تأمّل من وحي الإنجيل
أحد شفاء المنزوفة
تعرضُ لنا الكنيسة في هذا الأحد، بعدَ شِفاءِ الأبرص، أعجوبة شِفاءِ المَنزوفة المُزْمِنَة. قد يكون اختيارُ شفاءِ المَنزوفة في هذا الأحدِ بعدَ شِفاءِ الأبرَصِ دليلاً إلى أنَّ البَرَصَ في اللّحم والنَّـزفَ في الدَّم يُعتَبرانِ كِلاهُما في نظرِ الشَّريعَةِ مَرَضًا جَسَديًّا ورُوحيّا يَحْرِمُ صاحبَهما مُخالطَة النّاس. وبهذا يكونُ كِلاهُما رَمزًا لِلبَشَريَّةِ الخاطِئةِ والصائِرَةِ إلى المَوت.
يُصَوِّرُ لنا الإنجيليُّ لوقا هذه المَرأة الواثِقة بِقُدْرَةِ الرَّبِّ لها على أنّهُ حَدَثٌ طارِئٌ مُدرَجٌ في سياقِ شِفاءِ إمْرأة أخرى هي إبنَة يائيرسَ إذ تَفوقُها أهَمِيَّة مِنْ حَيث مَوقِعِها في المُجْتَمع. إنَّ هذه الصَّبِيَّة هيَ إبْنَة أحدِ وُجَهاءِ الشَعْب، رئيسُ المَجْمَعِ، قدْ شارَفتِ على المَوتِ بَلْ قد ماتت. أمَّا المَنْـزوفة فهي تُصارِعُ مَرَضَها مُنذ اثنتَيْ عَشْرَة سَنة. شُفيَتْ مِنْ لمْسِها رِداءَ يَسوع، فهي لِتُعلّمنا بِأنَّ الإيمان هُوَ المَدْخَلُ إلى الحَياةِ المَسيحيَّةِ الحَقيقية.
“وفجأة وقف نزفُ دَمِها” يُطلقُ عُلماءُ الكِتابِ المُقدَّسِ على إنجيلِ لوقا: إنجيلُ رَحْمَةِ الله تِجاهَ المَرأةِ وتِجاهَ كُلِّ الخَطَأة. في هذا النصِّ يُخْبِرُنا الإنجيليُّ لوقا عن إمراةٍ تُعاني مِنْ مَرَضِ النّزيفِ مُنذ اثنتَي عَشرَة سَنة.
فالقدِّيسُ لوقا هو طَبيبٌ يونانيٌّ ولأنّه كان يَحْترِفُ هذِهِ المِهْنة فهوَ يَتكلّم عَنْ الأطِبّاءِ بلهْجَةٍ ذاتُ طابعٍ خُلقُيٍّ فيقول: “وكانتْ أنفقتْ جَميعَ ما عِنْدها على الأطبّاء فلم يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يَشْفيَها”. أمَّا القِدِّيسُ مَرقس فيَتَكَلّمُ عَنِ الأطباءِ بِلهْجَةٍ قاسيةٍ لا تخلو مِن الإنتِقادِ فيقول: “قد عانتْ كثيراً مِنْ أطبّاءَ كثيرين وأنفقتْ كُلَّ ما عِندَها فلمْ تَسْتَفِدْ شيئاً بَلْ صارَتْ مِنْ سَيِّئٍ إلى أسوأ” (مر5 /26)، أيْ قدْ استنزَفها الأطبَّاءُ بِقدْرِ ما استنْزَفها المَرَضُ وكُلُّ ذلك كان بِدونِ جَدوى.
يتكَلّمُ الإنجيليُّ لوقا مُشَدِّداً على رقم “الإثنتي عَشْرَة سَنة” فيقول: “…إبنَة ٌ وَحيدَةٌ عُمْرُها إثنتي عشرَة سَنةٍ قدْ أشْرَفتْ على المَوت”، وعن المَرأةِ المَنزوفةِ فيقول: “وإمرأةٌ كانتْ مُصابة ً بِنَزْفِ دَمٍ مُنذ إثنتَي عشرَة سنة، ولمْ يَقدِرْ أحَدٌ أنْ يَشْفيَها”.
