حياة الصلاح
اعداد: ميشيل نجيب دميان
تعريف :
+ فى اللغة العربية ، الصلاح: الاستقامة أو السلامة من العيب والخطأ .
+ فى اللغة اليونانية ، صلاح:Agathoune
+ فى اللغة الانجليزية ،الصلاح : Goodness
مفهوم الصلاح :
صلاح مطلق : هو صلاح الله وصلاحه ازلى أبدى يشمل كل الخليقة ، وصلاحه كامل ودائم ومصدر كل صلاح للبشر “ ليس احد صالحاً (مطلقا) إلا واحد وهو الله“(مت19: 17)
ان صلاح الله في كل أعماله العظيمة وبركاته المتدفقة وخيراته الكثيرة.. الخ
صلاح نسبى : هو صلاح الإنسان ، وهو نسبى فى مدى استجابة الإنسان لعمل الروح القدس ، ومدى محبة الإنسان للأعمال الصالحة ومن قلبه الصالح .. الخ ” الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح..”(لو6: 45)
صلاح سلبي : هو البعد عن الخطايا وتمثله الوصايا العشر مثل ” لا يكن لك آلهة أخرى أمامي ، لا تصنع لك تمثالا ..ولا صورة ..لتعبدها .. ، لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا..، أكرم أباك وأمك ..، لا تقتل . لا تزن. لا تسرق . لا تشهد على قريبك شهادة زور.، لا تشته شيء مما لقريبك..”(خر20: 1-17)
صلاح ايجابي : هو الفضائل المسيحية وتمثله الموعظة على الجبل: ” طوبى للمسكين بالروح.. ، للودعاء ..، لأنقياء القلب.. ، لصانعي السلام..، للرحماء..، للمطرودين من اجل البر.. .الخ” (مت5، 6)
” تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك و قريبك مثل نفسك..” (لو10: 27) وأيضا ثمار الروح القدس ” ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف”(غلا5: 22)
الصلاح المسيحي : هو البعد عن الخطايا والنقائص من الناحية السلبية ، وعمل الخير والبر وممارسة الفضائل بكافة أنواعها ، من الناحية الايجابية .ان الخير هو شهوة في القلب لعمل الصلاح تعبر عن وجودها بأعمال صالحة .
فان المسيحى هو مواطن صالح
الله والصلاح :
الله صالح ومصدر كل صلاح : فهو الصالح دائماً فى كل أعماله الصالحة ومشيئته ..الخ “ الرب صالح ومستقيم ، كل سبل الرب رحمة وحق..”(مز 25: 8، 10) فهو ينبوع الصلاح .
أعطانا إمكانية الصلاح : انه خلقنا على صورته ومثاله فى الصلاح والبر.. ” فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله” (تك1: 27) ولما فسدت طبيعتنا بالخطية قام بتجديدها بالفداء عن طريق الإيمان بالمسيح والمعمودية. وأيضا جعلنا هيكلاً للروح القدس ليعمل فينا ويقودنا فى طريق الصلاح “إنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم..”(1كو3: 16)
الرب يسوع مثلنا الأعلى في الصلاح :
صلاح المسيح : صلاحه كامل وشامل فى كل اعماله .. وبدون خطية.. ودعي نفسه ” الراعي الصالح ” وعلمنا أن نقتدي به فى الصلاح والتضحية.. ” أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف”(يو10: 11)
أعطانا صلاحه : منه نستمد الصلاح عندما نصلب الذات ويكون المسيح متربعاً على عرش قلوبنا ” كل الصلاح الذي فيكم لأجل (من) المسيح..”(فل 1 : 6) والإنسان الصالح هو الذي يسير حسب وصايا السيد المسيح وتعاليمه ..الخ
الصلاح من ثمر الروح القدس :
ثمرة مباركة : ثمرة مشاركة روح الإنسان مع الروح القدس “أما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام .. صلاح ..”(غلا5: 22) الروح القدس يرشدنا للصلاح ويذكرنا بكل ما قاله الرب لنا ، ويبكتنا على كل خطية نرتكبها ، وعلى كل خير قصرنا فى عمله..الخ
معونة الروح القدس فى الصلاح : فهو روح الصلاح “لان ثمر الروح هو في كل صلاح وبر وحق.”(أف5: 9) قال القديس انطونيوس “الروح القدس يجعل كل أعمال الله أحلى من العسل سواء كان تعباًًً او صوما او سهراًً او أعمال رحمة..” وقال القديس كيرلس الاورشليمى “إن الروح القدس يأتي : ليخلص ويشفى ويعلم ويقوم المعوج ويقوى ويعزى وينير النفس..”
