يوحنا مارون، البطريرك الماروني الأول
Le premier Patriarche Maronite ,St Jean Maron est une figure historique et réelle , affirme le père Emile Eddée,membre de l’Ucip-Liban
شك بعض المؤرخين في أن يكون يوحنا مارون أول بطريرك ماروني. أول هؤلاء هو الكاتب الفرنسي رينودو (1646-1720) الذي استند في موقفه السلبي الرافض الى عدم وجود ذكر لهذا البطريرك في جداول البطاركة الانطاكيين لدى اللاتين والروم. لم يرد ذكر يوحنا مارون وفق ظنّه، إلاّ في مستهل القرن الرابع عشر. وعنه أخذ كثيرون في ما بعد. النهار -2-3-2007
تصعب على أي مؤرخ في أيامنا الإجابة عن اعتراض من هذا النوع. ذلك أن مصنّفات الكنيسة اللاتينيّة منذ البداية الى يومنا لم تتضمّن جدولاً كاملاً لبطاركة القسطنطينيّة ولا لبطاركة اليعاقبة والنساطرة. فهل يعني ذلك أن لا وجود لأولئك البطاركة؟
في مصنّفات علماء الكنيسة اليعقوبيّة كالتلمحري وابن العبري وميخائيل السرياني الملقب بالكبير، لسنا نجد أي جدول منظّم للبابوات الرومانيين ولا لبطاركة القسطنطينيّة. لقد اكتفوا بالحديث عن البطاركة اليعقوبيين، ونادراً ما أتوا على ذكر غير هؤلاء. فهل يجوز لهذا السبب إنكار وجود الباباوات الكاثوليكيين والبطاركة الذين لم يرد لهم ذكر لدى اليعاقبة؟
وغاب أيضاً عن مجاريات الكنيسة البيزنطيّة جدول كامل لرؤساء الكنائس غير البيزنطية. يستنتج من ذلك أن مؤرخي الكنائس الشرقية، كما الغربية، أعدّوا جداول بأسماء بطاركتهم وكبار رجال كنيستهم ونبذة تاريخيّة عن هؤلاء الرؤساء. وإذا ورد إسم بطريرك أو كردينال أو أسقف من غير كنيستهم فيكون ذلك عرضاً. هذا من جهة.
ومن جهة ثانية لم يكن معقولاً أن يندرج إسم يوحنا مارون ضمن الجدول الرسمي للبطاركة الإنطاكيين لسبب واقعي موضوعي يسهل فهمه، لأن انتخاب البطريرك الماروني تمّ خلافاً لإرادة الملك والقصر البيزنطي. لذا لم يعترف به “البازيلاوس” أي امبراطور بيزنطية، ولم يندرج إسمه في جدول البطاركة الرسمي لأن هذا لا يحتوي إلاّ أسماء الموالين للأمبراطور، الخاضعين لإرادته المطلقة
وهذا كان الحاكم، الآمر، المسيطر بقوّة في العالم المسيحي شرقاً وغرباً، بحيث أن الحبر الأعظم نفسه كان يلتزم أن يلتمس منه براءة تثبيته، لكي تُنفّذ أوامره على الصعيد المدني. وكان يدفع ضريبة التثبيت، حتى أواخر القرن السابع.
بعد وفاة قسطنطين الرابع، العام 685 خلفه في الحكم يوستينيانوس الثاني إبن الـ16 عاماً الذي اشتهر بهوسه وتهوّره في أمور كثيرة وعداوته اللدودة للموارنة. فلو ورد إسم البطريرك يوحنا مارون في الجدول الرسمي لعهد يوستينيانوس، أي المرحلة التاريخية التي ارتقى خلالها يوحنا مارون الى كرسي البطريركية الانطاكية، لكنا اعتبرنا هذا الجدول مزوّراً لأن الكنيسة المارونية، كما ذكرنا، قامت على أساس الاستقلال عن الملك البيزنطي. فلا يُعقل إذاً أن يرد إسم بطريركها الأول في الجدول الرسمي مع المؤيدين للأمبراطور يوستنيانوس الثاني، عدو الموارنة اللدود.
2 – أقدم المستندات
إن أقدم ما وصل إلينا من مستندات عن وجود يوحنا مارون، البطريرك الأول الماروني على كرسي إنطاكية هو نص مدرج في صلب قانون الإيمان لدى النصيريين. في “القداس الثالث” جاء إسمه ضمن لائحة اللعنات التي يقذفون بها كل من لا يعترف بألوهية الإمام علي بن أبي طالب.
لقد قيل في إحدى اللعنات: “إنك يا علي بن أبي طالب تفعل ما تشاء وتحكم بما تريد. وأسألك أن تنزل سخطك وعذابك على إسحق الأحمر… والعن أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية… واجعل اللعنة على يوحنا مارون البطرك الملعون وعلى كل من أكل خيرك وعبد غيرك”.