إنَّ عُمْرَ الثانية عَشرَة هُوَ عُمْرُ الزّواجِ وإعْطاءِ الحَياة، وأيضاً الرَّقم الثانية عشرة مَعَ مَرَضِ المَرأةِ التي فيها إمْكانِيَّةِ إعطاءِ الحَياة. إنَّ هذا الرَّقمَ يَرْمُزُ بِحَسَبِ الكتابِ المُقدّسِ إلى الإكتمال أي أنَّ هذا المَرَضَ قدْ وَصَلَ إلى ذرْوَتِهِ ولمْ يَعُدْ هُناك لها أيُّ أملٍ بالشّفاء.
وهذا ما نَشْهَدُهُ في إنجيلِ يوحَنّا بالنسبَةِ إلى موتِ لعازر: “فقال يسوع: إرفعوا الحَجَر! قالتْ له مَرْتا أخْتُ المَيت: يا رَبّ لقد أنتن فهذا يَومُهُ الرَّابع” (يو11). فكان اليهودُ يَعتقِدون بأنَّ المَيتَ يُمْكِنُ أنْ يَقومَ قبلَ أنْ يَدْخُلَ في اليومِ الرَّابِع أيْ قبلَ أنْ يَنْتَن جَسَدُهُ. هذا يعني أنَّ لعازرَ ماتَ ولمْ يَعُدْ هُناك أيُّ أمَلٍ بِقيامَتِهِ إنْ لمْ يُقِمْهُ يَسوع مِن المَوت. وهذِهِ المَرأةُ نَجِسَة مِنْ جَرَّاءِ مَرَضِها. لذلك كان يُحَرَّمُ عليها الإختلاط بالجموع، ولا سيّما الإقترابُ مِن الشّخْصِ إذا كان نبيّا. مِنْ هُنا عندَما أتَتْ النّازِفة إلى يَسوع كانَتْ تَسْلكُ سُلوكَها بِكُلِّ حَذَر.
هذِهِ المَرأةُ النّازِفة ذهَبَتْ تَخْتَبِرُ كُلَّ الحُلولِ لكَي تَسْتَطيعَ إيقافَ نَزْفِ دَمِها. لكِنّها لمْ تُجْدِها نَفعًا.
يَرْمُزُ الدَّمُ في الكتابِ المُقدّسِ إلى الحَياة، فكانت هذه المَرأة المَريضَة بِهذا النَّزيفِ تَخْسَرُ دَمَها أيْ حَياتَها فهي تَموتُ مَوْتًا بَطيئًا. في كُلِّ هذا لمْ يبقَ لها سِوى الحَلُّ الوحيدُ وهُوَ يَسوع المَسيح، وكان هذا الحَلُّ الأخيرُ وآخرُ حبَّةِ خَرْدَلٍ في إيمانِها وهذا ما حملَ يَسوع على أخْذِ القرارِ بِشِفائِها على حَدِّ ما كان يقوله يَسوع:
“… إذا كان لكمْ إيمانٌ بِمِقدارِ حَبَّةِ خَرْدَلْ قُلتُم لِهذِهِ التوتة: إنقلعي وإنْغَرِسي في البَحْر، فأطاعَتْكُم”. (لو 17/6).
بِهذا الإيمانِ تَجَرَّأتِ المَرأةُ النّازِفة ُ وخاطَرَتْ بِحَياتِها رُغْمَ ازْدِحامِ الجُموع حَوْلَ يَسوع. فجاءَتْ مِنْ الوراءِ تَرْتَجِفُ وتقول: “إنْ ألمُس ولو رِداءَهُ أُشْفَ”. عندما لمَسَتْ طرَفَ رِدائِهِ وَقفَ نَزْفُ دَمِها حالاً، فما صَنَعَتْهُ هذِهِ المَرأةُ في الخفاءِ قدْ جاءَ بِهِ يَسوع إلى العَلن. حاولتِ المَرأةُ أنْ تُكَمِّلَ حَياتَها في الخَفاء، إلّا أنَّ اعْتلان أمْرِها أحْرَجَها فأخْرَجَها مِنْ عُزلتِها التي فرَضَها عليها المَرَض. أرادَ يسوعُ أنْ تَعودَ هذِهِ المَرأةُ إلى العَلن بَعْدَ أنْ كانتْ تَخافُ الظهورَ وأنْ تُعْلن شِفاءَها وَخَلاصَها. هذِهِ المَرأةُ لمَسَتْ بِقُوَّةِ إيمانِها رِداءَ يَسوع وفرَضَتْ عليه الشّفاءَ ففرَضَ عليها يَسوعُ الشّهادة أمامَ الجَميع.
