التأثير التربوي للثواب والعقاب على الأطفال
الأستاذ توفيق قيروع
أيمكن للثواب والعقاب أن يكونا وسيلتي تربية انضباطية واعية؟ وإذا كان ذلك ممكناً فضمن أيِّ شروط؟
فالأمم بالأخلاق، والأخلاق بالتربية، والتربية حرفة شاقّة وصعبة وقد قال الفيلسوف “كانت”: “إنّ فنّ السياسة، وفن التربية أصعب حِرَف البشر على الإطلاق”.
والتشجيع والعقاب وسيلتان بالغتا التعقيد للتأثير التربوي على الطفل وهما لا تملكان القوة الفعّالة إلا على يدي مربٍ قدير. وهما وسيلتان معروفتان في التربية عبر كلّ الأزمنة، ولدى كلّ الشعوب، إلا أنّ التمايز كبير في التدابير المحددة للثواب والعقاب المتّبعة في المدارس والأسر في مختلف بلدان العالم.
ويمكن القول إنّه حسب نوعية الثواب والعقاب المتبعين في تربية الأطفال، تكون طبيعة استخدام هاتين الوسيلتين التربويتين، والمكانة التي تشغلانها في نظام التأثير العام على الأطفال، وكلّما كان مضمون تأثير الثواب والعقاب روحياً ودقيقاً على الشخصية المتكونّة، كلما كانت الدافعية الأخلاقية لسلوك الطفل أعلى والعكس صحيح.
فالمهمة السيكولوجية للتشجيع والعقاب تتمثل في إثارة شعور الطفل، وبالتالي أن يقيّم بنفسه تصرفه، الأمر الذي يعتبر شرطاً ضرورياً للتحسين الخلقي للشخصية. فالتشجيع كشكلٍ للتقييم الإيجابي لسلوك الطفل يثير في نفسه الشعور بالفرح والنشوة والبشاشة والثقة بالنفس، وكلُّ هذه المشاعر تساعد على تكرار التصرفات الخلقية السليمة، وتقوّي الطموح الواعي إلى السلوك المطلوب.
أمّا العقاب كشكلٍ لإدانة تصرفات الطفل السلبيّة فيثير لديه مشاعر الخجل، الندم، الحرج، وعدم الرضا عن النفس، ثمّ تأنيب الضمير وهذا ما يجعل العقاب مؤثراً للغاية، ويحفز الطفل على إيقاف بعض التصرفات، وتنشيط بعضها الآخر.
وتنتشر بين أوساط المربين، والرأي العام الواسع آراء مختلفة حول استخدام الثواب والعقاب في تربية الأطفال، فمنهم من يؤيد الإكثار من العقاب، والإقلال من الثواب، وفريق ثانٍ يحبذ الإكثار من الثواب، والإقلال من العقاب، بينما يرى فريق ثالث وجوب ممارسة الثواب فقط، وعدم اللجوء إلى العقاب نهائياً، وثمّة من يعتقد أنّ التربية الحقيقية هي تلك التي لا ثواب ولا عقاب فيها.
فالكثير من الآباء والأمهات يبالغون في الوعظ، ويكثرون من الأحاديث التهذيبية مع الأطفال، وممّا لاشكّ فيه أنّ التوضيحات، والإقناعات ضرورية ولا يجوز إساءة استخدامها، وقد وقف أ.س ماكارينكو ضدّ ذلك حين قال:
“إنّ المربي الذي يلاحق تلامذته بالأحاديث المتعمدة بشكل واضح يضجر التلامذة، ويثير لديهم بعض الآثار المعاكسة”.
وقد يثير استخدام الثواب والعقاب خلافاتٍ حادة بين الآباء والأمهات، لأنّ منهم من يعتبر هذا الاستخدام أثراً من مخلفات الماضي، وهو لا يناسب الواقع الحاضر، ومنهم من يرى أنّه من المستحيل تربية الطفل دون عقاب، فالفريق الأول يقول: “العقاب ينشئ شخصية مسلوبة الإرادة، ويردّ الثاني بأنّ عدم العقاب ينشئ شقاة”.
فالأطفال حساسون جداً نحو تقويم سلوكهم، ويجدون سروراً كبيراً في أن يحتفي الكبار بنجاحاتهم، وفي أن يتلقوا التأييد منهم، ومن المضرّ معاقبة الطفل باستمرار، ففي بعض العائلات يكون الوالدين صارمين بشكل زائد، يدينان كلّ خطأ، أو خيبة أمل للطفل، ومثل هذه التربية “بطريقة القمع” لم ولن تأتي بنتائج طيبة.
