علاقة الإيمان بالسلام وعدم الخوف
كتاب حياة الإيمان – البابا شنودة الثالث
مِن صفات المؤمن، أن يكون قلبه مملوءًا بالسلام والهدوء. لا يضطرب مطلقًا، ولا يقلق، ولا يخاف، لأنه يؤمن بحماية الله له… وهو يحتفظ بسلامه الداخلي، مهما كانت الظروف الخارجية تبدو مزعجة.
يخاف الشخص الذي يشعر أنه واقف وحده. أما الذي يؤمن أن الله معه فلا يخاف…
1- هوذا داود النبي يقول “إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام على قتال، ففي هذا أنا مطمئن” (مز 27: 3) . وإن سألته عن السبب في هذا، يجيب في نفس المزمور “الرب نوري وخلاصي، ممن أخاف؟! الرب حصن حياتي، ممن أرتعب” (مز27: 1) لقد اختبر الرب ومعونته وحمايته، فقال عندما اقترب إلى الأشرار ليأكلوا لحمي، مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا” (مز 27: 2).
إنه لا يستمد سلامه من تحسن الظروف الخارجية من حوله، إنما يستمد سلامه من عمل الله فيها ومعه.
لذلك فهو يقول في مزمور الراعي “إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا “لماذا؟ “لأنك أنت معي” (مز 23: 4).
إن كان لك هذا الإيمان، أن الله معك، فلن تخاف، مهما حاربك جيش، أو قام عليك قتال، حتى إن سرت في وادي ظل الموت.
2- ولعل هذا السلام وعدم الخوف، نراهما في مقابلة إيليا النبي لآخاب:
كان آخاب الملك يفتش عن إيليا النبي في كل مكان لكي يقتله. ومع ذلك فإن إيليا ذهب ليتراءى لآخاب. ولما حذره عوبديا من الخطر، أجاب إيليا “حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه، إني اليوم أتراءى له” (1 مل 17: 14، 15). وقد كان. قابل إيليا آخاب الملك، ولم يخف منه. بل وبخه على عبادته للأصنام (1مل 17: 18). إيليا لم يكن يخاف، لإيمانه أنه واقف أمام رب الجنود.
3- وبالمثل كان داود في لقائه مع جليات الجبار.
داود -الصبي الصغير- كان بالإيمان مملوءًا بالسلام لا يخاف جليات، بل يتكلم بثقة… ويقول لشاول الملك “لا يسقط قلب أحد بسببه” (1 صم 17: 32). أما الملك وكل جيشه فكانوا خائفين، ومرتاعين جدًا. لأنهم لم يكونوا ناظرين إلى الله الذي لا يُرَى مثلما كان ينظر داود… بل كانوا مركزين أبصارهم في هذا الذي يرونه أمامهم “الرجل الصاعد” الذي “طوله ست أذرع وشبر، وقناة رمحه كنول النساجين، ووزن درعه خمسة آلاف شاقل نحاس” (1 صم17: 4-7).
داود رجل الإيمان، لما دخل إلى ميدان المعركة أدخل الله معه، وأدخل روح الإيمان والاطمئنان إلى قلوب رجال الحرب بقوله “من هو هذا الأغلف حتى يعير صفوف الله الحي… لا يسقط قلب أحد بسببه “1 صم 17: 26، 32). وقال لذلك الجبار “أنت تأتي إلى بسيف ورمح. وأنا آتي إليك باسم رب الجنود” (1صم 17: 45). أعني أنت تأتي إليَّ بالأمور التي تُرَى، وأنا آتي إليك بالذي لا يُرَى.
وسنلاحظ أن اسم الله لم يفارق لسان داود. وكان يمنحه سلامًا.
وبهذا الإيمان، وهذا السلام القلبي، وبهذه الثقة تقدم داود إلى ذلك الجبار المرعب، وقال له في يقين الإيمان “اليوم يحبسك الرب في يدي… فتعلم كل الأرض أنه يوجد إله… لأن الحرب للرب” (1صم17: 46، 47) (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).
حقًا إن الرجل المؤمن لا يعرف الخوف، مهما كانت الظروف مخيفة من حوله… سلامه القلبي لا يفارقه مطلقًا… بل يمنحه الإيمان أيضًا شجاعة وبسالة.
4- في وسط الضيقة، أيًا كانت، نرى الإيمان يعطي سلامًا.
