المسيحية و تنظيم الأسرة في مصر – لنيافة الأنبا موسى
قد يتساءل البعض عن رأى المسيحية فى تنظيم الأسرة، وهل هذا تدخل فى إرادة الله، أو ومعارضة للطبيعة الإنسانية، أو عدم إيمان بأن الله قادر أ، يرعى مواليدنا مهما كان عددهم؟ وهل هو مجرد مجاملة للدولة، وهل يعنى ذلك التناقص المستمر فى عددنا كمسيحيين مما قد يهدد المسيحية بالأنقراض؟ وهل فى التناسل بلا حدود نوع من تجربة الرب؟ وما هو الموقف من الآية التى تقول : “ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً” … إذن فإذا كنت لا تريد أولاداً فلتمتنع عن العلاقة الزوجية!! وماذا عن أونان الذى كان “يفسد فى الأرض حتى لا تحبل امرأته” (تك 6:38-10)، فأماته الرب .. هل لأنه منع الحمل أم لأنه رفض أن يقيم نسلاً لأخيه ؟
تساؤلات كثيرة حول قضية يومية وهامة، على مستوى الفرد (المرأة أو الطفل) والأسرة والكنيسة والمجتمع، وها نحن نرى الأمم المتحدة تعقد مؤتمراً دولياً ضخماً من أجل هذا الموضوع الهام، إذ يتزايد الفقراء فقراً، مع تزايد معدلات إنجابهم، بينما يزداد الأغنياء غنى، مع تناقص أنسالهم !! الأمر الذى يهدد البشر كأفراد، وكدول، وكأمن عالمى شامل أيضاً.
أولاً : ضرورة تنظيم الأسرة :
إذا كان الإنسال أحد أهداف الزواج، فإن هذا لا يعنى أن نطلق له العنان دون تنظيم … ونحن هنا نفرق بين (تنظيم النسل) و(تحديد النسل) …. فالتحديد يعنى الإنقاص بإستمرار، ولكن التنظيم يعنى أن تتخذ كل أسرة قرارها الخاص، حسب ظروفها الروحية والصحية والأقتصادية والإجتماعية، بحيث يرتفع عدد الأولاد أو ينخفض طبقاً لظروفها الخاصة.
ولا شك أن تنظيم الأسرة ضرورة عامة، وضرورة خاصة :
1- الضرورة العامة :
كما أن المجتمع مسئول عن الأسرة والفرد، فالفرد والأسرة مسئولان عن المجتمع ايضاً … هذا أمر هام يجب أن تتحدد ملامحه المسيحية فى وجداننا وذهننا!!
نعم الدولة مسئولة عن توفير الغذاء، والكساء، والدواء، والتعليم، والأسكان، وضروريات الحياة المنزلية: كالأجهزة الكهربائية، والإنارة، والمياه الصالحة للشرب، والصرف الصحى، ووسائل الأعلام … مسئوليات جسيمة تقوم بها الدولة نحو المواطن .. أفلا ندرك أن هناك مشاركة فى المسئولية من جهة المواطن بأن لا يتناسل بلا حدود، فلا يضيف على الدولة أعباء لا طاقة لها بها؟! المنطق السليم “إذا أردت أن تطاع، سل ما يستطاع”، ومن غير المعقول أن تزداد مصر – مثلا – مليوناً وثلث مليون نسمة سنوياً، ثم نقول للدولة : دبرى لهم كل احتياجاتهم السابقة !!
ما هى الدولة ؟ هى مجموعة المواطنين، على رقعة أرض، تنظمهم قوانين، وتسوسهم قيادات منتخبة … فماذا يمكن أن تفعل القيادات أمام الموارد المتاحة، إذا لم يبذل المواطنون جهدهم فى القيادات أمام الموارد المتاحة. إذا لم يبذل المواطنون جهدهم فى أمرين :
أ – الأنتاج : الزراعى والصناعى والسلعى وغيره.
ب- الأنسال المعقول الذى يتناسب مع هذا الأنتاج.
إن الضمير المسيحى يرفض أن نعيش حياة إعتمادية على الدولة دون أن نسهم بدورنا فى الأنتاج والأنسال المعقول، ومعروف أن آية زيادة فى الناتج القومى، تأكلها الزيادة المخفية فى السكان !! وبعد ذلك نقول : أين الدولة ؟!
