سيكولوجية الطفولة
الأستاذ موريس آكوب
مقدمة
نوعان من المعرفة ينبغي على المربي المسيحي عموماً ومعلم التعليم المسيحي خصوصاً أن يُلِّم بهما:
معرفة العقيدة المسيحية التي تُعلّمها الكنيسة, ومعرفة علمية صحيحة بنفسية الإنسان في مراحله العمرية المختلفة : الطفولة, المراهقة و الشباب. إن هذه المعرفة الأخيرة وتحديداً معرفة الطفولة من شأنها أن تساعده في العودة إلى ذاته واستعادة طفولته, ومن ثمّ معرفة ذاته (معرفة الذات رأس الحكمة), وتساعده أخيراً في بناء علاقة تربوية صالحة ومناسبة بفضلها يغدو مربياً ناجحاً.
مرحلة الطفولة
يمكن تقسيم هذه المرحلة إلى طفولة أولى, وثانية, وثالثة, كما يمكن تقسيمها تقسيماً أبسط إلى طفولة مبكِّرة تمتد من الولادة وحتى سن الدخول إلى المدرسة, وطفولة متأخرة وهي مدة المدرسة الإبتدائية من السادسة ولغاية الحادية عشرة. هذا التقسيم الأخير هو الذي سنعتمده في هذا المقال.
أولاً – مرحلة الطفولة المبكِّرة
مرحلة هامة جداً وحاسمة في تكوين الشخصية, فيها يوضع الأساس وتُرسى النواة لبناء الشخصية, فإن كان هذا الأساس سليماً ثابتاً, كانت الشخصية سليمة مستقرة وإلاّ فقد تصبح مريضة أو أقلّه مضطربة. يعْزو ” فرويد ” مؤسس التحليل النفسي, معظم مركبات النقص لدينا إلى هذه المرحلة تقريباً , إذ أن شخصيتنا هي حصيلة مكوِّنين: الأول هو ما اختبرناه و عشناه في طفولتنا وسائر مراحل حياتنا , والثاني هو ما ورثناه من أهلنا و أجدادنا. كما يرى علماء الإجتماع أن بيئة الطفل وخاصة البيتية منها تلعب دوراً هاماً في تكوين شخصيته, إذ تعتبر المصدر الأول في تكوين اتجاهاته وميوله وصياغة نظرته إلى الحياة, كما أن نمط علاقته بأمه ذو تأثير بالغ في هذه النظرة, فإن كانت هذه العلاقة سليمة, أي إذا شعر الطفل من خلالها بالأمن والطمأنينة بدا له العالم آمناً مطمئناً والآخرون مصدر ثقة ومحبة, أما إذا كانت متوترة بدا له العالم موحِشاً مُقفِراً وأحياناً مُخيفاً مما يؤدي إلى عزلة لديه أو حالات اكتئابية وعصابية.
ولهذا على الأهل أن يكونوا واعين منتبهين لأولادهم كي يوفروا لهم أفضل الأجواء البيتية إذا ما أرادوا أن ينشأوا أسوياء الشخصية.
إن ما يتأثر به الطفل تربوياً في جو العائلة يختلف باختلاف جو العائلة الإيجابي أو السلبي؛ فيمايلي بعض نواحي هذا التأثير:
1- الطفل بطبعه أناني, فهو ميّال إلى حب الذات والتملك, وفي الأسرة بإمكانه أن يتعلّم كيف يتحرّر من قبضة أنانيته وأن يكون غيْرياً وذلك بالسيطرة على أهوائه ونزواته وبالتدرّب على تقبّل الآخرين واحترام حقوقهم والتلاؤم معهم.
2 – بإمكان الطفل, بفضل دافع التقليد والمحاكاة القوي لديه, أن يتعلم في محيط الأسرة المبادئ الأولى للسلوك وحسن التصرّف, فهو يلاحظ سلوك الآخرين من أفراد أسرته ولاسيما الكبار منهم, ويقلّدهم في سلوكهم وتصرّفاتهم, وهو من خلال تفاعله معهم يكتسب منظومة من العادات المتعلقة بالطعام والشراب واللباس, والكلام والمخاطبة والتعامل.
