درجات الإيمان
كتاب حياة الإيمان – البابا شنودة الثالث
النمو في الإيمان:
يقول القديس بولس الرسول لأهل تسالونيكي “نشكر الله كل حين من جهتكم أيها الأخوة… لأن إيمانكم ينمو كثيرًا” (2 تس 1: 3). وقال عن أهل كورنثوس إنهم يزدادون في الإيمان (2 كو8: 7).
إذن الإيمان فضيلة كسائر الفضائل، يمكن أن ينمو فيها الإنسان…
حِفْظ الإيمان والثبات فيه:
يقول الرسول عن نفسه في أواخر حياته، ووقت انحلاله، ووقت انحلاله قد حضر “…أكملت السعي، حفظت الإيمان. وأخيرًا وضع لي إكليل البر” (2تي 4: 7،8). ويقول لأهل كولوسي “… ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه، إن ثبتم على الإيمان..” (كو1: 23).
وأقوى من الثبات في الإيمان، تعبير آخر هو: الرسوخ في الإيمان:
الرسوخ في الإيمان:
يقول القديس بطرس الرسول عن محاربات إبليس “… فقاوموه راسخين في الإيمان” (1بط5: 9).
وهناك درجة أخرى من الإيمان هي: الغِنى في الإيمان.
الغِنَى في الإيمان:
وهناك درجة أخرى من الإيمان هي: الغنى في الإيمان:
يقول القديس يعقوب الرسول “أما اختار الله فقراء العالم أغنياء في الإيمان، وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه” (يع 2: 5).
وهناك درجة أزيَد من الغني في الإيمان وهي: الامتلاء من الإيمان.
الامتلاء من الإيمان:
قيل عن القديس اسطفانوس أول الشمامسة “فاختاروا اسطفانوس رجلًا مملوءًا من الإيمان والروح القدس”، “وأما اسطفانوس فإذ كان مملوءًا إيمانًا وقوة، كان يصنع عجائب وآيات عظيمة… “(أع 6: 5، 8).
كل هذه الصفات تقال عن حالة لازمة للإيمان هي: الإيمان العامِل بالمحبة.
الإيمان العامل بالمحبة:
يقول القديس بولس الرسول “في المسيح يسوع، لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة” (غل 5: 6).
ولعله ذكر عبارة الإيمان بدون أعمال ميت (يع 2: 20). أما عبارة المحبة، فلأنه بها يتعلق الناموس كله والأنبياء (متى 22: 40).
وهناك نوع عظيم من الإيمان هو: الإيمان الذي يصنع العجائب.
الإيمان الذي يصنع العجائب:
تحدث السيد الرب عن “آيات تتبع المؤمنين” (مر16: 17). وقال القديس يعقوب الرسول “صلاة الإيمان تشفي المريض” (يع 5: 15). ولكن لعل قمة هذا الأمر تبدو في قول الرب “كل شيء مستطاع للمؤمن” (مر 9: 22).
ولعل هناك نوعًا آخر، ليس لصانع الأعجوبة، إنما للذي يتقبلها وهو: إيمان الثقة والتصديق.
إيمان الثقة والتصديق:
وهو الذي كان يتطلبه الرب ممن تحدث معه المعجزة. وأحيانًا يسأله “أتؤمن؟”. وكما قال للأعميين اللذين طلبًا منه الشفاء “أتؤمنان أني أقدر أن أفعل هذا؟” (متى 9: 28).
وقد طَوَّب الرب هذا النوع من الإيمان، مثلما قال للمرأة الكنعانية “عظيم هو إيمانك” (متى 15: 28). ومثلما قال عن قائد المائة “لم أجِد ولا في إسرائيل إيمانًا بمقدار هذا” (متى 8: 10).
كل الإيمان:
يقول القديس بولس الرسول “إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال..” فاعتبر أن هذا الإيمان الذي ينقل الجبال، هو كل الإيمان، أي قمته، ولا شيء بعده.
هناك فرق كبير بين نوعين من الإيمان: إيمان نظري، وإيمان عملي…
1- الإيمان النظري | الإيمان العقلي
2- الإيمان العملي
3- إيمان دائم
4- إيمان دون أن يرى
5- إيمان الثقة والاختبار
6- إيمان قوي
7- إيمان لا يتزعزع
8- الإيمان كموهبة
9- الإيمان السليم
1- الإيمان النظري (العقلي):
هو إيمان فكري، فلسفي. مجرد الاقتناع العقلي بوجود الله، وبوجود الأمور التي لا تُرَى دون أن يكون لذلك أي تأثير على الحياة. وهناك نص يثبت أن الشياطين لهم هذا النوع من الإيمان. إذ يقول القديس يعقوب الرسول عن الإيمان الميت، الخالي من الأعمال:
“أنت تؤمن أن الله واحد. حسنًا تفعل. والشياطين يؤمنون ويقشعرون” (يع 2: 19). وسفر أيوب يعطينا دليلًا عمليًا على هذه النقطة. لأن حديث الشيطان مع الله تبارك اسمه يثبت هذا الإيمان النظري، إذ يقول الشيطان للرب “هل مجانًا يتقي أيوب الله؟ أليس أنك سيجت حوله… باركت أعمال يديه. ولكن ابسط الآن يدك ومس كل ماله، فإنه في وجهك يجدف عليك” (أي 2: 5). ولما أخذ إذنًا من الله للتصرُّف، ذهب ليعمل ضد أيوب. وفي المرة الثانية قال أيضًا للرب: “… وَلكِنْ ابْسِطِ الآنَ يَدَكَ وَمَسَّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ” (أي 2: 5).