نحن هنا لا نجامل الحكم، ولكننا نخاطب الضمير المسيحى، بل والضمير الإنسانى … نحن نطالب بالمجانية، وضبط الأسعار، وضبط تكاليف الحياة.
ومن ناحية أخرى نتزايد بسرعة جنونية .. فهل هذا منطق؟ وهل هذا عدل ؟ وهل هذه مسيحية حقيقة؟ أن نطلب الحقوق دون أن نقوم بالواجبات؟!
وفى هذا يقول قداسة البابا شنودة الثالث : إن زيادة النسل أصبحت ضارة بالبلد، فتحديد النسل بصورة عامة على المستوى القومى أصبح ضرورة إجتماعية وإقتصادية، لها تأثيرها الكبير على مستقبل بلادنا. لذلك علينا أن نتصدى لمشكلة الأنفجار السكانى، الذى ينسف كل مشروعاتنا، وأقتصادنا القومي.
حجم المشكلة السكانية :
يقول رجال الأحصاء أنه عند اكتشاف الزراعة، كان سكان العالم ما بين 5 – 8 ملايين نسمة.
وعند ميلاد السيد المسيح كان سكان العالم 300 مليون.
وسنة 1600 ميلادية بلغ عددهم 450 مليون نسمة.
وسنة 1800م أصبحوا 919 مليون نسمة.
وسنة 1900م صاروا 1,7 مليار نسمة.
وسنة 1950م أصبحوا 2,5 مليار نسمة.
وسنة 1982م كان عددهم 4,8 مليار نسمة.
وسنة 1992م صادروا 5,4 مليار نسمة.
وسنة 1998م سيصل عددهم إلى 6,00 مليار نسمة.
وسنة 198م سيصل عددهم إلى 6,00 مليار نسمة.
وسنة 2050م سيصل عددهم إلى 8,50 مليار نسمة.
– وهكذا تضاعف العالم ما بين 1600 – 1800م (200سنة).
– ثم تضاعف مرة أخرى ما بين 1950 – 1982م (32 سنة).
– وفى عام 2000 سيتجاوز العدد 6 مليار نسمة.
فى مصر :
سنة 1800 – 2,44 مليون نسمة
سنة 1900 – 10,00 مليون نسمة
سنة 1950 – 20,00 مليون نسمة
سنة 1960 – 26,00 مليون نسمة
سنة 1978 – 40.00 مليون نسمة
سنة 1989 – 52,00 مليون نسمة
سنة 1993 – 56,50 مليون نسمة
سنة 2000 – 75,00 مليون نسمة
سنة 2013 – 143,00 مليون نسمة
+ إذا كانت نسبة الزيادة فى العالم = 1,5% سنوياً
+ فإن نسبة الزيادة فى مصر = 2,7% سنوياً
+ نحن نزداد (فى العالم) بمعدل 76 – 80 مليون نسمة، أى 220 ألف كل صباح، أغلبهم فى الدول الفقيرة … (حوالى 75 مليون من إجمالى 80 مليون).
أسباب الزيادة السكانية فى مصر :
1- نقص معدل الوفيات :
سنة 1950 : المواليد 43 فى الألف والوفيات 19
سنة 1960 : المواليد 39 فى الألف والوفيات 16
سنة 1970 : المواليد 40 فى الألف والوفيات 10
سنة 1980 : المواليد 39,8 فى الألف والوفيات 9,4
سنة 1991 : المواليد 30.8 فى الألف والوفيات 7,5
وذلك بسبب التقدم الطبى والرعاية الصحية.
2- الزواج فى سن مبكر :
تقول الأحصائيات أن الريفى يرى فى الزواج (سترة). ولذلك يسرع الريفيون فى تزويج بناتهم (42% من فتيات مصر يتزجن قبل العشرين، .. والبعض قبل سنة 14 ..) وحيث أن سن الأنجاب هو من 15 – 40 أو 45 يزداد عدد الأولاد فى الريف …
إذ تقول الأحصائيات أن :
+ 20% من عائلات ريف مصر عدد أطفالها 6 – 8.