سمات الصلاح المسيحي :
1- صلاح القلب : القلب الصالح هو الذى يصدر منه كل الأعمال الصالحة.. “الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يخرج الصالحات و الإنسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور.”(مت12: 35) إن الله يكافئنا على أعمالنا الصالحة بقدر ما يكون الدافع لها هو المحبة من القلب ” كل ما فعلتم فاعملوا من القلب (بمحبة) كما للرب ليس للناس. عالمين إنكم من الرب ستأخذون جزاء (مكافأة) الميراث”(كو3: 24) كما يجب أن ننسب الفضل فى كل عمل صالح نعمله لله ، الذي أعاننا وساعدنا على انجازه ، ومنه نأخذ المكافأة فى الحياة الابدية حسب وعده ، قال القديس مرقس الناسك “إذا عملت شيئا صالحا فتذكر “بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئا” (يو15: 5)”.
2- صلاح الضمير : الضمير صوت الله فينا : يحكم ويوبخ ويؤنب ويقود الى الخير ويمنعنا عن الخطأ ، وان استنار بالروح القدس فأنه يكون مرشداً قوياً الى الصلاح ، ورادعاً عن الشر ، هذا إذا أطاع الإنسان ضميره .. “أما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء”(1تي1 :5) ومن الضمير الصالح تصدر الأعمال الحسنة “لأننا نثق إن لنا ضميرا صالحا راغبين أن نتصرف حسناً في كل شيء..”(عب 13: 18) قال القديس مار اسحق “الصلاح موضوع فى طبع النفس ، والذي يحركه النعمة ، مع حرص الإنسان واجتهاده.”
3- الاجتهاد فى الصلاح : إن الأعمال الصالحة التى تمجد الله ، هى التى تميز المسيحي الذى يسكن فيه الله ، وهى ثمرة للإيمان المسيحى “لتسكوا كما يحق للرب فى رضي مثمرين في كل عمل صالح..”(كو1 :10) وعلى المؤمنين أن “يكونوا مستعدين لكل عمل صالح“(تي3: 1) وان تكون هذه الأعمال باجتهاد ومثابرة وتعب وبدون انتظار شكر او مكافأة من الناس.. قال القديس مار اسحق “لا تظن فى نفسك انك تنال مسيرة فاضلة او صلاحاً لنفسك بغير تعب.”
مجالات الصلاح :
1- السلوك الصالح: له سمات أساسية وهى :
– سلوك فى المسيح :” فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه..”(كو2 :6) بثقة كاملة فى السيد المسيح وقيادته ومعونته وإرشاده لنا على الدوام فكل الأشياء هى للخير .
– سلوك فى الروح :“ اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد…” (غل 5 : 16) حيث يقود الروح القدس أرواحنا نحو حياة القداسة.
– سلوك فى المحبة : “اسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح..” (اف5: 2) المحبة العملية للجميع ، فأن المحبة هى التى تميز أعمالنا.
– سلوك فى النور: “الآن فنور في الرب اسلكوا كأولاد نور..”(أف5: 8) بالقدوة الحسنة التى تمجد الله ، نكون نوراً يبدد ظلمة العالم.
