السلام 1
كتاب ثمر الروح – البابا شنوده الثالث
السلام:
-
أهمية السلام
-
سلام مع الله
-
سلام من الله
-
سلام زائف
-
سلام مع الناس
-
الاطمئنان وعدم الخوف
-
أسباب الخوف
-
الذين لا يخافون
هكذا قال القديس بولس الرسول “ثمر الروح: محبة فرح سلام” (غل 5: 22). وقد تحدثنا عن المحبة والفرح… ونود أن نتحدث الآن عن السلام.
نذكر أولًا مقدمة عن أهمية السلام، وعن استعماله في الكتاب وفي الصلوات وفي الحياة…
ثم نتحدث عن ثلاثة عناصر هامة للسلام:
1- سلام مع الله، وسلام من الله.
2- سلام مع الناس.
3- سلام داخلي في القلب بين الإنسان ونفسه…
أهمية السلام
السلام عنصر هام لحياة الناس. بدون لا يستقر مجتمع،، ولا يهدأ إنسان. والسلام هو شهوة الدول والشعوب حتى تعمل في هدوء. وبدونه يعيش العالم في شريعة الغاب.
والله يريد لنا السلام، ويمنحنا إياه.
هو الذي قال لتلاميذه القديسين “سلامي أترك. سلامي أنا أعطيكم… لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع” (يو 14: 27). ونحن نصلى هذا الفصل من الإنجيل في الساعة الثالثة من كل يوم، متذكرين هذا السلام، حتى لا تضطرب قلوبنا ولا تجزع. والسلام هو الأنشودة التي غنى بها الملائكة يوم ميلاد السيد المسيح. فقالوا “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام..” (لو 2: 14).
وما أكثر ما يقول الأب الكاهن عبارة “السلام لجميعكم”.
يقولها في بدء كل صلاة طقسية، وفي بدء الأواشي، مرات عديدة جدًا في كل قداس إنه يصلى أن يكون السلام في قلوب الجميع، لأنهم إن فقدوا سلامهم، فقدوا العنصر الأساسي لحياتهم ولتعاملهم من الآخرين…
والسلام هي التحية التي يتبادلها الناس كل يوم. وهي التي صدرت من الرب ومن الملائكة…
عند ملاقاة الرب للمريمتين بعد القيامة، قال لها سلام لكما (مت 28: 9). وعندما دخل العلية على التلاميذ قال لهم سلام لكم (يو 20: 19). بل أن هذه العبارات تكررت في هذا الإصحاح من إنجيل يوحنا ثلاث مرات (انظر أيضًا لو 24: 36)
وفي إرسال الرب لتلاميذه قال لهم: وأي بيت دخلتموه، فقولوا سلام لأهل هذا البيت. فإن كان ابنًا للسلام، يحل سلامكم عليه (لو 10: 5، 6).
القديسة العذراء عندما زارت القديسة أليصابات بدأتها بالسلام “فلما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس” (لو 1: 41) ترى ما قوة ذلك السلام!!
والملاك جبرائيل في تبشيره للعذراء بميلاد المسيح، قال لها “السلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك” (لو 1: 28). ونرى أن الآباء الرسل يبدأون رسائلهم بالسلام. فيقولون “نعمة لكم وسلام” (رو 1: 7) (1كو 1: 2) (2كو 1: 2) (غل 1: 3) (أف 1: 2).. وفي خلال الرسائل يقولون: سلموا على… يسلم عليكم..” (أنظر رو 16) (3 يو 15).
ومن أهمية السلام أنه وضع في مقدمة ثمر الروح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إذ قيل “ثمر الروح: محبة فرح سلام” (غل 5: 22). وقيل في المعاملات “ثمر البر يزرع في السلام من الذين يعملون السلام” (يع 3: 18). وكما كان بدء اللقاءات بالسلام، كذلك أيضًا كانت تنتهي. كما قال أليشع النبي لنعمان السرياني “أمض بسلام” (2 مل 5: 19). كذلك قال السيد المسيح للمرأى الخاطئة “اذهبي بسلام” (لو 17: 50).
سلام مع الله
حينما خلق الإنسان، كان في سلام مع الله.
ولكن بالخطية، فقد الإنسان سلامه مع الله.
هكذا حدث مع آدم (تك3) ومع قايين (تك 4). وهكذا حدث مع كل الأشرار في العالم عبر الأجيال. لأن الخطية هي انفصال عن الله (لو 15: 13). وهي أيضًا عداوة لله (يع 4: 4) (1 يو 2: 5). لذلك قيل:
“لا سلام قال الرب للأشرار” (أش 48: 22).
