القانون الأول لملكوت السموات في الغضب
«قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم ومن قال لأخيه: رقا يكون مستوجب المجمع ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم. فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك. كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك الخصم إلى القاضي ويسلمك القاضي إلى الشرطي فتلقى في السجن. الحق أقول لك: لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير!
يمكن تقسيم أول قانون من قوانين الملكوت ثلاثة أقسام:-
- علينا ألا نغضب مع أخينا.
- علينا ان نصطلح مع أخينا حسب الطرقة التى أخبرنا الكتاب عنها.
- علينا ألا نجعل لأخينا شيئا ضدنا.
فاليهودي تحت ناموس موسى القديم قد نهاه الله قائلاً “لا تقتل”، أي أن سفك الدماء كان محرما عليه. أما المسيح فقد ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير فوصل إلى منشأ القتل، ألا وهو الغضب الخفي في القلب، فحرمه بقانونه هذا. وهناك ثلاث درجات مذكورة في هذه الفقرة وهي:
- أن نغضب على أخينا.
- أن نحتقر أخانا (كلمة رقا معناها الاحتقار).
- أن نضمر الشر لأخينا.
لا تغضب
فكلمة “يا أحمق” تعني أكثر مما يقصد بها فى وقتنا الحاضر، فإذا ما وصلنا إلى ذلك الحد أصبح من المشكوك فيه أننا أولاد الله، ونكون إذ ذلك مستوجبين نار جهنم، وهذا يؤيده ما جاء فى (1يو15،14:3) “من لا يحب أخاه يبق فى الموت. كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه”.
قد لا نضمر السوء لأخينا ولكن ترى هل نحتقره أحيانا بأى وجه من الوجوه؟ وهل نعامله بالازدراء؟ أو هل نغضب عليه؟ أخشى إننا كثيرا ما نعمل ذلك فنكسر قانون المحبة نحو أخينا، وبالتالي نكسر أول قانون من قوانين الملكوت.
ولرب قائل يقول “إنك قد نسيت جملة هامة، أفلم يقل الكتاب: من يغضب على أخيه باطلاً – إننى عندما أغضب على أخي لا أغضب عليه باطلاً”. إيه يا عزيزي فكثيرا ما استترت أنا أيضا وراء هذا العذر وغضبت على أخي مراراً، وكنت فى كل مرة أقول أن لدي عذرا وجيها، ولكن ليست هذه هي الترجمة الصحيحة للآية في اللغة اليونانية.
ويخيل إلي إني أسمع بعضهم يقول “ألم يخبرنا الكتاب في (اف 26:4) أن نغضب”.
نعم،،، إن هناك غضبا هو إحدى صفات الله، ونحن كأولاد الله نشترك فيه. ولكن ليس معنى هذا أن نغضب على أخينا. فإن الآيه صريحة لا تحتمل التأويل إذ تقول “اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرب الشمس على غيظكم ولا تعطوا ابليس مكانا”. ترى هل تحفظ هذا القانون الذي هو أول قوانين الملكوت أو تكسره؟ لقد ثبت لنا هذا القانون فى (1كو5:13) إذ يقول “المحبة…لاتحتد” هل تحتد أنت؟ هل تحتد على خدمك؟ أو هل تحتدين على سيدتك؟ هل تحتد على عمالك؟ هل تغضب على أخيك وعلى أولادك أو زوجتك أو على أحد أفراد أسرتك؟ دعني أقرر لك أن هذا الأمر هو من معطلات البركة.