إنَّ هذِهِ الأشْفيَةِ التي كان يُجْريها يَسوعُ تَدُلُّ على أنَّ “الله يُريدُ لِلبَشَرِ الحَياة والحَياة الوافِرَة” (يو10/10). فقدْرَةُ الشّفاءِ لا تُوقِفُها نَجاسَة كما لا يُوقِفُها المَوتُ نفسُهُ. إنَّ لِيَسوع وَحْدَهُ السُّلطان المُطلق على شِفاءِ الإنسانِ وهذا ما طَبَعَ كُلَّ حَياتِهِ العَلنيَّةِ عندما كان يقومُ بِكُلِّ الشّفاءَات: “وكان الجَمْعُ كُلّه يُحاوِلُ أنْ يَلمُسَه، لأنَّ قوَّةً كانت تَخْرُجُ مِنهُ فتُبْرِئهُم” (لو6 /19).
هذا الشّفاءُ تَمَّ بِلمْسَةٍ مِنْ يَسوع لِلأبْرَصِ وَبِلمْسَةٍ مِن المَنزوفةِ لِطَرَفِ رِداءِ يَسوع. هذا ما يحْدُث في الأسرارِ المُقدَّسَة التي لها طابعٌ مَلموسٌ ولها قُوَّةٌ روحيَّة خَفيَّة مُطّهِرَة ومُقدِّسَة. يَقولُ البابا بندِكتُس السَّادِس عشر: “مَنْ يُؤمِنُ لا يكونُ وَحْدَهُ أبداً لا في هذه الدنيا ولا حتّى في المَمات”. ويَقولُ الفيلسوفُ جان غيتون: “انَّ بُلوغ الحُبِّ الرُّوحيِّ الذي لا بُدَّ مِنهُ هُوَ طَريقُ التواضع: عندئذٍ نكونُ مُستَعِدِّين لِتَخَطّي جَميعِ الحَواجِزِ لِلقيامِ بِجَميعِ البُطولات”.
لا يَفوتُ الأوانُ أبَداً لِمَنْ يُريدُ أنْ يُحِبَّ وَيَصِلَ إلى هذا المُسْتوى مِن الثقةِ والإيمانِ والرَّجاء. إنَّ الحَياة المَسيحيَّة تَتَطلّبُ المُخاطَرَة والتَّضْحيَة على كُلِّ الأصْعِدَة وخاصَّة على صَعيدِ الحَياةِ الرُّوحيَّة. إن الوصولَ إلى اللهِ ليسَ مِن الأمْرِ السَّهْلِ وهذا ما نَشْهَدُهُ في كُلِّ صَفحاتِ الكتابِ المُقدَّسِ معَ كُلِّ الذين حاولوا الوصولَ إلى يَسوع لينالوا الشّفاءَ رُغْمَ كُلِّ الحَواجِزِ والمَخاطِرِ التي كانتْ تَعْتَرِضُ طريق وُصولِهِم إليه.
نُشاهِدُ أعمى أريحا مُتَخَطيًا الجَمْعَ الذي كان يَنْتَهِرُهُ لِيَسْكُت: “فانتَهَرَهُ الذين يَسيرون في المُقدِّمَةِ لِيَسْكُتَ فصاحَ أشَدَّ الصِّياحَ قائِلاً: رُحماك يا ابن داوُد!” (لو39/18). ونُشاهِدُ زَكّا العَشّارَ الذي أتى لِيَرى مَنْ هُوَ يَسوع: “قد جاءَ يحاولُ أنْ يَرى مَنْ هُو يَسوع، فلمْ يَسْتَطِعْ لِكَثرَةِ الزّحام، لأنّهُ كان قصيرَ القامة، فتَقدَّمَ مُسْرِعًا وَصَعِدَ جمَّيْزةً لِيَراه” (لو3/19-4).