وهذا الكلام كله يثبت أن الشيطان يؤمن عقليًا بأن هذا هو الله، وأنه هو الذي بارك أعمال أيوب، وهو القادر أن يمس ماله، وأن يمس لحمه وعظمه. وأن أي عبارة تصدر من أيوب ضد الله تعتبر تجديفًا على الله (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)..
ومع كل هذا كان الشيطان يحارب ملكوت الله وأولاده، ولا يزال.
إيمان الشيطان العقلي الذي تحدث عنه معلمنا يعقوب، هو أيضًا إيمان ميت، حسب قول الرسول نفسه “إيمان بدون أعمال ميت” (يع 2: 20). فإن كان الإيمان الخالي من الأعمال الصالحة إيمانًا ميتًا، بالأكثر المشحون بالأعمال الردية ومقاومة كل صلاح أيًا كان…
إن الإيمان العقلي سهل. ما أسهل إثبات وجود الله بالأدلة العقلية وبالبراهين العديدة. المهم هو الإيمان العقلي.
هذا يقودنا إلى النوع الهام من الإيمان، وهو: الإيمان العملي.
2- الإيمان العملي:
هو الإيمان الذي تظهر علاماته في الحياة العملية، حياة إنسان يؤمن أن الله كائن أمامه، يراه ويحسه، ويتصرف بما يليق بهذا الإيمان. وهو يحب هذا الإله الذي يؤمن بوجوده وبعنايته ورعايته وحفظه، ويكلم هذا الإله المحبوب في صلواته وتضرعاته، ويخشى أن يفعل شيئًا يخرج قلبه المحب… وفي اطمئنانه لعمله لا يخاف ولا يضطرب، بل يحيا في سلام دائم، مسلمًا حياته كلها لتدبيره الحكيم…
وهكذا يقوده الإيمان إلى عديد من الفضائل لا تحصي.
وهذا النوع من الإيمان سيكون موضوع كتابنا هذا بمشيئة الرب، حيث سنشرح كيف يقود الإيمان حياتنا كلها لتصبح حياة الإيمان.
وهذا المفهوم ينقلنا إلى صفة أخرى من صفات الإيمان السليم وهي: إيمان دائم.
3- إيمان دائم:
ونعني به أنه لا يكون إله مناسبات. فلا يظهر إيماننا فقط حينما نكون في الكنيسة أو في اجتماع روحي، أو حينما نصلي، أو نقرأ الكتاب، أو نتقدم للتناول. وإنما يظهر هذا الإيمان في كل وقت، وكل مكان، في خارج الكنيسة كما في داخلها. الله أمامنا باستمرار، وفي فكرنا باستمرار، بالإيمان لا يتغير. إنه ليس فقط إله الكنائس وإله الكتاب، إنما هو إله القلب والفكر جميعًا، وإله الحياة كلها.
4- إيمان دون أن يَرَى:
إيمان لا يعتمد على الحواس، وينطبق عليه قول الرب “طوبى للذين آمنوا دون أن يروا” (يو 20: 29). ليس مثل العلماء الذين لا يؤمنون بشيء، إلا إذا أحضروه في معاملهم، وتيقنوا منه بأبصارهم وأجهزتهم. وليس مثل الصدوقيين الذين أنكروا وجود الملائكة والقيامة والأرواح (أع 23: 8)، لأنهم لا يرون شيئًا من ذلك كله…
5- إيمان الثقة والاختبار:
إنه ليس الإيمان بالله الذي نقرأ عنه في كتب اللاهوت، أو في المعاهد الدينية، أو في الكنائس وفي فصول التعليم الديني على أنواعها. وإنما إيمان بالله الذي اختبرناه في حياتنا، وعاشرناه، وأدخلناه في كل تفاصيل حياتنا، واختبرنا عمليًا قول داود النبي “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب” (مز 34: 8).. ووجدنا أن الله عجيب عجيب، إلى أبعد الحدود، فوق ما يتصور العقل… حياتنا كلها مجرد عشرة معه، ذقنا فيها حلاوته وحبه ورعايته، ورأينا أيضًا قوته وجلاله. وجربنا كيف يدخل في مشاكلنا، بطرق ما كانت تخطر على عقولنا.