وقد تكرر نفس المعنى (أش 57: 21)، في نفس السفر. فالأشرار يفقدون سلامهم مع الله، هنا على الأرض. وأيضًا في آخر الزمان، في مجيء الرب. وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول “مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي” (عب 10: 31). ولكن كيف تكون إذن المصالحة مع الله؟ (2كو 5: 20).
غير المؤمنين يصطلحون مع الله بالإيمان. والخطاة يصطلحون مع الله بالتوبة.
فعن الإيمان قال الكتاب “إذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله” (رو 5: 1). هذا السلام كان نتيجة للدم الذكي الذي سفكه المصلوب لأجلنا “لأنه هو سلامنا… الذي نقض الحائط المتوسط” (أف 2: 14).. هو صنع السلام بين السماء والأرض.
أما عن التوبة، فيقول الله -تبارك أسمه- “ارجعوا إلى، أرجع إليكم” (ملا 3: 7). ويقول القديس يوحنا الحبيب “إن لم تلمنا قلوبنا، فلنا ثقة من نحو الله” (1 يو 3: 21). وقال القديس أغسطينوس في كتاب اعترفاته للرب “ستظل قلوبنا مضطربة، إلى أن تجد راحتها فيك“.
سلام من الله
السلام الحقيقي هو من الله، هذا الذي قيل عنه في المزمور “الله يبارك شعبه بالسلام” (مز 29: 11). وعن هذا السلام، قال الرسول:
“سلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم” (في 4: 7).
الله هو مصدر السلام، ورئيس السلام، وملك السلام. وأول أوشية هي (أوشية السلامة)، نطلب فيها من الله سلامًا للكنيسة وكل الشعب.
سلام الله يحفظنا من الشيطان، ومن الخوف والقلق… فليتنا نتذكر وعود الله لنا.
إنك تجد سلامًا داخل قلبك، إن تذكرت قول الرب “هوذا على كفى نقشتك” (أش 49: 16).
وأيضًا قوله “أما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة” (مت 10: 30). “تكونون مبغضين من الجميع لأجل اسمي. ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك” (لو 21: 18). “لأنه لا تسقط شعرة من رأس واحد منكم” (أع 27: 34).
مما يجلب السلام أيضًا مزامير عن حفظ الله لك.
مثل المزمور (120): “الرب يحفظك. الرب يظلل على يدك اليمنى. فلا تضربك الشمس بالنهار، ولا القمر بالليل… الرب يحفظك من كل سؤ. الرب يحفظ دخولك وخروجك”.
أو المزمور (123): “نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا. عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض”.
أو المزمور (91) “الساكن في ستر العلي، في ظل القدير يبيت. لا تخش من خوف الليل، ولا من سهم بالنهار”، “يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمنيك ربوات. أما أنت فلا يقتربون إليك”.
وما أكثر وعود الله في المزامير التي تجلب السلام، لذلك قلنا:
أحفظوا المزامير، تحفظكم المزامير.
تكلمنا عن السلام الذي من الله، لأن هناك ألوانًا أخرى من السلام الزائف، ليست من الله!
سلام زائف
مثاله السلام الزائف الذي كان يوحى به الأنبياء الكذبة قبل السبي حتى لا يتوب الناس خائفين من غضب الله الآتي. وهكذا قال الرب في سفر حزقيال النبي “أضلوا شعبي قائلين سلام، ولا سلام” (حز 13: 10). وكما ورد أيضًا في سفر أرمياء النبي “قائلين سلام، ولا سلام” (أر 6: 14).
إنه لون من الخداع، فيه تخدير للأعصاب والضمير.
تماما مثلما خدع الشيطان أبوينا الأولين قائلًا “لن تموتا. بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر” (تك 3: 4، 5).
وكأي شخص يدعوه إنسانًا للاشتراك معه في خطية ما، ويشعره بأنه سوف لا يصيبه من ذلك أي أذى، بل سيمر الأمر بسلام!!.. سواء كان ذلك في سرقة أو رشوة أو زنى أو غش…
وقد يأتي مثل هذا السلام الزائف من ثقة الشخص واعتداده بنفسه، وظنه أنه سيفعل كل ما يريد، وتمر كل تدبيراته الخاطئة في سلام! كالقاتل الذي يثق بنفسه أنه سيرتكب جريمته بكل حرص دون أن يترك أثرًا، ويمر ذلك بسلام
كله سلام زائف يصوره الإنسان لنفسه، أو يصوره له الشيطان أو شركاء السوء أو المحرضون.