2- الكلام الصالح :لأهمية الكلام وخطورته قال المسيح “لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان“ (مت12: 37) فأن الكلام الصالح هو : كلام خير لا شر، يبنى ولا يهدم ، يشجع ولا يحبط ، كلام حكمة ومعرفة..الخ . ومن القلب الصالح “فانه من فضلة القلب يتكلم الفم“(مت12: 34) لذلك يجب أن نقول ” فاض قلبي بكلام صالح” (مز45: 1) ونطلب من الله أن ” يعزي قلوبكم ويثبتكم في كل كلام وعمل صالح..”(2تس2: 17) قال القديس انطونيوس “احذر أن تتكلم بكلام فارغ ولا تسمعه من غيرك او تفكر فيه وليكن كلامك فى ذكر الله واستغفاره.”
3- الأعمال الصالحة : هى التى يتوقع العالم ان يجدها عند المسيحي فأن كان الله ساكناً فينا فيجب أن يكون هناك تدفقاً من الصلاح نابعاً منا “لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها” (اف2: 10) ويكون لنا استعداد دائم للعمل الصالح” لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح..”(2تي3 :17) ويكون بالصبر والمحبة. “أما الذين بصبر في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والبقاء فبالحياة الأبدية” (رو2: 7) قال القديس صفرونيوس “الأعمال الصالحة تبعدنا عن طريق الموت (الأبدي) ، أما المحبة فهى التى تهبنا الحياة (الأبدية).”
بركات حياة الصلاح :
1- نوال رضا الرب: إن الله صالح ويشتاق أن نشاركه صلاحه وخيراته وهو سيفي بما وعد وعلينا نثق فى ذلك ” الصالح ينال رضي من قبل الرب” (ام 12 : 2) فأن الله صالح ويحسن للصالحين “ أحسن يا رب الى الصالحين و الى ألمستقيمي القلوب (مز 125 : 4) إن كنا نريد أن نرضى الله ونحصد صلاحاً ينبغي علينا التأكد من إننا نزرع صلاحاً فى حياتنا . قال القديس مار اسحق السرياني” طوبى لمن يعرف ضعفه ، لأن هذه المعرفة تصبح أساساً وجذراً وبداية لكل صلاح .”!
2- نحظى بالمجد والكرامة : علينا أن نترك حياتنا بين يدي الله الصالح واثقين من صلاحه انه قادر أن يحول كل تشويش الى نظام ، وان يخرج من الشر خيراً ، وان يبدد الاضطراب الى سلام .. ” مجد وكرامة وسلام لكل من يفعل الصلاح“(رو2 : 10) كما ان بأعمالنا الصالحة ننال مديحاً من ذوى السلطة والحكام ” فان الحكام ليسوا خوفاً للأعمال الصالحة بل للشريرة أفتريد أن لا تخاف السلطان افعل الصلاح فيكون لك مدح منه..” (رو13: 3) قال القديس مرقس الناسك “نحن الذين وهبت لنا الحياة الأبدية نصنع الأعمال الحسنة لا لأجل الجزاء بل لحفظ النقاوة التى وهبت لنا…” وقال القديس اغسطينوس ” لقد وهبك يا نفسى إمكانية الصلاح.. خلقك على مثاله… حتى تنجذبين إليه وتشبعين منه .”!
3- نفوز بالحياة الأبدية : وعود الله كثيرة لعبيده الصالحين بالحياة السعيدة فى الأبدية ” فقال له سيده نعما أيها العبد الصالح والأمين كنت أمينا في القليل(الحياة الأرضية) فأقيمك على الكثير (الحياة الأبدية) ادخل الى فرح سيدك..” (مت25: 21) وفى يوم الدينونة العامة “ فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة والذين عملوا السيآت الى قيامة الدينونة” (يو5: 29) قال القديس اكليمنضس الاسكندرى ” من يكرس نفسه للحياة الصالحة وهو فى الجسد (فى الدنيا ) يدخل الى حالة خلود ( فى السماء) .” !
يارب ارنا طريقك واجعلنا نسير فى سبلك.