3 – مَثَل الطفل كَمَثَل الإسفنجة, فهو يمتص من أُسرته ووفقاً لاستعدادته, ما فيها من اتجاهات وميول ومواقف إيجابية كانت أم سلبية بالنسبة إلى الدين والحياة الاجتماعية, ويحدث ذلك غالباً بصورة لا واعية؛ فنظرته إلى الدين عامة, وإلى الله خاصة تتأثر عادة بما يراه و يسمعه ويختبره في جو البيت, فإذا عاش في جوّ يسوده الخشوع الإيماني والتقوى والصلاة والممارسة الدينية، تأثّر بذلك كله، وقد يبني عليه مواقفه الدينية الشخصية مستقبلاً.
4- ثمّة أسباب عديدة تتعلق بجو العائلة يمكن أن تجعل الطفل في المستقبل مضطرباً نفسياً بل ومعقداً نذكر منها:
– إذا حُرم في طفولته من حنان الأم و رعايتها, أو إذا اختبر الإهمال أو الرفض غير مرغوب فيه أو إذا أُسنِدت تربيته إلى أشخاص غير مؤهلين عاطفياً وخلقياً، فقد يبقى طيلة حياته يعاني من شعور النقص في الحب والحنان.
– إذا أُهمِل بسبب مجيء طفل جديد إلى العائلة وانشغال الأم عنه برعاية أخيه هذا ولم يتمكن من تخطي شعوره بالغيرة منه, فقد يشبّ وهو يحمل شعوراً بأنه منبوذ فينطوي على نفسه.
– إذا أحيط بعناية وحماية مفرطتين قد تجعلانه في الكِبَر اتكالياً, تنقصه الشجاعة والثقة بالنفس، يتهرّب من تحمّل المسؤولية, وقد يشبّ ميالاً إلى مزيد من العطف والحنان, وإن لم يتوفرا له بطرائق سليمة ومشروعة قد يلجأ إلى التعويض عنهما بطرائق ووسائل غير سليمة ومشروعة.
– إذا كان الوالدان صارمين أكثر من اللازم في تربيتهما للولد، فقد يشبّ إمّا متمرداً عدوانياً وإما خنوعاً منطوياً يرضخ للآخرين, وذلك وفق ديناميكية شخصيته.
ثانياً – مرحلة الطفولة المتأخرة (سن المدرسة الابتدائية)
يمكن أن نقترح الأساليب التالية:
1- أن نفسح له في المجال ليلعب ويلتقي رفاقه بشيء من الحرية والعفوية, فاللعب حاجة حيوية لديه لا تقل أهمية عن الحاجة إلى الطعام, به تنطلق شخصيته وتنفتح على عالم الآخرين مما يجعله يتخلى تدريجياً عن طفولته ويدخل العالم الحقيقي الواقعي بكل مافيه من منافسة وصراع وقلق وإحباط, ونجاح وإخفاق ¸وألم وفرح إلخ …… إنه من الضروري بمكان أن نشجِّعه على مجابهة الواقع الحياتي كما هو في حلوه ومرّه كيلا يعيش في غربة عنه.
2 – أن ندرِّبه على الطاعة والنظام ليدرك أنّ له حدوداً يجب الوقوف عندها واحترامها صوناً لحرية الآخرين عملاً بالحكمة القائلة (تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين). فلا ضبط أكثر من اللازم ولا حرية أكثر من اللازم, إنما توازن معقول بينهما, لأن الضغط الزائد من قبل المربيين أهلاً كانوا أم معلمين مضرٌ جداً, فقد يؤدي إلى الكبت والإحباط ويدفع الولد إلى التعبير عن مشاعره المكبوتة بطرائق معوجّة مثل الكذب والعدوان. كما أن الحرية الزائدة قد تدفعه إلى إساءة استعمالها كأن يتطاول على الآخرين ويتسلّط عليهم ويسيء معاملتهم.