ننتقل إلى بند آخر وهو السلام مع الناس:
سلام مع الناس
فيه يسلم الناس بعضهم على البعض، ليس فقط بالأيدي، وإنما بالقلب والنية أيضًا. ويقولون كلمة سلام من عمق قلوبهم ويقصدونها.
وإن كانت بينهم خصومة من قبل، يتصالحون…
وعن هذا قال السيد في عظته على الجبل: “إذا ما قدمت قربانك إلى المذبح. وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح. واذهب أولًا اصطلح مع أخيك” (مت 5: 23، 24). وفي هذا تشترط الكنيسة الصلح قبل التناول…
وفي القداس الإلهي نصلى صلاة الصلح قبل قداس القديسين، وقبل سيامات الإكليروس…
ولأنه قد يبدو من الصعب أن تصطلح مع كثير من الأعداء والمقاومين، ذلك قال الرسول:
“إن كان ممكنًا، فحسب طاقتكم، سالموا جميع الناس” (رو 12: 18).
ذلك لأن البعض لا يمكنك مسالمتهم، إلا إذا اشتركت في الخطأ معهم، أو بسبب شراسة طباعهم، أو لأنهم يحسدونك بسبب نجاحك، أو بسبب تدابير معينة يدبرونها، أو لأن سلوكك الطيب يكشف أخطاءهم، أو لأي سبب آخر… لهذا حسب طاقتك، إن كان ممكنًا لك، سالم جميع الناس. وإلا فعليك بالآتي:
* لا تجعل الخلاف يأتي بسببك.
كن مصلوبًا لا صالبًا. قد يعاكسك الغير. ولكن لا تبدأ أنت بالشر. ثم لا تكن حساسًا جدًا من جهة أخطاء الآخرين.
* كن واسع الصدر حليمًا.
اذكر ما قيل عن موسى النبي “وكان الرجل موسى حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض” (عد 12: 3).
حاول باستمرار أن تحتمل وأن تغفر.
وكما قال الرسول “لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء “لا تجازوا أحدًا عن شر بشر” (رو 12: 19، 17). ابعد عن الغضب وعن الاستثارة والانفعال وكما قال الرسول:
“لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير” (رو 12: 21).
وأعرف أن الذي يحتمل هو الأقوى، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. أما الذي لا يستطيع أن يحتمل فهو الضعيف. لذلك قال الرسول “يجب علينا نحن الأقوياء، أن نحتمل ضعفات الضعفاء، ولا نرضى أنفسنا” (رو 15: 1).
* لا تطالب الناس بمثاليات. وإنما اقبلهم كما هم، بواقعهم، وليس كما ينبغي أن يكونوا.
إننا نقبل الطبيعة كما هي: الفصل المطير، والفصل العاصِف، والفصل الحار، دون أن نطلب من الطبيعة أن تتغير. فلتكن هكذا معاملتنا لمن نقابلهم من الناس. ليسوا كلهم أبرارًا طيبين. كثير منهم لهم ضعفات، ولهم طباع تسيطر عليهم. إنهم عينات مختلفة، وبعضها مثيرة. فلتأخذ منهم موقف المتفرج، وليس موقف المنفعل. وعاملهم حسب طبيعتهم، بحكمة.
* بالوداعة والتواضع يمكن مسالمة الكثيرين.
إن قيل إنه بالروح الرياضية يمكن أن تكسب الكثيرين وتسالمهم، فكم بالأكثر بالوداعة والاتضاع… وإن كنت في مجال الدفاع عن الحق، فافعل ذلك بهدوء وباتضاع. لك أن تحب الحق، وأن تدافع عن الحق، ولكن ليس لك أن ترغم الناس على السير فيه. إن الله نفسه أعطانا وصايا، ولم يرغمنا على طاعتها.
الاستثناء الوحيد في موضوع المسالمة، هو معاملة الهراطقة والمبتدعين وفاسدي الخلق.
نحن لا نستطيع أن نتجاهل المبتدعين والهراطقة على حساب التفريط في الإيمان. فقد قال القديس يوحنا الحبيب “إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا الإيمان فلا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة” (2يو 10: 11).
إن أراد أحد أن يبعدك عن الإيمان، فاحترس منه ولا تجامله، ولا تقبله في البيت.
بنفس الوضع يمكن أن تبتعد عمن يحاول أن يفسد خلقك ويقودك إلى الخطية.
واذكر قول الكتاب “لا تضلوا، فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة” (1كو 15: 33). وأيضًا ما قيل في المزمور الأول “طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار. وفي طريق الخطاة لم يقف. وفي مجلس المستهزئين لم يجلس” (مز 1).
No Result
View All Result