هناك من يتضايق من معاملات الناس وأسلوبهم الذي لا يستطيع أن يحتمله. يقول لقد نبهت فلانًا من الناس أن يغير أسلوبه في التعامل معي، ولم يغيره! وربما تقول زوجة هذا الكلام عن زوجها.
وللناس طباع يحتاجون في تغييرها إلى طول أناة.
ليس من السهل عليهم أن يغيروا طباعهم بسرعة.. ربما يريدون ولا يستطيعون. وقد يغلبهم الطبع فتتكرر أخطاؤهم عن قصد أو غير قصد. وقد لا يشعرون أن ما يفعلونه خطأ
عاش التلاميذ مع السيد المسيح أكثر من ثلاث سنوات. يتعلمون منه. وكما قال لهم “تعلموا منى، فإني وديع ومتواضع القلب” (مت 11: 29). ومع ذلك فإنه عند القبض عليه، ضرب بطرس عبد رئيس الكهنة بالسيف، فقطع أذنه (يو 18: 10) فوبخه السيد قائلًا: رد سيفك إلى غمده، لأن الذين يأخذون بالسيف يهلكون” (مت 26: 52).
إن القديس بطرس الرسول لم يستطع أن يقاوم طبع الاندفاع الذي كان عنده، وغلب منه مرات. واحتاج إلى طول أناة من الرب أن يحتمله، حتى وقت غسل الأرجل (يو 13: 6 – 10). وبنفس الاندفاع تكلم وأخطأ حينما قال السيد المسيح إنه سوف “يتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم” (مت 16: 21). كل التلاميذ سكتوا، أما بطرس فلم يستطع أن يقاوم اندفاعه، وانتهر السيد قائلًا “حاشاك يا رب”. فوبخه الرب على ذلك
القديس موسى الأسود أيضًا احتاج إلى طول أناة عجيبة من معلمه القديس أيسوذورس، حتى يتغير طبعه وحتى يصير قديسًا تائبًا وديعًا ومعلمًا لكثيرين..
بطول الأناة، لا يملكنا الغضب على الخطاة.
وفي هذا قال الكتاب “ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلم، مبطئًا في الغضب”. هذا الإبطاء يعنى طول الأناة في الاستماع إلى الناس، وإعطاء فرصة للعقل أن يتدبر الأمر في حكمة، يهدئ نفسه فلا يخطئ.. الإنسان الطويل الأناة هو إنسان بطئ الغضب.
إن الله كان يطيل أناته علينا، لأنه يعرف ضعف طبيعتنا.
يقول داود النبي في ذلك “لا يحاكم إلى الأبد، ولا يحقد إلى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا.. لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن” (مز 103: 9 -14). فليتنا نعمل بعضنا بعضًا بنفس الأسلوب، بطول أناة، واضعين أمامنا ضعف الطبيعة البشرية وإمكانية سقوطها. فقد قيل عن الخطية إنها “طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء” (أم 7: 26)