حياة الوداعة
اعداد: ميشيل نجيب دميان
تعريف :
فى اللغة العربية، الوداعة: الهدوء والسكينة
فى اللغة اليونانية: الوداعة: prautes
فى اللغة الانجليزية ،الوداعة : Meekness
مفهوم الوداعة :
وداعة مطلقة :هى وداعة السيد المسيح ، وقد ظهرت وداعته فى حياته وتعاليمه ومعاملاته مع الناس التى تتسم بالحنان والرحمة والعطف فقد قال عن نفسه أنى “وديع ومتواضع القلب” (مت11: 29)
وداعة نسبية : هى وداعة الإنسان وهى تتناسب مع مدى سلوك الإنسان بوداعة داخلية نحو نفسه ووداعة خارجية نحو الآخرين “فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة“ (يع3: 13).
وداعة خارجية : تتمثل فى معاملات الإنسان مع الآخرين بالوداعة والتواضع وسعة الصدر وطول البال والاحتمال.. ” يا ابني اقضي أعمالك بالوداعة فيحبك الإنسان الصالح” (ابن سيراخ 3: 19).
وداعة داخلية: تتمثل فى هدوء الأعصاب وهدوء الملامح والصوت والمشاعر.. ” أن تسلكوا .. بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضا في المحبة” (اف4: 2)
وداعة القلب : هو القلب الحنون الشفوق العطوف الذى يحتمل الآخرين ويصفح عن المسيئين.. “فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء (قلوب) رافات ولطفا وتواضعا ووداعة وطول أناة” (كو3: 12)
وداعة الروح : هى اتضاع ومسكنة الروح “زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن” (1بط3: 4) وهى أولى التطويبات “طوبى للمساكين بالروح لأن لأهم ملكوت السموات” (مت5: 3)
السيد المسيح مثلنا الأعلى فى الوداعة :
وداعته فى ميلاده وحياته: ظهرت وداعته فى ولادته فى مذود بسيط ، وعاش بكل وداعة وتواضع وكان يعمل بيديه نجارا ، وكان لا يمتلك بيتاً أو مكاناً يستريح فيه “ وأما ابن الإنسان(المسيح) فليس له أين يسند رأسه.”(مت8: 20) ووداعته فى دخوله الى أورشليم إكمالا للنبوة “اهتفي يا بنت أورشليم هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل و منصور وديع و راكب على حمار و على جحش ابن أتان” (زك9: 9)
تعاليمه السامية : عن التواضع والوداعة ومسكنة الروح ، فقد جعل الطوبى الأولى للمساكين بالروح الذين يؤهلون لميراث ملكوت السموات ” طوبى للمساكين بالروح لان لهم ملكوت السماوات”(مت5: 3) والطوبى الثانية للودعاء الذين يؤهلون لميراث الأرض “طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض”(مت5: 5)
دعانا أن نتعلم منه الوداعة والتواضع: فقد جعلها أهم الأشياء التى نتعلمها منه ” تعلموا مني لأني وديع و متواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم”(مت11: 29) قال القديس اغسطينوس “تواضع مع إلهك المتضع ، لكيما ترتفع فى إلهك الممجد.”
الوداعة من ثمر الروح القدس:
ثمرة مباركة: إن الوداعة هى أن يكون الإنسان سالكا بالكمال مع نفسه ومع الآخرين أيضا . فالوداعة وضبط النفس من ثمر الروح القدس “أما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف”(غلا5: 22) فأن الوداعة أنما تأتى إلينا حين يقودنا الله بمعونة روحه القدوس .
قوة الوداعة: إن الوداعة هى القوة التى تأتينا من روح الله لاستخدامها لخدمة البشر وخدمه الله . قال القديس مار اسحق السرياني” الاتضاع يتقدم النعمة.”
سمات الوداعة المسيحية :
1-الوداعة مع المحبة : هناك علاقة وثيقة بينهما لان المحبة هى رباط الكمال وترتبط بكل الفضائل”على جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال“(كو3 : 14) وهكذا يسأل بولس الرسول أهل كورنثوس “ماذا تريدون أبعصا أتي إليكم أم بالمحبة وروح الوداعة“(1كو4 : 21) ومحبة الخير لكل إنسان بصرف النظر عما يفعله. قال القديس موسى الأسود ” قساوة القلب تولد الغيظ ، والوداعة تولد الرحمة .”
2-الوداعة مع التواضع : لان الوداعة والتواضع هما من سمات الإنسان المسيحي” فاطلب إليكم.. أن تسلكوا.. بكل تواضع ووداعة“(أف4: 1،2) والذين يحيون مع الله يجب أن يتوشحوا بأتضاع العقل وبالوداعة “فالبسوا كمختاري الله.. تواضعا و وداعة ” (كو3 : 12) ويسوع المسيح نفسه “وديع ومتواضع القلب” قال القديس موسى الأسود “تواضع القلب يتقدم الفضائل كلها والكبرياء هى أساس كل الشرور.”