ونُشاهِدُ مُقعَدَ كفرناحوم: “وأتوه بِمُقعَدٍ يَحْمِله أربَعَة رِجالٍ فلم يَسْتَطيعوا الوُصولَ بِهِ إليه لكثرَةِ الزِّحام. ففتّشوا عنِ السَّقفِ فوق المَكان الذي هو فيه ونَقبوهُ ثم دلّوا الفِراشَ الذي كان عليه المُقعَد” (مر3/2-4). عندما أتَتِ النّازِفة إلى يَسوع لمْ تَتَرَدَّدْ ولمْ تَتَراجَعْ بَلْ تخَطّتِ الجَمْعَ لِتَسْرِق الدّواء، لتَحْصُلَ على الشّفاء، بِقُوَّةِ إيمانِها. مِنْ خِلالِ كُلِّ هذا نَشْهَدُ أنَّ هُناك عَمَليَّة تَخَطّي نَحْنُ مَدعُوُّون أنْ نَقومَ بِها والتي لا تَخْلو مِن الآلامِ المُبْرَحَةِ والجَهْدِ المُضْني.
مَدعُوُّون إلى أنْ نَتَخَطّى كُلَّ ما يُصبِحُ عَقبة ً وَيَقِفُ أمامَ وُصولِنا إلى المَسيح. لذلك علينا أنْ نكون مُسْتَعِدِّين لِلتَّخلّي عنها إذا اعترضَتْ طَريقنا مَهما كان الثمن أيْ ألّا يَكونُ ضُعفنا حاجِزاً بَينَنا وبَين الله: “فمُنذ يَوحَنّا المَعمَدانِ إلى اليَومِ مَلكوتُ السَّماواتِ يؤخَذ بِالجِهادِ والمُجاهِدون يَختطفونَهُ” (متى11 /12).
إنَّ الخَطئية هِيَ نَزيفٌ دائِمٌ في حَياتِنا فهي تَسْرِقُ كُلَّ قِوانا العَقليَّة والجَسَدِيَّة والعاطفيَّة دون أنْ نُدْرِكَ إلى أين يَصِلُ بِنا كُلُّ هذا: “لأنَّ أُجرَة الخَطيئةِ هَي المَوت، وأمَّا هِبَة اللهِ فهي الحَياة الأبَديَّة في المَسيح يَسوع رَبِّنا” (روم 23/6). إنَّ حَياتَنا الرُّوحيَّة تَتَطلّبُ في بعضِ الأحيانِ الكثيرَ مِن التَّضحيَةِ والمُجازَفة، فالحياةُ الرُّوتِينيَّة التي نَعيشُها مَعَ خَطيئتِنا إنْ خلتْ مِنْ إرادَةِ المُجازَفة فقدْ يَسْتَقِرُّ فيها ألمُ الوَجَعِ المُستديمِ وكأنَّ العالمَ بِأسْرِهِ سِجْنٌ مُظلم.
إنَّ هذا التّغييرَ يَتَطلّبُ الكثيرَ مِن الشَّجاعَةِ والإقدامِ وغالبًا ما نَدْفعُ ثمنَهُ جِراحًا مُؤلمَة، لكِنّنا في هذا نَعْلمُ أنَّ هُناك مَنْ يَقودُنا. يقولُ القِدِّيسُ أغسطينوس: “إن الله يَنْحَني بإحترامٍ وإجلالٍ عَظيمَيْن أمامَ حُريَّةِ الإنسان”. فبِقدْرِ ما يكونُ لدينا الحُريَّة والرَّغْبَة والإنفتاحُ على نعمةِ الله، بِقدْرِ ما يَتَحَقّقُ فينا عمَلُ النّعْمَة، فعندَما يَعْمَلُ اللهُ فينا يَكونُ عَمَله شافيًا وكامِلاً.
