كنيسة “الدم المقدس”
كنيسة الدم المقدس تحفة معمارية ذات طابع ديني مُبهر، فتصميمها سيخطف أنظارك من الوهلة الأولى حين تطأ أقدامك أعتاب الكنسة الأشهر، في دولة بلجيكا بالتحديد بمدينة بروج التراثية الحالة بالقلاع والمباني الأثرية ذات الطراز الأوروبي المبني بالعصور الوسطى.
الصمت والهدوء هي قواعد صارمة لابد من اتباعها خلال زيارتك لكنيسة الدم المقدس، التي تزخر بصلوات الزائرين من كافة أنحاء العالم الذين يوقدون الشموع ورعًا.
مقام للصلبان
تتميز الكنيسة البلجيكية ببهو كبير يتخلله عدد من المقاعد الخشبية العتيقة التي يصل عمرها لمئات السنين، يجلس عليها عدد من الزوّار متعددي الجنسيات ليتلو الصلوات ويوقدون الشموع بقدسية شديدة، أمام مقام من الصلبان الذهبية التي تتوسط الكنيسة ويحاوطها حواجز حمراء لعدم الاقتراب منها.
تعمر أسقف الكنيسة بجمال فريد من نوعه لكونها مُزينة بالألواح الخشبية المزركشة، التي تضفي روعة في المعمر الأوروبي في العصور الوسطى، فهذه الكنيسة تحمل قدسية خاصة بقلوب سكان المدينة بلجيكية لاحتفاظها بدماء السيد المسيح المباركة، الذي يقال أنه تم نقله من أرض المقدس خلال الحروب الصليبية إلى الكنيسة البلجيكية، لتبات مزاراً للمسيحيين من كافة أنحاء العالم.
على الرغم من أنّ الإنجيل لا يذكر أنّ دم المسيح قد احتفظ به أحد أتباعه؛ فإنّ أحد المصادر غير المؤكدة من الكتابات المسيحية القديمة، تقول إن “جوزيف أريماثا” الذي غسل المسيح احتفظ بقطرات من دمه الثمين بعد الغسل.
وكمكافأة لخدماته العظيمة في الحملات الصليبية؛ قدم شقيق زوجة بلدوين الثالث، حاكم أورشليم زجاجةً تحوي بقايا الدم المقدس إلى الكونت تييري الألزاسي، الذي عاد بها من الحملة الصليبية الثانية (من 1147 إلى 1149) إلى مدينة بروج في بلجيكا. وتؤكد البحوث التي أجريت حول عمر القنينة أنها صنعت في تلك الفترة تقريباً، من الكريستال الصخري، مماثلة لما كان يوضع فيه العطر في القسطنطينية قديما.
في عام 1134، كان الكونت تيري قد قرر بناء كنيسة خاصة مزدوجة قرب المقر الأول لإقامة أسلافه كونتات الفلاندرز، والذي تحول اليوم إلى قاعة بلدية مدينة بروج. وبعد عودته من الحملة الصليبية وضع في الكنيسة قنينة الدم وقطعة قماش من ملابس المسيح، وأصبح الاسم الذي يطلق على الكنيسة هو كنيسة الدم المقدس.
تقع الكنيسة في ساحة المدينة، وتتكون من طابقين، توجد في الطابق الأول كنيسة صغيرة مخصصة للقديس باسيليوس، بها هيكل روماني لم يتغير منذ وضع فيها. أما الطابق العلوي فتقع به الكنيسة التي تحتوي على البقايا المقدسة، وهذه أعيد بناؤها في القرن السادس عشر على الطراز القوطي، وجرى تجديدها عدة مرات في القرن التاسع عشر. وواجهة المبنى الخارجية لها ثلاثة أقواس مذهبة متماثلة ومذهلة التصميم والصنع.
لم تفتح الزجاجة منذ وصولها إلى بروج أبدًا، وعنقها ملفوف بخيط ذهبي وسدادتها مختومة بالشمع الأحمر. والقارورة مغلفة في أسطوانة ذهبية ذات وجه زجاجي، وأطرافها مغلقة بمنحوتات تمثل ملائكة ومزينة بالرسوم. ومحفور على إطار الأسطوانة تاريخ الثالث من مايو/أيار 1388 باللغة اللاتينية. ومنذ وصولها إلى المدينة والقنينة تلعب دورًا كبيرًا في الحياة الدينية للمجتمع المحلي، وفي عام 1310 أصدر البابا كليمنت الخامس قرارًا بمنح الغفران للحجاج الذين زاروا الكنيسة لرؤية بقايا دم المسيح، هذا القرار فتح باب الحج للمدينة بأوسع صورة. وفي كل يوم دون انقطاع يزور عجائز بروج الأثرَ الأكثر ثراءً وقداسة، والذي ضمته يونسكو إلى قائمتها للتراث الثقافي غير المادي.
في الاحتفالات السنوية بكنيسة الدم المقدس، وفي موكب الصعود؛ يتم عرض القنينة في مزار خاص صنع عام 1617 في بروج على يد الصائغ جان كراب، من حوالي ثلاثين كيلوغراماً من الذهب والفضة، وما يفوق مائة حجر ثمين مطعم بها. ويتألف من علبة سداسية مرصعة بالجواهر، وتتصدره تماثيل ذهبية للمسيح ومريم العذراء والقديس دوناتيان والقديس باسيل الكبير. وجود القنينة البلورية المقدسة هذه كان كافياً لجعل مدينة بروج حلماً لملايين الحجاج والسائحين الذين يتمنون رؤيتها للتبرك بها وطلب المغفرة والتطهر من الذنوب.