ضيقة تحل باثنين: أحدهما مؤمن والآخر غير مؤمن. فيضطرب غير المؤمن ويخاف ويقلق، ويتصور أسوأ النتائج، وتزعجه الأفكار… أما المؤمن فيلاقيها بكل اطمئنان، وبسلام قلبي عجيب. وقد يسألهُ البعض عن شعوره إزاء الضيقة فيقول هذه المشكلة، سيتدخل الله فيها ويحلها، وستؤول إلى الخير “وقد تسأله كيف سيتدخل الله؟ فيجيبك: أنا لا أعرف. ولا يهمني هذا. إنما أعرف أننا لا نهتم بمشاكلنا، فالله هو المتهم بالكل…
حقًا إني لا أعرف كيف ستحل المشكلة. ولكني أعرف الله الذي سيحلها.
وهكذا يقوده الإيمان إلى الاطمئنان. وهكذا أولاد الله يعيشون دائمًا في سلام. بل وفي فرح، شاعرين أن الله معهم، هو الذي يتولى كل أمورهم، ويعمل من أجلهم ما لا يستطيعون عمله لأجل أنفسهم…
5- إن يونان -حتى وهو في بطن الحوت- لم يفقد إيمانه وسلامه.
بل إنه صلَّى إلى الرب وهو في بطن الحوت، صلاة كلها إيمان، وقال في ثقة “ولكنني أعود أنظر هيكل قدسك” (يون 2: 4). ونذر للرب نذر للرب نذرًا وقال: “أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك. وأوفي بما نذرته. للرب الخلاص” (يون 2: 9).
حتى وهو في بطن الحوت، كان يرى خلاص الرب. وكان يرى أنه سيخرج منه، ويرى الهيكل المقدس، ويذبح للرب ويوفي نذوره.
إنه الإيمان مصدر كل سلام وراحة. لا خوف فيه ولا قلق.
6- فإذا قَلَّ الإيمان، حينئذ يخاف الإنسان.
بطرس في إيمانه استطاع أن يمشي مع الرب فوق الماء، ناسيًا كل قوانين الجاذبية. فلما تذكرها وخاف حينئذ سقط، فوبخه الرب قائلًا “يا قليل الإيمان لماذا شككت” (متى 14: 31).
وهكذا ربط الرب بين الخوف والشك وقلة الإيمان. وحقًا إنه ترابط عجيب:
الشك يضعف الإيمان. وضعف الإيمان يؤدي إلى الخوف. والخوف يسبب السقوط.
وبنفس الوضع نتحدث عن التلاميذ لما هاجت عليهم الأمواج في السفينة. رؤيتهم الأمواج تغطي السفينة، بينما الرب نائم فيها، جعلتهم يشكون في اهتمام الرب بهم. والشك أضعف إيمانهم، فخافوا. لذلك وبخهم الرب قائلًا “ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان” (متى 8: 26).
في كل مرة تخاف، وبخ نفسك على قلة إيمانك.
قُل لنفسك أين هو إيماني بأن الله موجود، وبأنه ضابط الكل يرى كل شيء؟ وأين إيماني بمحبة الله، وبتدخله في مشاكل، وبقدريه على كل شيء، وأين إيماني بأن الله صانع الخيرات، وبأنه لا بُد سيصنع معي خيرًا؟!
هذه الأفكار كلها تقوى إيمانك، وتمنك سلامًا، وثقة بعمل الله.
الإيمان مُريح للنفس. لأن الذي يؤمن بوجود الله، لا يشعر بالوحدة. بل يثق أن هناك قوة إلى جواره
إنه يؤمن بوجود هذه القوة القادرة على كل شيء، التي تسانده، والتي كلها حب وعدل. وهي تعمل الخير الجميع، وتتراءف على كل من هو في ضيقة… وإذ يطمئن إلى هذه القوة الإلهية الحافظة، يمتلئ قلبه سلامًا، ولا يقلق ولا يخاف… أما غير المؤمن، فإذ لا يثق بقوة خفية تسنده، نراه يتعب، ويقف وحيدًا في ضيقاته فاقدًا للسلام…
7- القديس بطرس كان في السجن، وقد نام نومًا ثقيلًا.
