البابا فرنسيس: يخبرنا القديس يوسف أننا مدعوون
على الدوام لكي نشعر بأننا حراس لإخوتنا
“يمكن للجميع أن يجدوا في القديس يوسف، الرجل الذي يمر دون أن يلاحظه أحد، رجل الحضور اليومي، الحصيف الذي يعيش في الخفاء، شفيعًا لهم وعضدًا ومرشدًا في أوقات الشدة” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في مقابلته العامة مع المؤمنين
أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول يوم الأربعاء الماضي بدأنا سلسلة تعاليم جديدة حول شخصية القديس يوسف. نواصل اليوم هذه المسيرة ونتوقّف عند دوره في تاريخ الخلاص.
تابع البابا فرنسيس يقول يُشار إلى يسوع في الأناجيل كـ “ابن يوسف” و”ابن النجار”. وفي سردهما لطفولة يسوع يعطي الإنجيليان متى ولوقا فُسحة لدور يوسف. فكلاهما يشكلان “سلسلة نسب”، لكي يسلِّطا الضوء على حقيقة يسوع التاريخية. وإذ يتوجّه بشكل خاص إلى المسيحيين اليهود، ينطلق متى من إبراهيم لكي يصل إلى يوسف، الذي يصفه بأنّه “زَوجَ مَريمَ الَّتي وُلِدَ مِنها يسوع وهو الَّذي يُقالُ له المسيح”. من ناحية أخرى، يعود لوقا إلى آدم، مبتدئًا بيسوع “ابن يوسف”، لكنه يحدد كما: “كانَ النَّاسُ يَحسَبونَه”. لذلك، يقدم كلا الإنجيليَّين يوسف لا كأب بيولوجي ليسوع، وإنما مع ذلك كأب بالمعنى الكامل له. من خلاله، حقق يسوع تمام تاريخ العهد وتاريخ الخلاص بين الله والإنسان. بالنسبة إلى متى، يبدأ هذا التاريخ مع إبراهيم، أما بالنسبة إلى لوقا فيبدأ مع بداية البشريّة.
تابع الأب الأقدس يقول يساعدنا متى الإنجيلي لكي نفهم أن شخصية يوسف، على الرغم من كونها هامشية في الظاهر، ومتحفِّظة، تمثل قطعة محوريّة في تاريخ الخلاص. يعيش يوسف دوره الريادي دون أن يرغب أبدًا في أن يستولي على المشهد. وإذا فكرنا في الأمر، نجد أن حياتنا “قد نسجها وعضدها أشخاص عاديّون – ومنسيّون عادة- لا يظهرون في عناوين الصحف أو المجلّات […] كم من الآباء والأمّهات والأجداد والجدّات، والمعلّمين يُظهرون لأطفالنا، من خلال تصرفات صغيرة ويومّية، كيف يواجهون ويتخّطون الأزمات من خلال تكييف عاداتهم ورفع أنظارهم إلى العلى وتحفيزهم على الصلاة. كم من الأشخاص يصلّون ويساعدون ويتشفّعون من أجل خير الجميع”.
وهكذا، يمكن للجميع أن يجدوا في القديس يوسف، الرجل الذي يمر دون أن يلاحظه أحد، رجل الحضور اليومي، الحصيف الذي يعيش في الخفاء، شفيعًا لهم وعضدًا ومرشدًا في أوقات الشدة. فهو يذكرنا بأن جميع الذين يعيشون في الخفاء ظاهريًّا أو في “الخطوط الثانوية” لديهم دور رياديٌّ لا مثيل له في تاريخ الخلاص؛ والعالم يحتاج إلى هؤلاء الرجال والنساء.
أضاف الحبر الأعظم يقول يظهر يوسف في إنجيل لوقا كحارس ليسوع ومريم. ولهذا السبب فهو أيضًا “حارس الكنيسة، لأن الكنيسة هي امتداد لجسد المسيح في التاريخ، وفي الوقت عينه تختبئ أمومة مريم في أمومة الكنيسة. ولذلك وإذ يستمرُّ يوسف في حماية الكنيسة، يستمر في حماية الطفل وأمه. إنَّ هذا الجانب من حماية يوسف هو الجواب العظيم على رواية سفر التكوين. عندما حاسب الله قايين على حياة هابيل، أجاب قايين: “أحارس أنا لأخي؟”. أما يوسف، فيبدو من خلال حياته أنّه يريد أن يخبرنا أننا مدعوون على الدوام لكي نشعر بأننا حراس لإخوتنا، وحراس للأشخاص الموجودين بقربنا، والذين يأتمننا الرب عليهم من خلال ظروف الحياة. إن مجتمعًا مثل مجتمعنا، والذي تم وصفه على أنه “سائل”، يجد في قصة يوسف مؤشرًا دقيقًا حول أهمية الروابط البشرية. في الواقع، يخبرنا الإنجيل عن سلسلة نسب يسوع، ذلك ليس لسبب لاهوتي وحسب، وإنما لكي يذكّر كل منا منا بأن حياتنا تتكون من روابط تسبقنا وترافقنا. وابن الله، لكي يأتي إلى العالم، قد اختار درب الروابط.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أفكر في العديد من الأشخاص الذين يكافحون لكي يجدوا مجدّدًا روابط مهمّة في حياتهم، ولهذا السبب بالذات يتقدّمون ببطء ويشعرون بالوحدة، ولا يملكون القوة والشجاعة للمضي قدمًا. أريد أن أختتم بصلاة تساعدهم وتساعدنا جميعًا لكي نجد في القديس يوسف حليفًا وصديقًا وعضدًا. أيها القديس يوسف، أنت الذي حافظتَ على العلاقة مع مريم ويوسف، ساعدنا لكي نعتني بالعلاقات في حياتنا، لكي لا يختبر أحدٌ منا ذلك الحسِّ بالهجر الذي يأتي من العزلة. ولكي يتصالح كل شخص مع تاريخه ومع من سَبَقه ويرى أيضًا في الأخطاء التي اقترفها أسلوبًا عمِلَت من خلاله العناية الإلهيّة لكي لا يكون للشر الكلمة الأخيرة. أظهر نفسك صديقًا للأشخاص الذين يجتهدون ويتعبون وكما عضدتَ مريم ويوسف في الأوقات الصعبة، هكذا اعضدنا نحن أيضًا في مسيرتنا. آمين.