فكم من الناس اليوم غضبي مع الآخرين. كم من منازعات قائمة حتى بين المسيحيين أنفسهم. ربما اختلفت مع بعض الناس على عمل من الأعمال، أو ربما أساءك البعض فأصبحت لا تحادثهم، فإذا ما صادف أن قابلتهم في الطريق ملت إلى أحد الأزقة، أو احدقت ببصرك إلى أحد نوافذ المحال التجارية حتى يعبروا. وإذا حدث أن قابلتهم وجها لوجه أحدقت إليهم بنظرة شاردة..، أو ربما أساء معاملتك أحد الناس في مكان عملك فأظهرت له روح الاشمئزاز وغضبت عليه، بل لقد يكون ذلك مع أحد افراد عائلتك نفسها. نعم… فكم من منازعات عائلية قائمة الآن حول خلاف على تركة أو وصية مالية، فنتج عن ذلك انك غضبت مع بعض الناس لبضعة شهور أو قل بضع سنين، ثم تتعجب كيف أنك لم تحصل على بركة أكبر ولم تمتلئ بالروح القدس!!! اسمح لي يا عزيزي أن أخبرك أن هذه الأمور لا يجب أن تسير على ذلك المنوال.
أتعلم ما هو الدافع الخلفي الذي يحفزك إلى الغضب على أخيك والاحتداد عليه، ليس هو الإنسان الجديد، فإن هذا مخلوق في البر والقداسة، وكما يقول يوحنا الرسول أن الإنسان الجديد لا يخطئ (1يو9:3)، فما هو ذلك الدافع اذن؟ هو لا شك ناشئ عن “الإنسان العتيق”. أي الحياة العتيقة الخاطئة التي لاتزال عالقة بك. ولربما تصرخ قائلاً “ترى هل أستطيع أن أخلص من هذا الإنسان العتيق؟”. شكرا للرب أنك تستطيع الخلاص منه، لأن المسيح يسوع عندما مات على الصليب لم سصنع فداء عن الخطيئة التي اقترفت في الماضي فقط، بل لقد فصل في سبب الخطيئة نفسها، وفي علتها وفصل أيضا في أمر الحياة العتيقة الخاطئة: “عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطيئة” (رو9:6). فالدافع الذي يحفزك على أخيك هو جزء من الإنسان العتيق الذي صلب على الصليب.
ونقرأ فى (رومية 20:3)”لأن بالناموس معرفة الخطيئة” ، وذلك أمر صادق على قانون موسى القديم كما على قوانين الملكوت. فإذا بكتك روح الله بوساطة هذا القانون على الخطيئة، أي على العامل الخفي في نفسك الذي يدفعك إلى الغضب على أخيك، فهل تتأخر يا ترى فى وضع هذا على الصليب حتى يطهرك دم يسوع المسيح الثمين الذي تجده عندئذ قادراً على أن ينزع منك مجرد الرغبة فى مخاصمة أخيك؟ شكرا لله من أجل ذلك…
اصطلح مع أخاك
الآن نأتي إلى القسم الثاني من هذا القانون: وهو الصلح مع أخينا
“فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك” (مت 24،23:5). لقد أوضح الرب لنا هنا الطريق الذي نسلكه في هذا الأمر بكل بيان وجلاء، فإذا أتينا لنعبد الله ونصلي إليه ثم ذكرنا الله أن لأخينا شيئا علينا فعندئذ يجب علينا أن نذهب ونصطلح معه قبل أن نقدم قرباننا.
لاحظ أنه لم يقل “هناك تذكرنا أن لنا شيئا على أخينا” فإن هذا قد ورد فعلا في (مز26،25:11) “ومتى وقفتم تصلون فاغفروا أن كان لكم على أحد شئ لكى يغفر لكم أيضا أبوكم الذي في السموات أيضا زلاتكم” فنرى أن الشرط الذى يعلق الله عليه الغفران لنا هو أننا نغفر للآخرين، حتى إذا وقفنا لنصلي يغفر الله لنا خطايانا أيضاً.
