“الابن الضال” أيقونة مسيحية بتوقيع فنان هولندي
“الابن الضال” لوحة عالميّة للفنّان الهولنديّ رامبرانت، في القرن السابع عشر، لحساب الملكة كاترين، وتم وضعها الآن في دير سان بطرسبرج بروسيا.
هي لوحة كبيرة نسبيا حيث يبلغ ارتفاعها 224 سم , وعرضها 183 سم , معروضة الان في متحف ايرميتاجي Ermitage في مدينة القديس بطرس في روسيا Pietroburgo .
تمثل اللوحة عودة الابن الضال التي أوردها القديس لوقا على لسان المسيح (لو 15 :11 _32 ), لانستغرب كثيرا حينما يُظهرُ لنا رامبرنت إيمانه الشخصي من خلال فرشاته والوانه وموضوعه العمومي خاصة بعدما أن ندرك حقيقة معانته الطويلة والخسائر الكبيرة التي مني بها في حياته واكثرها ألماً ووقعاً في نفسه هي وفاة زوجته المحبوبة Saakia وإبنه الوحيد Titus البالغ من العمر سبعة وعشرون عاماً.
موضوع لوحة رامبرنت هي العودة الروحية للمشاركة الانسانية, متمثلة بالاستقبال الأبوي للابن الضال العائد. بساطة الألوان التي يزين بها شخوصه تسرق أبصارنا نحو اللوحة ألوان محدودة جداً, مثل الماروني, الأسود, الأبيض ولون أوكسيد الحديد المائي الطبيعي (الاحمر الصدِء). الالوان تعبر عن شخوصها, إنعكاس الضوء وكسوفه يعبر عن الفكرة والمعنى هكذا يلاحق رامبرنت سر الضوء طوال حياته, وبتداخل لوني منسجم تندمج فيه الالوان تارة لتقتحم تارتة خرى صرختها الانفرادية هدوء اللون معبرة عن ما يجول في ذهن الفنان مبرزا نقاط القوة في لوحته كاستخدامه للون الأبيض والأسود, مزيج من الضوء والظلمة إشارة إلى بزوغ الفجر كلهيب لنور الشمس. بل يذهب إلى أعمق من ذلك مشيرا إلى نور القيامة الذي يقتحم عالم الموت الأظلم, هكذا ينعكس من مركز اللوح حيث الابن في حضن الأب نوراً, بينما تكاد تكون الخلفية غامقة يصعب علينا تميز شخوصها وانفعالاتهم عدا دهشة الترقب المقصودة التي ستشرحها لنا مواقفنا الحياتية حينما نكون جزءاً من لوحته هذه.
النعومة هي علامة رامبرنت المميزة والتي من الممكن أن تكون إشارة جيدة لفهم صورة الله. الله الذي دائما هو المبادر المنحني علينا بطيبة فائقة واعتناء شديد. وما علينا إلا العودة للمسكن الأبوي. تأملنا في هذه اللوحة يجعلنا نفكر في أيٍ من هذه الشخوص هو اقرب الى ذواتنا, اي شخصية هي أكثر قربا من مشاعرنا الان ؟
الباحث عن العائدين هو دائما أكثر وضوحا متمثلا بالحضور الهادئ لله الذي يخلقنا من جديد على مثال الحياة, مازجاً مع الحب الألوان, ومع فرشاته نعومة فائقة مع نشاط دائم كيما ينتشلنا من ظلمة الخوف إلى نور الحب والقبول.
يعرف بأنه سيعود قريبا
بالتحديق جيدا في اللوحة نلاحظ أكثر لتفاصيل تميزاً للمجموعة المركزية المتمثلة بالأب والابن الصغيرالذي هو في حالة من السلام التام, براحة وهدوء يلقي رأسه في حِضن أبيه, مثل سفينة وصلت الميناء بعد عاصفة هوجاء. أو مثل طفل نائم في حِضن أمه, ملابس الابن عبارة عن خرق بالية ممزقة مثل أشرعة قارب تلاطمت عليه أمواج البحار الهوجاء, ملابس من اسمالٍ هرئة. الرأسٌ الغائص في حضن الأب حليق مثل المساجين أو المرضى. لحمه ممزق مجروح. نعلين مقطعين, دلالة على العبودية ( الأسياد فقط هم من ينتعلون الأحذية ).
في الوقت ذاته الاب المنحني بكل لطف ورقة على ابنه العائد, صورة الاب الشيخ, الأب الضال في البحث عن إبنه منتظرا مترقبا عالماً انه سوف يعود, الحب الغير المشروط يعكسه رامبرنت في الأب المتقدم في العمر, والحكمة المتجلية من الخبرة والمعاناة الشخصية حفرت على وجه الاب اخاديد الانتظار والترقب. مغمض العينين حزين الملامح رغم فرح القلب الذي يشع نوره منعكسا على الوجه, والساقط بإتجاه الابن الصغير.
اليدان برقة ولطف على كتفي الابن ولكن ما الذي نلاحظه في هاتين اليدين؟
إختلاف واضح في البنية والنعومة والحجم إنها يد رجل وأخرى يد امرأة , يخبرنا رمبررنت في الوقت ذاته يمثل هذا الأب الأم الحنونة, إنه يجمع بين رحمة الأب وحنان الأُم وهذا هو الله ذاته. فهل هنالك تشبيه أروع من هذا نقف أمامه متأملين.
الأخ الكبير
في الخلفية نجد الابن الكبير مع مجموعة من الشخوص والذين يمثلوننا نحن المترقبين . مالذي يمكن أن نقوله نحن أمام هذا المشهد, هل سنقف مترقبين مندهشين مستغربين مرتابين لهذا الحب الكبير والرحمة الأبوية الفائقة, متجبجبين داخل ثوبنا الفضفاض من جهة ومختبئين في ظلام قبورنا من جهة اخرى نخشى التقرب والوصول إلى الضوء المنعكس من لقاء الحب هذا, عاكفين على التسائل ….ما الخبر , وكيف يمكن أن يكون هذا وبأي منطق ؟ متناسين حقيقة حب الله لنا كأبناء وليس كعبيد .
هكذا يريد رامبرنت أن يقدم لنا كل إنفعالاته وتاملاته من خلال الفرشة وألون والظل والضوء. متسائل هو الآخر من أكون أنا بين هذه الشخصيات؟
ساحاول في الجزء الثاني أن أبحر مع لوقا الانجيلي وعبر كلماته الملونة ربما استطيع أن أتقرب أكثر الى ما اراد ان يقوله لي يسوع في مثله هذا.
روما 31|3|2006
No Result
View All Result