانت صغيرة) في تلة أميون الصخرية أي البلدة القديمة حالياَ ، والتي تحتوي على نقرات شير مار يوحنا وكاتدرائية القديس جاورجيوس الدهليز الأثرية اللذين يعتبران من أقدم آثار أميون.
كنيسة النبي القديس يوحنا المعمدان الأثرية
أو كنيسة القديس يوحنا الشير: ترتفع على منحدر صخري فوق عدد من الأقبية في الواجهة الجنوبية الشرقية من الجرف. وفيها مشهد ثلاثي لكنيسة صليبية (1099-1100 م) وأسفلها تظهر بالواجهة 26-28 سردابًا بانورامي الشكل محفورًا بالجرف الصخري، والتي يشير تأريخها بالكربون إلى ما بين (15,000-24,000 سنة). هذا الشير الذي شهد اكتشافاً أثرياً للفنان نقولا العجيمي والمتمثل ببروز نقوش وطيور ضخمة على واجهته الخارجية إضافة إلى اكتشاف رسوم وكتابات داخل الشير.
وفقاً لكتيّب صادر عن بلدية أميون، إن هذه الكنيسة، التي تعود إلى الحقبة المملوكية، بنيت الكنيسة على طراز عقد، وتعلوها قبة على شكل قرميد مثمن الأضلاع، وفي أسفل كل منها نافذة. ولهذه الكنيسة ميزات عدة: أولاً تحوي 55 أيقونة، منها ما يعود إلى القرن الثامن عشر، كما أنها الكنيسة الوحيدة في أميون التي تتنوع فيها الأيقونات ما بين الملكية البزنطية والملكية اليونانية الحديثة والغربيّة، وكذلك تمّ إحصاء حوالي ست مدارس فنية لتصوير الأيقونات في هذه الكنيسة.
داخل كنيسة القديس مار يوحنا
الشير الصخري
أما الشير الصخري الذي بنيت عليه الكنيسة، فقد أثبت انه معقل لخفايا تاريخية. كثر يتساءلون عن معنى كلمة الشير، هي تعني الجرف الصخري الشاهق والذي ينطبق في شكل كامل على شير أميون.
لكن أكثر ما يميز هذا المكان هو 28 تجويفاً صغيراً محفوراً في واجهة السفح المقعرّ للشير، هي عبارة عن مدافن استخدمت في الحقبة الرومانية. ووفقاً للبلدية إن هذه الفتحات أو التجويفات، تمثّل نوافذ للغرف المحفورة في الصخر والبالغ عددها 28 نافذة. أما الغرف فبعضها متصل ببعض، والبعض الآخر منفرد، كما أن عملية التنقل في ما بينها تتم عبر فتحات لا يتعدى قطر بعضها 40 سم .
وأظهرت دراسة حديثة للعجيمي وجود نقوش ورسوم ورموز بالألوان داخل هذه الغرف، وبعض تلك الرسوم شبيه بالرسوم البدائية لدى شعوب ما قبل التاريخ (أي أقدم من 3000 سنة قبل الميلاد، وربما أكثر بكثير)؛ وبعض النقوش الأخرى تمثل رؤوساً بشرية تعتمد نمطين فنّيين مختلفين، شبيهين بـ”النمط الفرعوني والنمط الرافد”، وفق العجيمي. ويقول “دخلت هذه الغرف -الكهوف مرتين في العام 2008 و2011 بدعم من بلدية أميون التي اعتبرت أن دراسة كهذه ستعود بالمنفعة على البلدة بأكملها”. ففي المرة الأولى لدخوله الغرف، في العام 2008، اكتشف رسوماً بدائية في داخله وتحتوي على الألوان، علماً أن الواجهة الخارجية للصخر تبدو محروقة اللون.
ووجد ايضاً ثلاثة نماذج من الفخار: أبيض، أحمر، أسود محمر. وفي المرة الثانية في العام 2011 دخل العجيمي إلى المجموعة المؤلفة من 10 غرف، والتي يسهل التنقل بينها لدراستها دراسة تفصيلية، وخصوصاً الأشياء المرسومة على الجدران. وقد وجد على حائط إحدى الغرف “بنك” محفور بالصخر، ويوجد فوقه على الحائط نوع من الأشكال التي رسمت أو كتبت ببصمة اليد.
ويذكر أن هذه هي المرة الأولى التي يتم اكتشاف كتابة باستخدام بصمة اليد”. لكن وفقاً للبلدية فإن أهم اكتشاف أثري قام به العجيمي هو اكتشاف نقوش بشرية وطيور ضخمة أثناء تشريحه فنيا للواجهة الخارجية للشير الصخري. ويقول العجيمي إن كبار السن في أميون كانوا يرون أن هناك نسراً كبيراً على الشير الصخري. وأثناء تشريحه الواجهة الخارجية للشير استطاع رؤية نوذج للنسر الذي تكلم عنه الكبار في السن على الجهة اليسرى من الشير. وعلى ضوء اكتشافه النسر قرّر العجيمي التعمق أكثر في الواجهة الصخرية، مستنداً إلى معلوماته ان الشعوب القديمة كانت تتخذ أعلى نقطة وتعتمدها في الرسم. فاتبع الطريقة المذكورة وأخذ أعلى نقطة من الشير الصخري للكنيسة، وتدرج بخط مستقيم فبانت نقوش مدمرة أو مشوهة لرجل لديه لحية ويحمل عصا بيده وسط الشير. وكان هذا أول اكتشاف بعد النسر. وباستخدام الطريقة ذاتها اكتشف العجيمي على الجهة اليمنى من الشير نسراً لديه رقبة طويلة من المرجح أن يكون أحد النماذج النادرة لطائر الفينيق في لبنان. يذكر أن العجيمي وثقّ ما رآه داخل هذه الكهوف بالصور، وقدّم ملفاً عن هذه الاكتشافات باسم بلدية أميون الى المسؤولة عن منطقة الشمال في المديرية العامة للآثار سمر كرم، إلا أنه لم يلقَ رداً حتى الساعة. موقف البلدية من جهته، أكدّ رئيس المجلس البلدي في أميون جرجي بركات “إننا على اتصال بجامعة البلمند والسفارة الروسية للكشف على الآثار المطمورة في أميون.
26 – 28 تجويفاً صغيراً محفوراً في واجهة السفح المقعرّ للشير
اكتشاف نقوش ورسوم داخل الشير الصّخري لكنيسة القديس يوحنا المعمدان في أميون | ZENIT – Arabic