3 – أن نربي حريته بحيث يسلك في الحياة لا كما يحلو له بوحي من أنانيته, وإنما بدافع من عقله, فيفكر ويعمل بحسب قناعاته ومواقفه الشخصية المنضبطة بضوابط عقلية منطقية.
4 – أن ندّربه على التكيّف والنضج والاندماج الاجتماعي, وذلك بِحثّه على الإنفتاح على الآخرين ومشاركتهم والتعاون معهم. إننا بذلك نساعده على الخروج من دائرة عالمه الصغير وندخله إلى عالم الآخر ونمّرسه على الخيرية والمحبة، ونجنّبه بذلك خطر الوحدة والعزلة والإنطوائية والخجل.
5 – أن نشجّعه على اكتشاف ذاته ومواهبه وطاقاته, وأن نجيبه إجابة علمية صحيحة عن أسئلته الجنسية حسب مداركه, إذ تُعتبر هذه المرحلة أيضاً مرحلة التربية الجنسية والأخلاقية.
الأسس الواجب إتباعها عند تعليم الطفل
1 – تُعتبر حواس الطفل نوافذه على العالم الخارجي, فهو يتعلّم بعينيه وأذنيه ويديه, إنه يتعلّم بالملاحظة والخبرة والعمل عن طريق حواسه ومشاعره المختلفة, لهذا يجب الإعتماد على مختلف الوسائل السمعية والبصرية وعلى الأنشطة التعبيرية ( تمثيل, رسم, تلوين, رتب دينية …).
2 – استخدام أسلوب المحادثة الشخصية مع الطفل وربطها بمظاهر الحياة والأشياء الموجودة في عالمه وبيئته الخاصة. فمن قواعد الطريقة في التعليم الإنتقال من القريب إلى البعيد, ومن المحسوس إلى المجرد, ومن البسيط إلى المركب، ومن السهل إلى الصعب.
3 – تشجيعه على الحفظ القائم على الفهم والإدراك وتجنّب الحفظ الآلي الببغائي؛ فلا بأس أن يحفظ, في كل لقاء تعليم مسيحي آية من الكتاب المقدس أو أكثر؛ إنّ ما يحفظه عن فهم وإدراك يصبح جزءاً من ثقافته وشخصيته ويستذكره عند الحاجة ويعمل بموجبه.
4 – أن ندفعه تدريجياً إلى فهم مايعمله ويتعلّمه إذ يعتبر ذلك ضرورياً لتربية ضميره حتى إذا ماكَبُر فَهِم جيداً أساس مايعمله ويتعلّمه .
5 – أن نوفر له جواً من الفرح والطمأنينة والسلام, وأن نعامله بحب ولطف مع شيء من الحزم والإنضباط.
6 – أن نتحدّث إليه وخاصة في لقاءات التعليم المسيحي حديثاً شخصياً ينطلق من واقعه وردود فعله, واستناداً إلى القصص و الحوادث الحياتية والمناسبات الإجتماعية والدينية التي يعرفها ويعيشها, وذلك لنساعده من خلالها على الوصول إلى المعنى الديني الأعمق والأبعد, وإلى قلبه حيث يلتقي القول مع الحياة (الفعل), ويعيش هكذا خبرة إيمانية تربطه بالرب.
خاتمة
ما من عمل ورسالة يحتاجان إلى شخصية متزنة ناضجة مثل العمل والرسالة في حقل التربية. إن التربية الجيدة, كما يقول أحد علماء التحليل النفسي, تعتمد على اتزان ونضج المربي وصدقه مع ذاته، لهذا على المربي أن يعرف ذاته في محاسنها وعيوبها, وأن يكون منسجماً مع ذاته قدر المستطاع ليتمكن من أداء رسالته على الوجه الأمثل,
المراجع
علم نفس الطفولة و المراهقة. د. فيصل الغزي
علم النفس التربوي. د. فاخر عاقل
مبادئ علم النفس التربوي (مطبوعة). الأب يوسف بربي اليسوعي
Discussion about this post