تأمّل من وحي الإنجيل
أحد شفاء المنزوفة
يندرج شفاء المنزوفة في سياق ذهاب يسوع إلى بيت إبنة يائيرس نزولاً عند طلب أبيها الّذي سأل بإيمان الشفاء لإبنته.
فيما يحمل يسوع قوة الحياة والقيامة إلى هذه الصبيّة، نرى المنزوفة تتخطّى حشود الجموع لتصل إليه فتغتصب منه الحياة، هو رب الحياة.
لقد وجدت نفسها أمام مرض مستعصٍ عجزت قدرة الطب والقوى البشرية عن معالجته. هي على شفير الموت نظرًا لما يشكل الدمّ من عنصر أساسيّ في حياة الإنسان… إمرأةٌ منزوفة تحمل معاناة إثنتي عشرة سنة من عمرها عرفت بعين الإيمان من هو الشخص الّذي سيبدِّل تاريخها ويعيد إليها القوة والحياة.
لقد تجرأت أن تلمس طرف ثوب يسوع بالرغم من أنها نجسة من جراء مرضها ونجاستها معدية وتحرمها الشريعة من الإختلاط بالجمهور ولا سيما الإقتراب من النبيّ وهنا يكمن سبب حذرها وخوفها من الدنو إلى يسوع.
رغم صعوبة إقترابها من يسوع، تحدّت وتخطّت الحواجز فإقتربت منه ولمست هدب ردائه. هذا الرّداء يرمز إلى وصايا الله فلذلك يحاط بالإكرام. إن هذه اللمسة لثوب يسوع قد طالت عمق كيان يسوع، فأخرجت القوّة التي خلَّصت المنزوفة فنجّتها من هذا المرض العضال وأعطتها تجديدًا روحيّا.
لقد إنتزعت هذه المراة، بثقتها وإيمانها، القوّة والحياة من يسوع. ولم يخفَ هذا الموضوع على يسوع مما جعل المنزوفة تجثو وتسجد وتعلن شفاءها بإختبار فريد للمسة مغايرة لكلّ الّلمسات.
من البديهي أن كثيرين قد لمسوا يسوع بوجودهم قربه، كما قال بطرس، ولكن لمستهم لم تدخل إلى العمق ليكون لقاء وتجديد.
أما لمسة المنزوفة فقد تميّزت بإعترافها الضمنيّ بهويّة يسوع .
وهنا نلفت النّظر إلى رقم رمزيّ في هذا النصّ ألا وهو الرقم 12 فالصبيّة ماتت بعمر 12 سنة والمنزوفة نزفت 12 سنة.
هذا الرّقم يرمز إلى شعب الله في العهد القديم المنقسم إلى 12 سبط . هذا الشعب الّذي خان العهد مع الله فكانت النتيجة الألم والموت تمامًا مثل النازفة التي تألّمت وإبنة يائيرس التي ماتت. لذلك كان شعب الله بحاجة إلى يسوع المخلص لكي يلمسه من جديد ويجدّد العلاقة المبتورة ويعيد له الخلاص والحياة كما فعل المسيح مع إبنة يائيرس والمنزوفة.
ونحن اليوم غالبًا ما يصيب حياتنا نزف من نوعٍ آخر. قد ننزف فنخسر أمورًا مهمة تكاد تفقدنا الرّجاء والأمل في الحياة. عسانا نتبنى موقف المنزوفة ونتحَّين الوقت المناسب لنلمس يسوع معترفين بقوّة حضوره. نحن مدعوّون لأن نلمسه لمسة عميقة ونجعله بالمقابل يلمسنا ويضع يده على عاهاتنا وجروحاتنا وذهنيّاتنا السقيمة. عسانا نلتقيه في مسيرة الصوم فيبدّلنا ويجدّدنا.
هو القيامة والحياة في أوقات الموت والشدّة وهو الرّجاء في لحظات اليأس والقنوط. والشفاء بعد فشل القدرات البشرية وهو القوّة في وقت الضعف وهو النور في ليالي الظلام.
أيّها الربّ يسوع، علّمنا كيف نلمسك وكيف نضع ذواتنا بين يديك فتلمسنا أنت بحنانك.