ونتيجة للاختبار، صارت لنا ثقة، غير مبنية على الكتب، وإنما على ما لمسناه بأيدينا… لذلك إيماننا إيمان حقيقي راسخ في قلوبنا.
6- إيمان قوي:
وهو الإيمان الذي يستطيع كل شيء (مر9: 23). ويمكنه أن ينتصر على كل عقبة. ولا يرى أمامه شيئًا مستحيلًا . بل كما قيل عن زَرُبابل “من أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلًا” (زك 4: 7).
إنه الإيمان الذي يستطيع أن يضع قدمه في الماء، لكي يعبر البحر الأحمر في أيام موسى النبي (خر 14: 22)، وأن يعبر نهر الأردن في أيام يشوع (يش 3). ويستطيع أن يمشي في داخل الغمر العظيم، والمياه تحيط به مثل سور، عن يمين وعن شمال، دون أن يخاف…
إنه الإيمان الذي يستطيع أن يضرب الصخرة فيتفجر منها الماء (خر 17: 6). وهو الإيمان الذي يسير في الصحراء بلا زاد وبلا مرشد، يجمع طعامه من المن النازل من السماء يومًا بيوم (خر 16: 15-23).
إنه الإيمان القوي الذي استطاع أن ينقل الجبل المقطم على يد سمعان الدباغ، أيام البابا ابر آم بن زرعه.
وهو الإيمان القوي الذي استطاع به إيليا النبي أن يقول “لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي” (1مل 17: 1). وهكذا “لم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلَّى فأعطت السماء مطرًا” (يع 5: 17، 18). وهكذا استطاع أن يغلق السماء ويفتحها.
ما أكثر الأمثلة عن هذا الإيمان القوي. ولكن هناك أمثلة أخرى عن هذا الإيمان القوي، تبدو في مظهر آخر هو: إيمان لا يتزعزع.
7- إيمان لا يتزعزع:
إنه إيمان ثابت، لا يتأثر مطلقًا بالعوامل الخارجية: فهو يؤمن بمحبة الله سواء كان على جبل التجلي أو على جبل الجلجثة.
يؤمن بمحبة الله الذي يعطيه من سارة نسلًا في ظروف تدعو إلى اليأس، تمامًا تمامًا كما يؤمن بمحبة الله وهو يقول له: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق، وأصعده هناك محرقة على الجبل الذي أريك إياه (تك 22: 2).
إن إبراهيم وهو يرفع بيده السكين على ابنه اسحق، ما كان يشك مطلقًا في محبة الله، ولا في صدق مواعيده…
لم يتزعزع إيمانه مطلقًا في هذا الإله، ولا في أنه سيكون له من اسحق نسلًا مثل نجوم السماء ورمل البحر في الكثيرة…
إن الإيمان الثابت لا يتغير بالظروف الخارجية المحيطة به، لأن ثقته ثابتة في الله، وسلامه القلبي لا يستمده من الظروف الخارجية، إنما من الله نفسه ومحبته وصدق مواعيده.
8- الإيمان كموهبة:
هناك إيمان عادي، وإيمان يعتبر موهبة من الروح القدس. ولا شك أن هذا له درجة عالية تفوق الإيمان العادي بكثير...
يقول القديس بولس الرسول في حديثه عن المواهب، فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد… ولكنه لكل واحد يعطي إظهار الروح للمنفعة. فإنه لواحد يعطي بالروح كلام حكمة… ولآخر إيمان بالروح الواحد. ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد..” (1كو12: 4-9).
وهكذا أيضًا وضع الإيمان ضمن ثمار الروح (غل 5: 22).
ويبدو هنا أننا لا نستطيع أن نفصل الإيمان عن عمل الروح القدس: إما من ثمار الروح، وإما من مواهب الروح. ولكل منهما درجته…
9- الإيمان السليم:
ما أكثر ما يؤمن الناس بأفكار، أو مذاهب، سياسية أو اجتماعية، ويعطيهم إيمانهم بها قوة على التنفيذ، وعلى نقلها إلى عقول الناس…
ولكننا نود في هذه الصفات أن نتحدث عن الإيمان السليم، الذي يكون له طابع روحي وصلة وطيدة بالله “الإيمان العديم الرياء” (1تي 2: 5)، “الإيمان المسلم مرة للقديسين” (يه3).. هذا الإيمان الطاهر النقي فكرًا وسلوكًا. وهذا يجعلنا نقول:
إن الإيمان، ليس هو مجرد عقيدة، إنما هو حياة… أو هو حياة مؤسسة على عقيدة. أو هو عقيدة اختبارية عاشها الناس، وليست مجرد أفكار في الكتب.
وما نريد أن نتحدث عنه في هذا الكتاب في موقع الأنبا تكلا هيمانوت هو هذه الحياة، حياة الإيمان…
No Result
View All Result