التوبة والكنيسة
الكنيسة لها عمل كبير في توبة كل إنسان: يدخل في نطاقه عمل التعليم والإرشاد، وعمل الرعاية والافتقاد، ونقل أعمال الروح القدس وعطاياه من أجل خلاص كل أحد، ونقل استحقاقات الدم الكريم.
الكنيسة هي التي تدعو الخطاة إلى التوبة. هي التي تقوم بما أسماه القديس بولس الرسول “خدمة المصالحة” و“كلمة المصالحة” تنادي الخطاة لأن “تصالحوا مع الله” (2 كو 5: 18 – 20). وذلك عن طريق الوعظ والتعليم، وتقدم كلمة الله للناس..
وربما لولا عمل الكنيسة هذا ما تاب أحد.
والكنيسة إلى التوبة في كل ما تقوم به من أعمال الرعاية.
بزيارة الناس، وحل مشاكلهم بكل أنواعها، الروحية والاجتماعية.. كأب حنّان يهتم بأولاده، ويقربهم إلى أبوه الله.
والكنيسة هي الوسط الروحي الذي يساعد على حياة التوبة.
بعيدًا عن أوساط العالم المملوءة بالعثرات، بحيث أن كل من يتوب يجد الكنيسة البيئة الصالحة التي فيها حياة روحية. وربما لولا الكنيسة، لكان كل شعور روحي ينبت في الإنسان تخنقه أشواك العالم فيذبل ويجف.
والكنيسة تقدم للتائب سر الاعتراف وتمنحه الحل والمغفرة.
وفي سر الاعتراف يشرح التائب كل ما في قلبه، وتستريح نفسه من أسراره المكتومة، ويقدم إلى الله كل ضعفاته وسقطاته في سمع الكاهن، لينال عنه حلًا من الله، من فم الكاهن.
وذلك بحكم السلطان الذي قال فيه الرب “مَنْ غفرتم له خطاياه، غفرت له ومن أمسكتموها عليه أمسكت” (يو 20: 23). وأيضًا بحكم قوله “كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء. وكل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء” (متى 18: 18).
وهكذا يخرج التائب من اعترافه وقد استراح ضميره.
إذ يكون قد سمع كلمة الحل والمغفرة من وكيل الله له سلطان أن يقولها حسب السلطان المعطى له من الله. وهكذا يملك السلام على قلبه، ويبدأ بدءًا جديدًا.
والكنيسة في سر الاعتراف تعطي الإرشاد الروحي.
حسبما قال الكتاب إنه من فم الكاهن تطلب الشريعة (حج 2: 11)، وهكذا يشرح الأب لأبنه في الاعتراف الطريق الروحي السليم الذي يسير فيه، لأنه لا يوجد أحد يستغني عن المشورة والكتاب يقول “هناك طريق تبدو للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت” (أم 14: 12)، كما يقول “على فهمك لا تعتمد (ام 3: 5).
وفي الكنيسة يجد التائب القلب الذي يأتمنه على أسراره.
فالأسرار الشخصية الخاصة بحياة الإنسان الروحية، والتي تشمل سقطاته وضعفاته، لا يستطيع أن يأتمن عليها كل أحد. وربما لا يستطيع كتمانها تمامًا لأن هذا الكبت قد يتعبه. ولكن عند الأب الكاهن يجد ضمان السرية، ويجد الحلول اليد المخلصة التي يقوده في حب وفي إخلاص.
والكنيسة تقدم للتائب كل بركات سر الأفخارستيا.
هذا السر العظيم الذي قال عنه الرب “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه” و”يحيا بي” (يو 6: 56، 57). وخارج الكنيسة لا يجد بركة هذا السر العظيم الذي يعنيه في توبته، ويغذيه روحيًا، والذي “يُعطَي عنا خلاصًا، وغفرانًا للخطايا، وحياة أبدية لكل من يتناول منه” (يو 6: 54). ولكن لعل إنسانًا يقول: مادامت التوبة تؤدي إلى المغفرة، فما حاجتي إلى الكنيسة، وإلى الاعتراف والتناول والتحليل؟! فنجيبه:
بالتوبة تستحق المغفرة وبالاعتراف وتناولها.
وفرق بين استحقاق المغفرة ونوال النعمة.
كما أن التوبة تشمل في داخلها الاعتراف أيضًا. والتحليل جزء من سر التوبة والتناول امتداد لفاعلية ذبيحة المسيح.
يقول: إن تبت ومت قبل قراءة التحليل، فما مصيري؟ أن مت هكذا يرحمك الله. والتحاليل، فما مصيري؟ إن مت هكذا يرحمك الله. والتحليل يقرأ عليك في صلاة الجناز.