+ 40% من عائلات ريف مصر عدد أطفالها 9 فأكثر.
وفى المدن :
+ 40% من عائلاتها – عدد أطفالها أقل من 5.
+ 28% من عائلاتها – عدد أطفالها من 6 – 8.
+ 25% من عائلاتها ..- عدد أطفالها 9.
ومعروف أن الزواج المبكر مشكلة للزوج والزوجة حيث لا يقدران مسئولية الزواج وتربية الأطفال.
والزواج المبكر لا يحمى الفتاة من الفساد، بل هناك الوعى، والأمانة الروحية والتربية السليمة …
3- كثرة الأولاد عزوة ومعونة :
يرى الريفى فى كثرة الأولاد (عزوة) (أى مصدر قوة) ومعونة فى الحياة اليومية والرزاعة.
4- كثرة الأولاد أمان للمرأة :
فهى خوفاً من الطلاق (تربط) زوجها بالأولاد، حتى لا يتجه نحو غيرها إذ يصير مسئولاً عنهم طوال العمر.
5- تعدد الزوجات وكثرة الطلاق :
إذ يسفر عن مزيد من الأطفال.
6- إنتشار الأمية خصوصاً لدى المرأة :
فلا يوجد وعى صحى أو تربوى، مع جهالة فى استخدام وسائل تنظيم الأسرة أو حتى فى مجرد الوعى بها وبأهميتها.
كما أنهم لا يفكرون فى تطوير حياتهم وتنمية أولادهم ثقافياً وإجتماعياً بالطبع.
7- عدم توافر وسائل الترفيه فى القرية :
أدى إلى أن تصير العلاقات الزوجية هى الوسيلة المتاحة بدرجة أكبر وأسهل.
8- إنخفاض مستوى المعيشة :
يجعل الزوجين غير قادرين على ضبط النسل، والرعاية الصحية والطبية اللازمة … رغم جهود الدولة فى جعل كل ذلك نظير مقابل رمزى بسيط للغاية.
نتائج التزايد السكانى :
1- انخفاض دخل الفرد : كثرة العرض وقلة الطلب
2- البطالة : إستحالة استحداث أعمال لكل هذه الأعداد.
3- عدم كفاية الخدمات : الطعام والمسكن والملابس والمستشفيات والمدارس والمواصلات … إذ ليس فى طاقة الدولة خدمة كل هذا العدد.
4- ضعف صحة المرأة : نتيجة جهد العمل والأبحاث والتربية ورعاية الأسرة والمنزل.
2- الضرورة الخاصة :
ونقصد بها ظروف كل أسرة … فهناك أبعاد هامة يجب أن نضعها فى إعتبارنا اليوم .. بصفة عامة (لها إستثناءات قليلة) .
( أ ) جهد المرأة المعاصرة :
لا شك أن هناك فرق كبير بين الجهد الجسمانى والعصبى للمرأة المعاصرة، والمرأة منذ 50 سنة .. فالمرأة المعاصرة عاملة، تقضى نصف اليوم وربما أكثر فى عملها، وعمل المرأة أصبح واقعاً عصرياً لا يهم فقط إقتصاديات الأسرة لكن إجتماعياتها واسلوب تربتيها لأبنائها .. كذلك فالمرأة المعاصرة ليست فى القوة البدنية التى كانت للمرأة منذ نصف قرن .. وذلك بسبب ضغوط الحياة والتعليم والمجتمع والأعلام .. ألخ.
لذلك لا تستطيع المرأة المعاصرة انجاب الكثير من الأطفال دون تأثير بالغ على صحتها الجسدية والنفسية والروحية، وعلاقاتها بالمجتمع وحركة الحياة.
(ب) جهد التربية المطلوب :
بل أنها بالقطع – لا تستطيع، من زوجها المشغول بالعمل فترتين أحياناً كل يوم، أن تربى أولادها حسناً لو إزداد عددهم، سواء من جهة حياتهم المدرسية أو الروحية أو الإجتماعية أو حتى الصحية.
إننا لا يمكنا أن نحمل المرأة أحمالا عسرة الحمل، دون أن نحركها بأحد اصابعنا … الأمر الذى سبق وانطبق على الدولة أيضا!