وليس المقصود من هذه الآية على أية حال أن نتذكر أن لنا شيئا على أخينا، بل المقصود هو أن نتذكر أن لأخينا شيئا علينا، فإذا ما ذكرنا الله بذلك فإن الرب نفسه يأمرنا قائلاً ” اذهب أولا اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك”. فلا يمكنك أن تنتظر أن يباركك الله إن لم تصطلح مع أخيك أولاً. نعم إنه من الصعب أن تفعل ذلك ولكنك إذا أظهرت استعداد للطاعة أعطاك الله النعمة التي تحتاجها في هذا الأمر، وعندئذ تحصد من وراء ذلك بركة كبرى فى حياتك الشخصية، وربما في حياة الشخص الذي تصطلح معه أيضاً.
ونقرأ في عددى 26،25 من هذا الإصحاح ما يأتي: “كن مراضياً لخصمك (معنى هذه الكلمة باليونانية خصم فى قضية) سريعاً ما دمت معه فى الطريق لئلا يسلمك الخصم إلى القاضي ويسلمك القاضي إلى الشرطي وتلقى فى السجن. الحق أقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الاخير”. أذكر أنني عندما كنت أدرس هذا القانون لم أستطع لأول وهلة أن أفهم معنى هذه الآيات، فرفعت قلبى إلى الله وطلبت منه أن يريني معناها لأنه وعد أن يعلمنا بإرشاد الروح القدس، فلما قرأتها مراراً عرفت أنها تختص بالدين، فعندما كان الرب على الأرض كان الناس يودعون السجون لأجل ديونهم، وكان ذلك شائعاً أيضاً في إنجلترا فى عصر من العصور، ومع أن قانون إنجلترا قد تغير بعض الشئ إلا أن قوانين الملكوت لا يمكن أن تغير أو تبدل، فإذا ما كان لأحد الناس مظلمة في شأن دين علينا فان ذلك يدعى تعدياً منا على أول قانون، ولقد تثبت ذلك فى رومية (8:13) “لا تكونوا مدينين لأحد بشئ”، ولكن ياللأسف! فكم من المسيحيين يئنون تحت ثقل الديون اليوم، وإذا ما قلت ديناً فلا شك أنك تفهم ما أعني، إنني أقصد بذلك ديناً كان يجب دفعه من شهور أو من سنين، وحسابات بقيت معلقة مدة طويلة رهن السداد، ونقوداً مضى على اقتراضها زمن طويل، كل هذه لم تدفع فأصبحت مظلمة للدائن علينا.
لقد انتاب ملكوت الله أضرار بليغة من جراء مماطلة أبناء الله فى دفع ديونهم: كم من حائكة مسكينة قد أرسلت كشف حسابها مرتين أو ربما ثلاث مرات إلى زبونتها وهي تخاف أن ترسله مرة أخرى لئلا تفقد هذه الزبونة، ومع ذلك لم تحصل على حقها، وربما كانت فى احتياج إلى ما تقيم به أود الحياة.
إن كلامي الآن جلي صريح، وقد لا يستطيع أحد أن يخاطبكم بهذه الصراحة لأنهم يعرفونكم وأما أنا فلست أعرف عنكم شيئاً، فأنتم كلكم غير معروفين لدى. على أننا لا نريد هنا أن نوبخ ونؤنب بل أن نشير إلى هذه الأمور ونوضحها لك حتى تستطيع أن تفهم قوانين الملكوت وتدرك كل ما من شأنه أن يعطل البركة.
ليت الله يساعدنا حتى تتم المصالحات، وتوفي الديون. وحتى إذا لم يكن مستطاعاً أن تدفع الدين كله مرة واحدة “اصطلح” (أى كما تقول الآية فى اللغة اليونانية “تآخى”) مع خصمك، اذهب إليه وأقر بدينك وادفع منه جزءاً وتعهد بوفائه على أقساط، ودعه يرى أنك تحاول جهد الطاقة أن تسوي ذلك الموضوع، ولا شك أن الله سيساعدك على ذلك، فثق بالرب وهو يعطيك القدرة على الطاعة.
No Result
View All Result