أمثلة فى حياة الصلاح:
يوشيا الملك الصالح: (647- 608 ق.م)
مَلك في سن الثامنة على مملكة يهوذا فى اورشليم وعمل المستقيم في عيني الرب وسار في طريق داود أبيه ولم يحد يميناً ولا شمالاً ” وأزال يوشيا جميع الرجاسات من كل الأراضي التي لبني إسرائيل وجعل جميع الموجودين في أورشليم يعبدون الرب إلههم. كل أيامه لم يحيدوا من وراء الرب إله آبائهم..” (2أخبار34:33) وكانت يد الرب معه فأمكنه أن يُطهِّر المملكة من العبادة الوثنية، وأن يرمِّم بيت الرب، وأن يقود الشعب لطاعة الشريعة وقد لخّص الوحي حياته في عبارة مؤثرة “ولم يكن قبله ملك مثله قد رجع إلي الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قوته حسب شريعة موسى، وبعده لم يَقُم مثله.” (2ملوك23: 25) ومات في سن التاسعة والثلاثين إلا إنه ترك أثراً عظيماً في المملكة.
زكريا واليصابات :
” كان في أيام هيرودس .. كاهنٌ اسمه زكريا وامرأته.. واسمها أليصابات. وكانا كلاهما بارين أمام الله، سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم” ( لو 1: 5 ،6) وجاء الملاك جبرائيل إلى زكريا وهو في هيكل الرب ، عند تقديم البخور ليقول له ” لأن طلبتك قد سمعت… ” (لو1: 13) وجاء يوحنا المعمدان ابن الشيخوخة، الذي لم يقم له نظير بين المولودين من النساء ، وقد عاش زكريا وأليصابات عيشة التقوى وبساطة الإيمان..
ابراهيم الجوهرى : (1722 -1795م)
كان رئيسا للكتبة ايام المماليك ، وبلغ اسمى رتبة كان يتطلع اليها قبطي آنذاك فبالغ في انكار ذاته واظهار تواضعه، كان محبًا لكل الطوائف، يسالم الكل، ويحب الجميع، ويقضي حاجات الكافة ولا يميز أحدًا عن الآخر في قضاء الحق ، وخلال علاقاته الطيبة مع السلاطين في مصر والأستانة كان يستصدر فرمانات خاصة ببناء الكنائس وإصلاحها. كما قدم الكثير من أمواله أوقافاً للكنائس والأديرة، وأهتم بنسخ الكثير من الكتب الدينية على حسابه لتقديمها للكنائس ، وبشكل عام كان ابراهيم الجوهري مثالا للمحبة والعطاء والاحسان، ، كما كان مثالا للاحتمال خصوصاً في وفاة وحيده ليلة زفافه.
تدربيات لحياة الصلاح:
+ لنحب الكل بمحبة خالصة فنخلص من الغيرة والحسد ..، فالمحبة هى مصدر كل صلاح.
+ إن وجد فينا شيء صالح ، إنما مصدره الله فالخير الذي فينا نقبله من الهنا الصالح.
+ الإنسان الصالح هو الإنسان المستقيم الملتزم والمؤدي لواجباته على ما يرام ، نحو اسرته ونحو كنيسته ونحو وطنه ، فهو مواطن صالح.
+ الصلاح هو المحبة العاملة. والإنسان الصالح هو الذي يحمل هموم الآخرين، فيقدم دواءً لمريض، وطعاماً لجائع، وكساءً لعريان، وعزاءً لحزين..الخ ، هو الشخص الذي يعتني بالآخرين، لا عنايةً مادية فقط ، لكن عناية روحية أيضاً، ويهتم بخلاص الNخرين.
+ الصلاح نوعين : الصلاح السلبي هو البُعد عن الخطايا بجميع انواعها. أمَّا الصلاح الإيجابي فهو اقتناء الفضائل بجميع انواعها ممثِّله فى الوداعة والنقاوة والرحمة ومحبة اللَّه ومحبة الناس..الخ والمطلوب من الإنسان أن يسلُك في نوعى الصلاح كليهما.
No Result
View All Result