فإن كان الرب سيسألنا عن أولادنا وما قمنا به نحوهم من جهد تربوى روحى ونفسى وإجتماعى، فمن العدل والمنطق أن نكتفى بعدد قليل من الأولاد، نحسن رعايتهم وتربيتهم، فليس المهم (كم) الأولاد ولكن المهم (كيفهم) … وقديماً قال الحكيم : “لا تشته كثرة لا خير فيهم، ولا تفرح بالبنين المنافقين، ولا تسر بكثرتهم إذا لم تكن فيهم مخافة الرب” (سى 1:16) … “ولد واحد يتقى الرب، خير من ألف منافقين” (سى 3:16).
أضف إلى جهد التربية الروحية جهد التربية التعليمية والنفسية للأولاد .. إذ يحتاج الوالدان لرعاية ابنائهما دراسياً ومساعدتهم فى الوجبات المدرسية الثقيلة، خصوصاً مع ضعف التحصيل المدرسى الآن.
(ج) الجهد الأقتصادى المطلوب :
فلا شك أن الظروف الأقتصادية الآن تجعل تكلفة رعاية الطفل أكبر بكثير مما مضى، سواء فى الحمل، أو الولادة، أو الرضاعة أو التغذية، أو التعليم، أو الصحة، أو التربية الجسمية والذهنية والنفسية والإجتماعية.
الطفل الآن لابد من دخوله الحضانة منذ السنوات بل ربما الشهور الأولى من ميلاده، حتى يتفتح ذهنه، ويصير كأقرانه قبل دخوله إلى المدرسة، قادراً على التعليم واللعب والتفاعل والنمو الذهنى والتحصيل الدراسى، وإلا تعرض لإحباط رهيب لو أنه خرج من البيت إلى التعليم الأبتدائى مباشرة، إذ يرى نفسه أقل من أقرانه فى امور كثيرة.
ماذا أيضاً عن مصاريف التعليم، والملبس اللائق، والسكن، والصحة، والمواصلات مجرد بند الدروس الخصوصية أصبح رهيباً، ومن العسير التخلص منه، ليس فقط بسبب إحتياج الطفل والشاب لعدم كفاءة العملية التعليمية لأسباب مختلفة أهمها تكدس الفصول، ولكن لأسباب نفسية إذ يرى الطالب نفسه غريباً عن أقرانه، فالجميع يأخذون دروساً خصوصية، وهكذا يخاف أن يتخلف عنهم، فيأخذها بدافع نفسى محصن، فى كثير من الأحيان.
ماذا عن تكدس السكن، الذى صار الآن محدود المساحة جداً .. كيف يتنفس الأولاد، وكيف يتحركون ويلعبون؟ هذا ضار جداً بنفسية الأجيال الصاعدة، وبحياتهم الأسرية والمجتمعية!!
إن بند (الألعاب الذهنية) المطلوبة للأطفال، أصبح يحتاج الكثير من المال، وكذلك إمكان اشتراكهم فى نواد جيدة، تبنى أجسادهم وأعصابهم ونفوسهم وعلاقاتهم
وها قد تأخر سن الزواج، وأصبح (الأولاد والبنات) يستمرون فى بيت الأسرة لسنوات طويلة وينتظرون من الوالدين إسهاماً فى تكاليف الزواج الرهيبة، التى كثيراً ما تستعصى عليهم.
( د ) تناقص نسبة الوفيات :
كانت الأمهات ِ- فى الماضى – يلدن العديد من الأطفال وكانت نسبة وفيات الأطفال مرتفعة جداً. أما الآن وبسبب الرعاية الصحية والتعليم، أنخفضت هذه النسبة للغاية. لذلك فإن كان تنظيم الأسرة غير مناسب فى الماضى لوفاة أكثر من نصف الأولاد، إلا أنه الأن أصبح ضرورة، وإلا شاهدنا إنفاجاراً سكانياً رهيباً بالإضافة إلى متاعب التربية مبمشتملاتها.
أمام هذه الضرورات العامة والخاصة، كان لابد من تنظيم الأسرة لنحصل على النسل الصالح، الذى يمجد الله، ويهتم بخلاص نفسه، ويسهم فى بناء وطنه، شهادة للمسيح، وحملا للأمانة.
Discussion about this post