مع أن هيرودس الملك، لكي يرضي اليهود، كان قد قتل القديس يعقوب بن زبدي أحد الاثني عشر، وأمر بالقبض على القديس بطرس وألقاه في السجن “مسلمًا إياه إلى أربعة أرابع من العسكر ليحرسوه”. وكان مزمعًا قتله بعد الفصح (أع 12: 1-4).
وعلى الرغم من السجن، ومن الحراسة المشددة، ومن توقع القتل… نام بطرس في السجن، واثقًا من وجود حراسة إلهية تحرسه، أكثر من حراسة العسكر عليه. وكان نومًا ثقيلًا، لدرجة أن الملاك الذي أتى لينقذه، ضربه في جنبه ليوقظه (أع 12: 7)..
أي سلام قلبي هذا، الذي يجعل إنسانًا في مثل هذه الظروف ينام، وهو في السجن، وفي نفس الليلة التي كان فيها هيرودس الملك مزمعًا أن يقدمه للقتل..!
إنه الإيمان بحِفظ الله، إن أراد له حياة على الأرض…
أو الإيمان بالأبدية السعيدة، إن شاء الله له أن يستشهد.
وفي كِلْتَي الحالتين، الأمر يدعو إلى الفرح. بذلك كان السلام يملأ قلبه. وكان ينام في هدوء. وما كانت الأمور الخارجية تزعجه…
ولعله كان هناك سبب آخر لهذا السلام، وهو أنه “كان بطرس محروسًا في السجن. وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله” (أع 12: 5).
الإنسان المؤمن هو الذي يستطيع أن ينام في حضن الله ويستريح.
إنه يسلم حياته وكل مشاكله للرب. ويقول للرب: ما دمت أنت قد استلمت هذه الموضوعات، فأنا سوف لا أشغل نفسي بها. إنها قد انتهت بالنسبة إلى، وانتقلت إلى يديك أنت، وأنا واثق أنك ستصنع كل خير. أما أنا فمطمئن إلى عملك، وسأنام وأستريح. لذلك حسنًا قيل في المزمور إنه “يعطي أحباءه نومًا”(1) (مز 127: 2).
8- دانيال النبي والثلاثة فتية، مثال للإيمان المملوء بالسلام.
دانيال كان ينتظر أن يلقى في جُب الأسود، ومع ذلك لم يفقد سلامه، ولم يفقد أيضًا شجاعته. واحتفظ بإيمانه، وصلي إلى الله إلهه بكل مجاهرة، وبلا خوف.
في جُب الأسود، كان قلب دانيال أقوى من قلوب جميع الأسود التي معه… وكأنه يقول: وماذا إن ألقوني في جب الأسود؟ أليس الرب هناك أيضًا. أو ليس هناك ملاكه يسد أفواه الأسود…
وكذلك الثلاثة فتية ما خافوا من أتون النار.
لا شك أن الإيمان يخلق في قلب كل شجاعة وجرأه، وينزع منه كل خوف.
9- وهكذا كان القديسون في طريقهم إلى الاستشهاد.
كانوا يغنون أغاني الفرح، ويسبحون الله، وهم في طريقهم إلى الموت. وما كان الموت يزعجهم، ولا العذاب. كان إيمانهم بالحياة الأخرى، وبالأبدية السعيدة، وبعشرة الرب في الفردوس، كل ذلك كان يملأهم سلامًا بل وفرحًا، بل أيضًا اشتياقًا إلى الموت، مغنين مع بولس الرسول “لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. فذاك أفضل جدًا” (في 20: 23).
إن الموت لا يخيف المؤمن، بل يفرحه…
10- في كل ضيقة وصعوبة وعقبة، المؤمن لا يخاف، ولا يفقد سلامه. المؤمن ينتصر على العقبات، دون أن يخاف منها. يشعر أن الله سيحل الصعوبات التي تصادفه يتركه وحده فيها.
أما غير المؤمن فربما الصعوبات تصيبه بالتردد والخوف. وبعدم إيمانه يجبن. بل عدم الإيمان قد يصور له صعابًا ومخاوف غير موجودة، كأن “الأسد في الطريق . الشبل في الشوارع” (أم26: 13).
أما المؤمن فلا يخاف مطلقًا مهما صادفته المصاعب والمتاعب. إنه يلاقيها كلها في هدوء وفي اطمئنان واثقًا بعمل الله معه.
11- بهذا الإيمان والاطمئنان، وقف القديس أثناسيوس يحارب الأريوسية.
