الكاتدرائية المريمية
الكنيسة المريمية أو الكاتدرائية المريمية وهي إحدى كنائس مدينة دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية، تُعدّ من الكنائس الأثرية القديمة، في بلاد الشام أيضاً، وارتبط تاريخها العريق بتاريخ دمشق، وهي مقرّ بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس. وهي من الكنائس الأثرية السورية القديمة يعود تاريخها إلى بداية انتشار المسيحية في دمشق، كما أنها كنيسة أرثوذكسية تابعة لطائفة الروم الأرثوذكس
تقع الكاتدرائية المريمية في «دمشق القديمة»، على يسار الطريق المستقيم المتّجه إلى باب شرقي، من باب الجابية. لهذا، عند زيارتها، لا بدّ من المرور بالشارع المستقيم، وهو الشارع الذي يحمل الكثير من الأهمية الدينية والتاريخية للدمشقيين.
بناه الرومان في القرن الأول قبل الميلاد، وكان الشارع الرئيس لمدينة دمشق القديمة، وقد سمّى الرومان الشارع بِاسم «فيا ريكتا» أي الطريق المستقيم. وجاء بناء الشارع بما يتناسب وأسلوب بناء المدن اليونانية والرومانية، أي أسلوب البناء الشطرنجي الهلنستي، والمقسّم بالشوارع الصغيرة إلى أحياء صغيرة.
ذُكر الشارع المستقيم في الإنجيل، وذلك في سِفر أعمال الرسل. أما الشارع الحديث فهو مقسّم إلى قسمين: القسم الأول يُعرف بِاسم «شارع باب شرقي»، ويمتد من قوس النصر حتى باب شرقي. أما القسم الثاني، فيُعرف بِاسم «شارع سوق مدحت باشا»، وهو يمتد من باب الجابية وحتى قوس النصر، وبعض أجزائه مغطّى بسقف حديدي.
وتعتبر الكنيسة المريمية أكبر كنيسة في الشرق ويوازيها في المساحة كنيسة القديسين بطرس وبولس في مدينة أنطاكية. انتقال الكرسي البطريركي اكتسبت الكنيسة المريمية أهميتها، منذ لحظة انتقال الكرسي البطريركي من أنطاكية إلى دمشق عام 1344 م.
حيث تعتبر حالياً كاتدرائية بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، التي يتم فيها تنصيب البطاركة والأساقفة. وتابع زيتون أننا نفتخر بما يقوله الغرب المؤمن «طريق دمشق»، الذي يرتبط بحادثة انتشار المسيحية بعد اهتداء بولس الرسول للمسيحية في مدينة دمشق على يد حنانيا، حيث انطلق بولس بالتبشير جنوب سوريا وشمالها حتى وصل إلى أنطاكية.
حيث التقى بالقديس بطرس وأسسا معاً بطريركية أنطاكية وسائر المشرق، وكان بطرس أول البطاركة وذلك في عام 45 م وبقي لمدة 7 سنوات، ثم استقال وانطلق إلى التبشير ووصل إلى روما عام 64 م، حيث التقى برفيقه بولس وأسسا معاً أسقفية روما (البابوية).
التسمية والتاريخ
سُمّيت الكاتدرائية بِاسم «كنيسة مريم» نسبة إلى اسم السيدة العذراء، وهي في الأصل كلمةٌ آراميةٌ، وصفةٌ مؤنّثةٌ بمعنى «نقية أو طاهرة».
يعود تاريخ الكنيسة المريمية الرئيسة إلى القرن الأول المسيحي. وفي عهد الامبراطور قسطنطين الأول، اعترفت الامبراطورية البيزنطية لرعاياها بحرّية العبادة. عندئذ أصبح المسيحيون قادرين على إعلان إيمانهم من دون التعرّض للاضطهاد.
وبقيت «كنيسة مريم» في الخدمة حتى وصول الإسلام إلى مدينة دمشق، الذين قاموا بمحاصرتها، وتم السيطرة على المدينة على يد خالد بن الوليد حرباً، وعلى يد أبي عبيدة بن الجراح صلحاً، وهكذا خضعت المنطقة لسيطرة الدولة الإسلامية، وتم استملاك مبانٍ كثيرة، بينما بقيت المنطقة التي تم فتحها صلحاً تحت سيطرة أصحابها.