في الخطيئةِ تنْسَحِقُ كرامَتُنا وتتَضاءَلُ مَساحاتُ الحَياةِ وَتَتَزايَدُ مَساحاتُ المَوت. فالخَطيئة تَسْتَدْرِجُنا وَتَجْعَلنا نَعيشُ مُتَسَوِّلين على هامِشِ الحياةِ بدونِ أنْ تَسُدَّ جوعَنا وتُرويَ ظَمَأنا فنُرَدِّدُ معَ بُطرسَ الرَّسول: “إلى مَنْ نذهَبُ يا رَبُّ وكلامُ الحَياةِ الأبديَّةِ عِنْدَك”؟
كان بعضُ الشّبابِ يَقومون بِنُزهَةٍ على سَفحِ جبلٍ عالٍ، إلّا أنَّ أحَدَهُم وقعَ مِنْ أعْلى سَفحِ الجَبَلِ وارْتَطَمَ بِجُزْعِ شَجَرَةٍ وهوَ يقولُ ويَصْرُخُ بِصَوتٍ عالٍ إلى رُفقائِهِ لكي يُنقذوه. فسَمِعَ صَوتاً يقولُ لهُ أنا سَوفَ أنقِذكَ لكنْ عليكَ شَرْط أنْ تَقومَ بِه، فقالَ الشّابُ وما هو؟ أجابه قائِلاً: عليكَ أنْ تَتْرُكَ جِزْع الشَّجَرَةِ لِأنقِذك، فقالَ لهُ الشّابُ وَمَنْ أنتَ؟ فأجابه قائِلاً: أنا الله الذي سَوفَ يُنقذك، فقالَ لهُ الشاب: هل لديكَ مِنْ حَلٍّ آخر؟ ما يريدُهُ اللهُ لنا هُوَ أنْ نَتَخَلّى عَنْ كُلِّ الضَماناتِ البَشَريَّةِ لكي يَبْقى لنا هُوَ الضَّمانة الوَحيدَة. هذِهِ هيَ التَّربِيَة التي يَعْتَمِدُها الله لكيْ نَكْتَشِفهُ كما هو وليسَ كما نَكْتَشِفُهُ نحن.
إنَّ الله يَتْرُكُنا نَخْتَبِرُ كُلَّ قِوانا البَشَريَّة وهذِهِ تَربِيَة يَعْتَمِدُها مَعَ الذين يُحِبُّهم: “إنّنا نَعْلمُ أنَّ جَميعَ الأشياءِ تعْمَلُ لِخيرِ الذين يُحِبُّون الله…” (روم8/ 28).
إنّنا نَعيشُ اليومَ هذا النَّـزيفَ على كُلِّ الأصْعِدَةِ في وَطَنِنا وخاصَّة على المُستوى السِّياسيّ. وحالة وَطننا كما حالة النّازِفةِ تتحوَّلُ مِنَ سيِّئٍ إلى أسوأ. علينا بأنْ نُؤمِن أنَّ الله وحْدَهُ يَسْتَطيعُ أنْ يَشفي هذا النّزيفَ الذي نَعيشُهُ اليوم.
لذلك يَحُثنا إنجيلُ النّازِفة على عَدَمِ اليأسِ مِن النّزيفِ الدّاخِليّ الذي يتآكلنا، فننتزع بقوّةِ إيمانِنا هذا النّـزيفَ لنَعودَ إلى حِضْنِ الحَياةِ الحَقّة. فنحنُ مدعُوُّون بِأنْ نُؤمِن بِأنّهُ عندما تَتعَثّرُ جَميعُ الحُلولِ البَشَريَّةِ ويَخيبُ كُلُّ أمَلٍ ويَزولُ كُلُّ رَجاء، يَبدأ عَمَلُ اللهِ في تاريخِنا البَشَريّ، الذي يَظلّ يُتابِعُ عَمَلهُ الخَلاصِيَّ فينا يومًا بعدَ يَوم.
أسئلة للتأمل والتفكير:
1- هل أدركتُ أنَّ جراح الخطيئة تستنـزف كُلَّ قواي العقليّة والجسديّة والثقافيّة بدون أن أعلم هذا؟ وهل أدركت أنَّ روح هذا العالم يضع كلّ يوم في مسيرة حياتي نحو الله شيئًا جديدًا يمنعني من الوصول إليه؟ هل لديّ شجاعة الإقدام والتحدّي على تخطّي كُلَّ هذا؟
2- ما هو الشّيء الذي أنتظره في بحثي عن الخطيئة؟ هل أدرك إنّني في بحثي هذا لا أستطيع أن أجني إلاّ المزيد من اليأس والضياع والآلام؟ وحالتي النفسيّة ستظلّ دائما تتحوّل من سيّئ إلى أسوأ كما كانت حالة صحّة النازفة؟
3- هل قوّة الخطيئة الفاعلة فيّ وصلت إلى ذروتها في حياتي؟ هل ما زلت أنتظر في عمق إيماني أنَّ شيئاً ما سوف يحدث رغم كُلِّ الأفاق المسدودة ورغم كُلِّ المحاولات التي باءت بالفشل؟ هل نضج قراري لكي أضع حدّاً لهذا النزيف الرّوحيّ الذي ما زلت أتخبّط به؟