ومهما يكن فيجب الاعتقاد بأنّ الطفل قادر على تقويم نفسه، ولا يجوز الترويد على مسامعه بأنه سيئ، مهمل، كسول، فإذا ما سمع هذه الصفات اعتقد بأنه غير قابل للإصلاح، فلا يسعى ولا يعمل لإصلاح نفسه.
وقد شجب أ.م غوركي هذه الحالة فقال:
“لا تنظر إلى إنسان بفكرة أنّه ينطوي على الشر أكثر من الخير، بل انظر إليه دائماً على أنّ فيه من الخير أكثر مّما فيه من الشر وسيكون كذلك”.
والشرط الأساسي للتأثير التربوي المباشر للثواب والعقاب هو عدالتهما، فالعدالة حقٌ لنا، وهو حقٌ أخلاقي، في المدرسة القديمة وعند استخدام الثواب والعقاب كانت العدالة موجودة ولكن بشكل محدود، وهذا ليس غريباً لأنّ الوسائل التي يملكها المربي كثيرة وبها يستطيع أن يخرج منتصراً ولو لم يكن محقاً.
فالمضمون الأخلاقي للثواب والعقاب في تربية الأطفال يمكن أن يكون واضحاً من خلال تحليل علاقة الطفل الهامّة بالمربّي، هذه العلاقة التي يجب أن تبنى على الود، والحبّ، والاعتراف بحقوق الطفل واستقلاليته. فالثواب والعقاب بواسطة تغيير في العلاقات المشتركة بين الراشد والطفل هما أكثر تعقيداً من تطبيقهما عملياً، وهما يتطلبان من المربّي حذاقة ومهارة كبيرتين، وهذا لا يعني أن يهمل الآباء أيّ اعوجاج بلا تقويم، وأيّ هفوة بلا إصلاح، وذلك بالمجازاة حيناً، وبالتأنيب أو باللوم أحياناً أخرى، إذ لا أسهل من أن تتحول هنات الطفل البريء إلى أخطاء فمساوئ ثمّ خشونة وذنوب وجرائم حين يصير رجلاً.
يجب أن يكون العقاب عادلاً كي يعيه الطفل كتدبير يستحقه، ويحثّه على تعديل سلوكه متمثلاً بشعوره بالذنب، وهو الشعور الذي يعانيه الطفل جرّاء التقييم السلبي لسلوكه، وبالمقابل فإنّ مكافأة الأطفال ممكنة ولكن في حالات استثنائية، وبحذر بالغ آخذين بعين الاعتبار سنّ الطفل، وميوله الخاصة، ومن العبث أن تهدى للطفل آلة تصوير باهظة الثمن، وهو لا يعرف شيئاً عن التصوير.
إنّ بعض المعلمين والمدرسين يستخدمون أحياناً العقوبة الجماعية لصفٍ بكامله، أو لمجموعة من الصفوف، هذه العقوبة تدمرّ الوجه الحقيقي للجماعة، وتحولها إلى “تجمّع” يستطيع الأقوياء به أن يشاغبوا على حساب الضعفاء، فالمسؤولية الجماعية الحقيقية لا تكون بدون عدالة، بدون ضبط للعلاقات الجماعية بواسطة رأي عام سليم.
ومن هنا فقد طرح عدد من المربين في القرن الماضي فكرة إشراك التلاميذ في مسألة الثواب والعقاب، وقد كتب (ب.غ ريدكين) قائلاً بهذا الشأن: “إذا ألقينا مسؤولية تخريب أثاث صفٍ ما على الصفّ كلّه، ووجهنا تنبيهاً عاماً للتلاميذ كي يناقشوا مثلاً مَنْ منهم يستحق الجائزة؟ ومّنْ يستحق العقوبة؟ فإننا نفعل الكثير بالنسبة للانضباطية”.
الطفل شعاع من أشعة السعادة، فهو ضحوك، لعوب بطبيعته، أو رأيتم طفلاً لا يضحك، ولا يلعب؟ إذا وجِدَ فهو إماّ مريض جسمياً، أو نفسانياً وفي كلتا الحالتين تجب مداراته، وإعادة الضحكة إلى ثغره، وحثّه على اللعب.
ولكي نحافظ على بريق ولمعان ذلك الشعاع، علينا أن نقيه تأثير الشارع، إذ ليس الوالدان يربيان ولدهما وحدهما، وليست المدرسة شريكهما الوحيد في عملهما، فالبيئة مربية أساسية للطفل، لا يقل تأثيرها عن تأثير الاثنين معاً.
وخلاصة القول:
إنّ عقاب الطفل جسدياً يسحق شخصيته، ويجلب له عذاباً معنوياً كبيراً، كما يبعث الألم في نفسه، ويثير الحنق، ويمنعه من أن يقوّم فعلته التقويم الصحيح، وبالتالي لا تتولد لديه الرغبة في إصلاح نفسه.
Discussion about this post