على رغم تعرّضها للخراب عدّة مرات، إلا أنّها من الكنائس التي تم الحفاظ عليها، دخل الاسلام دمشق عام 635، حيث سيطرت الجيوش العربية الإسلامية على دمشق من بابين: الباب الشرقي بقيادة خالد بن الوليد لتعلن الحرب، ومن باب الجابية الغربي، بقيادة أبي عبيدة بن الجرّاح، معلنةً الصلح بوساطة سرجون النصراني، جدّ القديس يوحنّا الدمشقي. والتقى الجيشان عند المئذنة البيضاء بجوار الدار البطريركية الأنطاكية حالياً الكنيسة المريمية فأغلقت الكنيسة، واعتبرت من أملاك الدولة لوقوعها على الحدّ الفاصل بين دخول جناحَي جيش المسلمين.
ظلّت الكنيسة مغلقة حتى عام 706، ما أدّى إلى إهمالها وتخريبها. وفي السنة نفسها، قام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بإعادتها إلى الرعية الأرثوذكسية مقابل كاتدرائية يوحنا المعمدان، التي أصبحت في ما بعد الجامع الأموي. حيث قال لهم: إننا نعوّض عليكم عن كنيسة «يحيى» بكنيسة «مريم».
تعرّضت الكنيسة بعد عهد عمر بن عبد العزيز لحرائق وأعمال تخريبية كثيرة، ففي عام 926 دُمّرت الكنيسة على يد بعض المخرّبين، وأمر الخليفة المقتدر بالله بإعادة ترميمها، وخُرّبت من جديد عام 1260، وأعيد بناؤها، ثمّ خرّبها جنود تيمورلنك عام 1400، ونهبوا كنوزها وأوانيها فأعاد البطريرك ميخائيل الثالث إعمارها وترميمها.
عام 1342 انتقل مركز الكرسي البطريركية الأنطاكية إلى الكنيسة المريمية، وأصبحت مقرّاً بطريركياً لطائفة الروم الأرثوذكس.
وعام 1759، وقعت في دمشق هزّة أرضية عنيفة أدّت إلى تصدّع جدران الكنيسة، وبقيت على حالها حتى وصول البطريرك دانيال عام 1767، الذي استأذن والي دمشق محمد باشا العظم بهدمها وإعادة بنائها، وكان ذلك عام 1777.
في عهد الوالي التركي ختكين، أُعيد بناء الأسقفية المريمية والكنيسة، فقام الأهالي بتجميلها وتزيينها حتى أصبحت من الأماكن الرائعة في دمشق.
وعام 1860، أُحرقت الكنيسة وخُرّبت، فأعاد البطريرك إيروثيوس الأول بناءها، وضمّ إليها ساحة كنيسة كبريانوس ويوستينا، ودمج هذه الكنائس في كنيسة واحدة سمّيت المريمية.
عام 1953، عانت الكنيسة من تصدّع في سقفها، فقام البطريرك آلكسندروس الثالث بتجديدها، وأعاد النقوش والألوان والرسوم إليها بأموال تم تقديمها من الحكومة السورية ومن مؤسسات الرعية الأرثوذكسية.