3- الوداعة مع الشجاعة : إن الوداعة لا تتعارض مع الشهامة والشجاعة والنخوة ، ولكن بدون عنف او تهور ، فالطيبة هى الطبع السائد عند الوديع ، ولكن عندما يدعو الموقف الى الشهامة أو الشجاعة أو الشهادة للحق ، فلا يمتنع عن ذاك بحجة التمسك بالوداعة ومثالنا هو المسيح نفسه “الوديع والمتواضع القلب” عندما دخل الهيكل ليجد الباعة والصيارفة بشكل لا يتناسب قدسيه الهيكل طردهم ” وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى وانتم جعلتموه مغارة لصوص” (مت21:13) كما وبخ المسيح الكتبة والفريسيين على ريائهم . فالوداعة فضيلة عظيمة ولكن ترتبط هنا بالغيرة المقدسة ، وترتبط بالشهادة للحق ومثلنا هو المسيح والرسل والقديسين
مجالات الوداعة :
1- وداعة فى التعامل : إن الوداعة هى القدرة على الجمع بين القوة والرقة فى التعامل وخصوصا فى المناقشات..”أمل أذنك الى المسكين واجبه برفق ووداعة.” (بن سيراخ4: 8) إن الوداعة والبر هما أساس النجاح وحياة السلام ” أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة” (مز37: 11) قال القديس يوحنا القصير ” ليكن كل واحد كبيرا فى عينيك ولا تهن الذين اقل منك.”
2- وداعة فى التعليم : إن الوداعة هى روح التعليم والتعلم “فاقبلوا بوداعة الكلمة (كلمة الله) المغروسة القادرة أن تخلص نفوسكم.”(يع1: 21) فالوداعة هى التى تعرف الإنسان مقدار جهله وتقوده لمعرفة الأشياء التى لا يعرفها ، حيث يفتح الذهن على الحق والقلب على محبة الله . والوداعة فى التعليم تتمركز حول الله ولا تتمركز حول الذات ، وتوجيه الناس لمحبة الرب .
3- وداعة فى التقويم : خلال الوداعة يتم التأديب وإصلاح أخطاء المخطئين ” أيها الإخوة إن أنسبق إنسان فاخذ في زلة ما فأصلحوا انتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة.”(غلا6: 1) إن روح الوداعة تجعل الإصلاح حافزاً وليس مثبطاً ، ورجاءً وليس يأساً. كما بالوداعة يجب أن نتعامل مع الذين يقاوموننا “ مؤدبا بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق” (2تى2: 25) قال القديس يوحنا الدرجى “الوداعة لا تتغير فى الكرامة ولا الاهانة.”
4- وداعة فى العبادة : لان الله يسمع صلاة الودعاء ويستجيب لهم ” تأوه الودعاء قد سمعت يا رب ، تثبت قلوبهم تميل أذنك.”(مز10: 17) قال القديس امبروسيوس “إن الوداعة هى القاعدة الأولى الجديرة بالإتباع فى التسبيح والترتيل ، وفى صلواتنا نفسها تكون بالوداعة مقبولة ومرضية جدا وتكسبنا نعمة عظيمة لدى الله.”
بركات حياة الوداعة:
1- الارشاد الالهى : إن الودعاء يستسلمون لمشيئة الله ويخضعون له فينالوا منه الإرشاد ومعرفة إرادته ” يدرب (الله) الودعاء في الحق و يعلم الودعاء طرقه” (مز25: 9) إن الوداعة من الفضائل الأمهات التى تلد بنين كثيرين كالمحبة والرحمة والصفح وضبط النفس وإنكار الذات.. قال القديس باخوميوس “كن وديعا ليحملك الرب ويملأك معرفة وفهم ..وحينئذ يثبتك أمامه ويهيئ لك السلامة فى جميع طرقك.”!
2- الرفعة والسعادة : أن الرب يعطى كرامة ورفعة للودعاء ” الرب يرفع الودعاء و يضع الأشرار الى الأرض” (مز147: 6) والودعاء لهم التطويب والسعادة فى الحياة “ أما الودعاء فيرثون الأرض و يتلذذون في كثرة السلامة” (مز37: 11) قال القديس يوحنا الدرجى “يجد الرب راحة فى القلوب الوديعة ، أما الروح المضطربة فهي كرسي الشيطان ، الودعاء يرثون الأرض او بالحري يسيطرون عليها ، أما ذو الخلق الشرير فيطردون من أرضهم.”!
3- الميراث السماوي : لقد وعد الرب المساكين بالروح والودعاء بالسعادة فى الارض والسماء ” طوبى (سعادة) للمساكين بالروح لان لهم ملكوت السماوات… طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض”(مت5:3،5) وقد فسر بعض الآباء عبارة “” يرثون الأرض” المقصود بها ارض الأحياء “وأنا أؤمن أن أعاين الرب فى ارض الأحياء(السماء) ” (مز27: 13) قال القديس مقاريوس “اجتهدأن يكون اسمك مكتوباً في كنيسة السـماء.
يايسوع لقد اتيت لتكون لنا حياة ولتكون لنا بوفرة
تدريبات لحياة الوداعة :
+ يجب ان تتمسك بالوداعة في كلامك وملامحك وفي طريقة سيرك..
+ عدم إغضاب أحد أو مضايقته أو احتقاره.. بل شجع الاخرين وازرع الامل فيهم .
+ ابتعد عن استخدام العنف بكل أنواعه ، ولا تواجه العنف بالعنف ، ولا يغلبنك الشر، بل أغلب الشر بالخير.
+ وفي معاملاتك مع الاخرين لا تفترض المثالية في جميع الناس، فان قوبلت بتصرف خاطئ من البعض لا تتضايق ، فالناس هكذا فيهم الطيب والرديء.
+ لا تسمح لأي شيء أن يثيرك ، بل تقبل كافة الأمور بنفس هادئة ، لا تنفعل كثيراً بالأسباب الخارجية مهما كانت تبدو متعبة ، ولا تقلق او تضطرب..
+ نصيحة للقديس يوحنا الدرجى : “الوداعة صخرة قائمة على شاطئ الغضب تكسر كافة الامواج التى تلطمها ، ولا تتحرك او تضطرب البتة..”!
No Result
View All Result