القلب العامر باللطف لا يوبخ كثيرًا. وإن وبخ لا يستخدم كلامًا جارحًا.
ولنا مثال على ذلك موقف سيدنا يسوع المسيح من تلميذه بطرس الذي أنكره ثلاث مرات، وسب ولعن.وقال عنه: لا أعرف الرجل (مت 26 – 74). فلما التقى به الرب بعد القيامة، وأراد أن يوبخه على إنكاره، لم يذكره بأنه أنكره ثلاث مرات، أنه حلف وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل! وإنما قال له ثلاث مرات “يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر من هؤلاء”. وفي كل مرة يجيب فيها بطرس بعبارة إني أحبك، كان يقول له “أرع غنمي” أو “ارع خرافي”. وأحس بطرس بهذا التوبيخ اللطيف وحزن. وقال له “يا رب، أنت تعلم كل شيء. أنت تعرف أنى أحبك” (يو 21: 15 -17)
حقًا. إن القلب العامر باللطف، يكسب الناس بلطفه.
لقد استطاع الرب أن يكسب زكا العشار، والمرأة السامرية، والخاطئة المضبوطة في ذات الفعل، وتلك التي بللت قدميه بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها.. كل أولئك كسبهم باللطف. عاملهم بلطف. لم يوبخ أحدًا منهم، ولم يستخدم التوبيخ والكلام القاسي.. ما أشد قسوة بعض (المتدينين) في معاملتهم للخطاة، أو من يظنونهم خطاة..! وما أكثر ما يستخدمون من عبارات جارحة في توبيخهم! ويسحبون أن هذا غيره مقدسه منهم وشهادةالحق! وأنهم يقودونهم بهذا إلى التوبة. ولكنالسيد المسيح لم يكن هكذا، بل قيل عنه:
“لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ” (مت 12: 20) (إش 42: 3)
لم يذكر زكا العشار بشيء من كل أخطاء ماضية. بل وسط الزحام، وقف عنده بالذات، وناداه باسمه، ودعا نفسه أن يدخل بيته ويبيت عنده. ولما “تذمر الجميع قائلين إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ”. دافع السيد المسيح عن زكا قائلًا إنه هو أيضًا ابن لإبراهيم. وأعلن أنه ” اليوم حصل خلاص لهذا البيت” (لو 19: 5 – 9). ترى لو وبخ زكا، أكان سيكسبه؟! كلا، بل باللطف قد كسبه..
فرق كبير بين القسوة التي توبخ الإنسان على خطاياه، وبين اللطف الذي يجعل الخاطئ من تلقاء ذاته يعترف بخطاياه ويتوب عنها.
وهذا هو ما حدث مع زكا. لم يقل له السيد إنه خاطئ، بل قد يجعله مستحقًا أن يبيت الرب في بيته، على الرغم من سمعته الرديئة. وبهذا اللطف قال زكا “ها أنا يا رب أعطى نصف أموالى للمساكين. وإنه كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف” (لو 19: 8).