الوصف المعماري
طراز الكنيسة بيزنطي، وهي تتّسع إلى ستمئة شخص، وتقام فيها الشعائر الدينية المختلفة. يتوسط القاعة وعلى الجانبين منبران من الحجر لكل منهما سلّم ملتوٍ كانا يستخدمان لقراءة الإنجيل. وفيها على الجانبين اثنتان مما يسمّى «بالبيما» وهو مكان وقوف الكورال أي الكورس الذي يردّد الصلوات والتراتيل الدينية خلف الكاهن، والذي يقوم بالغناء الكورالي في الاحتفالات الدينية. في صدر الكنيسة يوجد «الأيقونسطاس»، وهو عبارة عن حاجز خشبي يمتد على عرض الكنيسة، توضع عليه أيقونات للمسيح والعذراء وباقي الرسل. وسقف الكنيسة مصنوع من الخشب ويحوي نقوشاً وزخارف أما جدرانها فتضم لوحات وأيقونات كنسية. الرخام البديع الذي صنع منه الايقونسطاس هو إنتاج دمشقي بحت، وحفر الخشب الموجود على الأبواب الملكية هو من الفنون الدمشقية الراقية، كما أن الأيقونات الموجودة في الكنيسة هي من فن المدرسة السورية. وتعتبر الكنيسة من أهم معالم السياحة الدينية في سوريا عموماً، والسياحة الدينية المسيحية خصوصاً. أما في واجهة الكنيسة، فتوجد المنصة الحمراء التي يقف عليها الكهنة لتأدية الصلوات. وخلف الواجهة يوجد المذبح والغرف المخصّصة للطقوس الدينية. تجاور المنصّة عن اليمين واليسار مقاعد حمراء مخصّصة للضيوف. وللكنيسة طابق علوي كان يستخدم سابقاً كمكان لصلاة النساء. سقف الكنيسة خشبي وهو يعتبر لوحة فنية لما فيه من نقوش وزخارف. أما جدران الكنيسة فتملؤها اللوحات الفنية والأيقونات المختلفة أهمها أيقونة المسكوبية. وللكنيسة فناء أمامي وآخر جانبي فيه البرج الجرسي.
يحيط ببناء الكنيسة الأساسي رواق معقود بأقواس نصف دائرية، والبناء ذو نمط بازيلكي وله ثلاثة أبواب، يفضي الأوسط الكبير إلى مدخل خشبي مستطيل، وفي الداخل ستة أعمدة تقسم صحنها الرخامي الكبير، وعلى اثنين منهما منبران حجريان يمكن الصعود إليهما بواسطة سلالم ملتوية. وتضم الكنيسة مجموعة واسعة من الأيقونات التي تعود لحقب زمنية مختلفة. وللكنيسة طابق ثاني يعلو الرواق، وفيه تسع نوافذ، وطابق ثالث ذو مستوى متراجع مع عدد من النوافذ أيضاً، يعلوه صليب. وبجانب البناء برج مزخرف للناقوس أقيم على طراز عمارة الأبراج الكنسية البيزنطية.
تبلغ مساحة الكاتدرائية بمجملها ألف متر مربع. تضمّ الكاتدرائية خمس كنائس: الأولى كنيسة السيدة مريم وهي الكنيسة الرئيسة، وكنيسة القديسة كاترينا وهي كنيسة تم ضمّها أيضاً إلى الكنيسة المريمية خلال الترميم، وفيها متحف للألبسة والأوسمة والأيقونات المتوارثة من البطاركة والرهبان.
وكنيسة مار تقلا، وهي كنيسة ضُمَّت إلى الكنيسة المريمية، وهي مقرّ الكرسي البطريركية الأنطاكية للروم الأرثوذكس.
وأيضاً ساحة كنيسة القديسين كبريانوس ويوستينا وكنيسة القديس نيقولاوس وهما كنيستان تم ضمّهما إلى الكنيسة المريمية، كما أن هناك البرج الجرسي الذي تم بناؤه في زمن البطريرك إسبريدون 1891.
وهناك أيضاً جناح كامل للمقر البطريركي، فيه صالة كبيرة لاستقبال الضيوف وعدد من الغرف ومكتبة.
تعتبر الكنيسة المريمية من أكبر وأجمل الكنائس في الشرق وفق ما تصفها الكتب والمراجع، ويحكى أن الرحالة العربي ابن جبير، بعدما زار الكنيسة عام 1184، قال عنها: داخل البلد كنيسة لها عند الروم شأن عظيم، تُعرف بِكنيسة «مريم». ليس بعد كنيسة بيت المقدس عندهم أفضل منها، وهي جميلة البناء تتضمّن من التصاوير ما يبهر الأفكار ويستوقف الأبصار.
تحتوي الكنيسة على محاكم روحية خاصة بالمسيحيين الأرثوذوكسيين وهي محاكم البداية والاستئناف، كما تضم ضمن مدفن خاص رفاة كافة البطاركة الذين تعاقبوا عليها.