الوداعة والزمن الرديء
إذا بحثنا في المعاجم عن معنى كلمة الوداعة نجد التالي:
وَدُعَ، يُودعُ، وداعة، وديع وتعني السكينة والهدوء واللين ويُقال رجل وديع أي هادئ، مطمئن وليّن الطباع.
ونجد في الكتاب المقدس ذات المعنى للوداعة مجبولاً بالجهاد الروحيّ والتعب والتركيز على اقتناء ثمار الروح القدس التي يُدرجها بولس الرسول كواحدة من ثماره (غلاطية 5 : 23) “أما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف والصلاح والأمانة والوداعة والعفاف”
الوداعة مسيحيّاً ليست طبعاً من طباع الإنسان بل هي ثمرة يقطفها المسيحيّ المثابر على الإهتمام بحياته الروحيّة ويقتنيها بتفاعله مع الروح القدس الفاعل فيه، فالرّب يسوع أبرزها كقيمة نتعلمها منه لنحيا “تعلّموا مني فإني وديع ومتواضع القلب” (متّى 11 : 29)
وقيل عن المسيح في وداعته (متّى 12 : 19) “لا يخاصم ولا يصيح، وفي الشوارع لا يسمع أحدٌ صوته، قصبةً مرضوضةً لا يكسر، وشعلةً ذابلةً لا يُطفئ، يثابرُ حتى ينتصر الحق، وعلى اسمه رجاء الشعوب” تتآخى الوداعة الحقيقية مع السلام الداخليّ بل هي بالأحرى تنبع منه لأن أهل حكمة هذا العالم ربما يتظاهرون بالتواصل مع الآخرين بالوداعة والصوت المنخفض والهدوء ولكن مع أهل بيتهم هم وحوش ضارية، غضّابون، شتّامون، لأن صورة الوداعة فيهم هي مظهرٌ حياتيّ وليست ناتجة عن السلام الداخلي الذي فيهم.
الوديعُ هو إنسان هادئ مسالمٌ، قليل الاضطراب والقلق، لا يُهاجم ولا يجرح أحدًا، بعيدٌ عن الانتقام، ولا يتدخل في شؤون الآخرين، ولا يدينهم، ولا يُقيم نفسه رقيباً على أعمالهم، ولكن يتدخل بهدوءٍ وسلامٍ لإصلاح الغير وليس بالتقريع والتنديد واللوم أيّ كما قال بولس الرسول في رسالته إلى غلاطية (1:6) “يا إخوتي إن وقع أحدكم في خطيئة فأقيموه أنتم الروحيين بروح الوداعة، وانتبه لنفسك لئلّا تتعرض أنت أيضاً للتجربة” فإذا أردنا إصلاح الغير حقيقة لا يمكن ذلك إلا بروح الوداعة ناظرين لأنفسنا لئلّا نُجَرّب.
فكم من اللاهوتيين نراهم في هذا الزمن الرديء يُنصّبون أنفسهم قضاة وحكاماً على الآخرين، يُدينونهم ويُقرّعونهم على وسائل التواصل الإجتماعيّ بكبرياء وتعالٍ وكأنهم بلا خطيئة أو كأن الخلل الذي يحدث في الكنيسة لا دخل لهم فيه، فينعتون الآخرين ويُقبحونهم بعلّة الإصلاح ناسين القول الإلهيّ “الحكمة النازلة من فوق هي طاهرة قبل كل شيء وهي مسالمة متسامحة وديعة تفيض رحمة وعملا صالحًا” (يعقوب 17:3).
فالذي يريد أن يبني ويجعل كلامه مستقيمًا، عليه أن يعمل بقول الرسول يعقوب “من هو حكيم ومن هو عالمٌ بينكم فليُري أعماله بالتصرف الحسن في وداعة وحكمة” (11:3). إذاً الوداعةُ شرطٌ أساسيّ للتأديب، شرطٌ أساسيّ للحكمة والعلم، شرطٌ أساسيّ ليفرح الآخرون عندما يسمعون كلام الله المؤدب والمصلح.
فلنَسلُك إذاً يا إخوة طريق الوداعةِ، لِنسمَع دوماً قول الربِ فنفرح. هكذا يقول المزمور “يسمعُ الودعاء فيفرحون” وننقل هذا الفرح بوداعة للآخرين لكي يكون هذا الزمن زمن قداسة وزمن خلاص.
“طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض”.
نقلا عن نشرة الكرمة ٢٤ ايار ٢٠٢٠
Gilbert Bahbah Kate Bahbah Nahil Mantoufeh