بكل ما كان للأريوسية من صلة بالإمبراطور، وتأثير عليه وعلى حاشيته. بل بكل ما كان لها أيضًا من تضليل للشعب، وضغط على الأساقفة وإقناع لبعضهم، وإثارة جو عام من الشك. حتى قيل لهذا البابا المؤمن:
[العالم كله ضدك يا أثناسيوس] فأجاب [وأنا أيضًا ضد العالم].
وهكذا لم ترهبه قرارات النفي من الأباطرة، ولا قرارات الحرم من بعض الأساقفة، ولا الشكوك المنتشرة في كل مكان، ولا الاتهامات الباطلة التي يلصقونها به. وإنما ظل يطوف من بلد، بكل ثقة، يعلم ويقنع، ويزيل الشكوك، ويثبت الناس في الإيمان، ويكتب الردود والمقالات، ويدحض براهين الأريوسيين… إلى أن انتصر أخيرًا، الإيمان على يديه. وقال القديس جيروم:
[مَرَّ وقت، كاد فيه العالم كله أن يصبح أريوسيًا، لولا أثناسيوس].
هذا هو الإيمان الذي لا يعرف خوفًا ولا اضطرابًا، ولا تهزه الأحداث، بل يحتفظ بسلامه وسط النيران المتقدة إلى أن يطفئها الله…
إن إيمان القديس أثناسيوس بالعقيدة التي كان يدافع عنها، منحه قوة جبارة، وقف بها ضد جميع المقاومات. وكل قوة أثناسيوس، إنما تكمن في إيمانه، الإيمان الذي يستطيع أن يصنع الأعاجيب.
12- بالإيمان بشر أناس بالمسيح في بلاد تأكل لحوم البشر ولم يخافوا.
ودخلوا في مجاهل أفريقيا، وفي الغابات، وفي مناطق خطرة حتى من جهة طبيعتها ومناخها أهلها. ولم يخافوا. إيمانهم بالله الحافظ لهم، أعطاهم قوة وشجاعة. وكذلك إيمانهم بخيرية وأهمية العمل الذي يقومون به، أهمية أن يوصلوا كلمة الله للنفوس التي هناك حتى لا تهلك في عدم إيمان. كل هذا أعطاهم قوة، ونزع الخوف من قلوبهم، فتمموا عملهم،ولم تثنهم عنه الغربة، ولا قسوة المناخ، ولا وحشية الناس، ولا خطورة الطبيعة…
13- بالإيمان أخذ أبونا نوح معه الوحوش في الفلك ولم يخف.
ما دام الله قد قال له خذها معك اثنين، إذن فسيأخذها. والله الذي أصدر الأمر سيحفظه منها. وستكون معه كما كانت مع آدم في الفردوس، يعيش معها بلا خوف، وبكل سلام في القلب… وقد كان.
أبونا نوح كان مؤمنًا بكلمة الله له، لذلك لم يخف.
14- بل إن كل من آمن بفكرة، يعطيه الإيمان بها قوة لتنفيذها.
وهكذا كان المصلحون في كل زمان ومكان. آمنوا بفكرة، فجاهدوا بكل قوة لتنفيذها. وبسبب إيمانهم احتملوا الكثير من الضيق، حتى أكملوا عملهم.
غاندي Mahatma Gandhi مثلًا آمن بحق الإنسان في الحرية، وآمن بسياسة عدم العنف. وأعطاه هذا الإيمان قوة عجيبة استطاع بها أن يجرر الهند، وأن يعطي الحقوق للمنبوذين متساوين مع إخوتهم. واستطاع أن يحتمل الكثير لكي لا يسلك أتباعه بعنف، ولا يلاقون العنف بالعنف. إيمانه بالفكرة أعطاه القوة على تنفيذها، فكم بالأكثر بما لا يقاس: الإيمان بالله.
15- بل حتى الإيمان بالعلم يصنع الأعاجيب. مثال ذلك رواد الفضاء.
وأقصد كمثال إيمانهم بما قيل لهم عن منطقة انعدام الوزن. وكيف أن الإنسان فيها يمكن أن يمشي في الجو دون أن يسقط. مَن مِن الناس يجرؤ أن يمشي في الجو دون أن يخاف. أما الذي جعلهم ينفذون ذلك فهو إيمانهم الأكيد ببحوث العلماء الذين قالوا بهذا. والإيمان يعطي قوة وشجاعة. فكم بالأكثر الإيمان بالله .