إن سليمان الأذني، أحد علماء المذهب العلوي النصيري، ينسب هذا “الدعاء” إلى مؤسس المذهب، ابن نصير، الذي عاش في القرن التاسع الميلادي. يقول الأب هنري لامنس إن تلك اللعنات الموجودة في دستور إيمان النصيريين منذ أكثر من ألف سنة، ناجمة، عن كون فئة نصيرية كانت في الأصل ملكية، ثم اعتنقت المذهب النصيري واحتفظت بعبارة الحرم ضد البطريرك يوحنا مارون وغيره في نصوصها الدينية.
إن رأي الأب لامنس معقول جداً. ومنه يُستنتج أن اللعنات الواردة في الدستور المذكور كانت لدى الملكيين منذ أوائل القرن التاسع أو أواخر الثامن. ولعلّ الأهم في التأكيد على وجود القديس يوحنا مارون البطريرك الماروني الأول هو الاستناد الى ما قال عنه الأعداء في معرض التجريح والتقبيح واللعنات، إذ ما من أحد يلعن إنساناً غير موجود. وهذه الحقيقة من أول البديهيات. أما الانسان “الهامشي” فلا يُعرف له لا محبّذون ولا مناهضون، لا أصدقاء ولا أعداء! لا من يمدح ولا من يلعن!
المصدر أو المستند الثاني هو “مجموع” قانوني قديم معروف بإسم “كتاب الهدى”، اعتُبر دستور الموارنة وناموسهم في عصورهم الوسطى. كتب كثيرون عنه معلّقين، شارحين. وآخر دراسة ذات قيمة تحليليّة وتاريخيّة اطّلعنا عليها هي كتاب للمغفور له المطران أنطوان جبير صدر بالفرنسية عام 1974.
في القسم الأول من كتاب الهدى يذكر المؤلف تاريخاً محدّداً: رسالة الراهب يوسف الى المطران داوود، تحمل تاريخ سنة 1370 لليونان التي تراوح، إزاء التاريخ الميلادي، ما بين 1/10/1058 و 30/9/1059، أي أوائل النصف الثاني من القرن الحادي عشر.
في الفصل الثاني من القسم الأول، في معرض الكلام على قانون الايمان، نلاحظ أن “كتاب الكمال” يقسم المسيحيين الشرقيين خمس “فرق”: الاريوسيين، النساطرة، اليعاقبة، الملكيين والموارنة. ويقول حرفياً: “فأول فرقة ظهرت من الفرق المشهورة الفرقة المنسوبة الى أريوس. ثم النسطورية وهي المنسوبة الى نسطور. ثم اليعقوبية وهي المنسوبة الى يعقوب الذي كان من مدينة تدعى بردعا. ولذلك يقال له يعقوب البرادعي. ثم الملكية المنسوبة الى الملك قسطنطين بن قسطنس بن قسطنطين إبن هرقل. ثم المارونية وهي المنسوبة الى مارون يوحنا بطريرك إنطاكية العظمى”.
في هذا الكلام إشارة واضحة ودقيقة من حيث تاريخها (1058- 1059)، تغنينا عن كل شرح وتأويل. كل هذه المراجع تدحض رأي رينودو ومن تبعه من مؤرّخين.
3 – متى انتخب يوحنا مارون بطريركاً؟
يتّفق مؤرخون شرقيون وغربيون كثيرون على حقيقة الوجود الثابت والأكيد لمار يوحنا مارون، واستقامة إيمانه، وسعة اطّلاعه اللاهوتي، وقداسة سيرته، وانتخابه بطريركاً إنطاكياً مارونياً. ويتبع بعضهم التقليد المعروف وهو أن القديس يوحنا مارون نُصّب بطريركاً حوالى العام 685 ورقد بالرب في العام 707.
ويقول آخرون إن انتخاب البطريرك الماروني الأول، يوحنا مارون كان في أوائل القرن الثامن.
يعتبر أصحاب الرأي الأول أن “كتاب الكمال” يتيح لنا الوصول الى تاريخ تقريبي، في أقل تعديل، لارتقاء القديس يوحنا مارون إلى بطريركية إنطاكية. وذلك استناداً الى الوثيقة المذكورة آنفاً عن قسمة المسيحيين الشرقيين الى خمس “فرق”، إذ إنها تدعم في أسلوب غير مباشر التقليد الماروني الذي يشير الى العام 685 كتاريخ انتخاب أول بطريرك ماروني، القديس يوحنا مارون. ويعيّن “كتاب الكمال” زمن الانفصال بين الملكيين المكيسميين والموارنة في عهد الملك قسطنطين الرابع (668- 685)، وبالتحديد في سنة وفاته.
لذا نميل الى قبول رأي المطران أنطوان جبير القائل: “وهكذا فسنة 685 يمكنها أن تكون تاريخاً مقبولاً لنشأة فرقة مميّزة تسمّى الموارنة، وبمعنى آخر، لوصول مار يوحنا مارون الى بطريركية إنطاكية العظمى، كما يستخلص من منظق صاحب “كتاب الكمال”.