إن الفرق بين أشجع الناس وأخوف الناس، هو الإيمان.
إن الشخص الجريء هو الذي لديه إيمان، بأنه لن يحدث له ضرر ما، أو هو المؤمن بلزوم عمله وضرورته مهما حدث له، أو هو المؤمن بصفة الشجاعة وعدم الخوف. أما الجبان فهو على عكس هذا كله .
16- أيضًا الإيمان بالأبدية، يعطي الإنسان راحة وسلامًا.
إذ يوقِن أنه لا بُد سينال حقه، إن لم يكن على الأرض، ففي السماء. ولا يكن مظلومًا هنا وهناك. كذلك سينال سعادته كاملة: ما لم يتحقق منها هناء، سيتحقق بكل تأكيد في النعيم الأبدي. وهكذا يعيش مرتاحًا، ولو كان مثل لعازر المسكين.
17- الإيمان بقوة الصليب، يمنع الخوف.
الذي يؤمن بالصليب وقوة الصليب وعلامة الصليب، كثيرًا ما يشعر باطمئنان إذ يحتمي وراء هذا الصليب.
فإن تَعَرَّض لخوف أو خطر، ورشم ذاته بعلامة الصليب، يمتلئ قلبه سلامًا، ويحس أن قوة تحميه، وتمنع عنه الخوف، ويحس أن قلبه دخلته قوة لم تكن فيه من قبل وصارت له علامة الصليب سلاحًا.
وهناك إنسان آخر له إيمان كبير بفاعلية المزامير.
يتلوها في أي وقت، أوفي وقت الحاجة، فيشعر أن المزمور فيه قوة خاصة، تطمئن قلبه وتمنحه سلامًا. فإن كان خائفًا مثلًا، وتلا مزمور 91 (الساكن في ستر العلي)، أو 23 (الرب يرعاني)، أو 27 (الرب نوري وخلاصي).. للوقت يشعر بسلام داخله، وبأن قوة المزمور قد حلت عليه.
نحن نعرف أن المزامير قد بالروح (متى 22: 43، 44). وأنها كجزء من الكتاب، قالها داود مسوقًا بالروح القدس (2بط 1: 21). لذلك لها قوة بلا شك.
آخرون لهم إيمان في أرواح القديسين وعملها لأجلهم.
لذلك يشعرون بسلام، حينما يطلبون صلاة ومعونة قديس يحبونه ويثقون بدالته عند الله.
أذكر بهذه المناسبة راهبًا أثيوبيًا متوحدًا، كان يعيش في مغارة في وادي النطرون. في إحدى المرات ضَلَّ طريقة بالليل، إذ كان يشكو وقتذاك من ضعف في بصره. وأقبل عليه الليل والظلام. فرسم دائرة واسعة على أرض الصحراء، وَحَوَّطَهَا بعلامة الصليب من كل ناحية، ونام داخلها. وفي الصباح رأى آثار الدبيب والحيوانات خارج الدائرة، ولم تستطيع أن تدخلها لتؤذيه.
أتذكر منذ زمن طويل، أنني كنت مسافرًا في سفينة، وقد هاجَت الأمواج جدًا عليها، وخاف الركاب. ونظرت فرأيت من بين الركاب معنا إنسانًا طيبًا جدًا كنت أثق كثيرًا بقداسته. فاطمأن قلبي. وَقُلت في داخلي “من المُحال يسمح الله بغرق السفينة، وفي داخلها هذا الإنسان الطيب الذي يحب الله”. وَنَجَت السفينة فعلًا، ولم يحدث لها أي ضرر.
لقد كان مجرد وجود هذا الإنسان الطيب سببًا في السلام وتقوية الإيمان. وربما كان هذا شعور ركاب آخرين…
إن القصص الاختيارية في هذا المجال، لا تدخل تحت حصر. وكلها تقوى الإيمان. ولكني لست أرى الآن مجالها…
نكتفي بهذا الجزء وندخل في علامة أخرى من علامات الإيمان…
_____
الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
(1) توضيح من الموقع: الآية من ترجمة الأجبية، والنص الكتابي للآية: “يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْمًا” (سفر المزامير 127: 2).
No Result
View All Result